أن تكون مشاهداً غير أن تكون أحد المشتغلين على المسرح، المهووسين بخشبته، عندها سيسكنك الحزن وتتخيل أن كافة القيم شكلية استهلاكية، وأنه لم يتبق للمثقف مكان يقف عليه.
بوجهة النظر هذه تواصلت عروض مهرجان الصواري المسرحي التاسع للشباب لليلة الخامسة بعرض «الزومبي» وهي ثاني مؤلفات الفنان عبدالله السعداوي في المهرجان.
المسرحية من تمثيل: عمر السعيدي، محمد الصنديد، نضال بدر، محمد مبارك، محمد بهلول، محمد المخضبي، يوسف البلوشي. سينوغرافيا: علي حسين ميرزا، ومساعد مخرج: يوسف فريدون، ويخرجها الفنان عيسى الصنديد في أولى مشواره الإخراجي، وهي تتحدث عن علاقة ما بين المخرج والمؤلف والجمهور، وتصور العزوف الذي طال الخشبة المسرحية، وتشخص حال المسرح الذي هجره مريدوه ومحبوه، فبات مستوحشاً الوحدة، يترقب من يبث فيه الحياة ويبعث فيه الأمل، ويدفع الدماء في شرايينه.
بعث المسرح
يقول مخرج المسرحية الشاب عيسى الصنديد: واجهتني صعوبة في اختيار النص المسرحي المناسب، ونص مسرحية الزومبي كان معي في الكويت خلال دراستي، وبين فترة وأخرى كنت أطلع عليه وأتخيل ذاتي وأنا أمثل فيه. ومع بداية مهرجان الصواري المسرحي بعد توقف دام نحو 12 عاماً، قررت إخراج هذا العمل الذي يتحدث عن ركود المسرح وابتعاد الفنانين عن مواقعهم على الخشبة، بسبب عدد من الظروف، منها: الاقتصادية والسياسية وغيرها.
ويضيف الصنديد: النص عبارة عن لعبة بين المؤلف والمخرج، والهدف منه محاولة المؤلف إحياء المسرح من جديد من خلال المخرج، لكن بعد عدة محاولات تكسرت أحلام الأخير، بسبب وجود شخصيات كان حديثها أكثر واقعية.
يؤكد الصنديد أن السعداوي لم يجبره على إخراج هذا العمل، بل حففزه للخوض فيه، «منه تعلمت تحدي الصعوبات والخوض في غمارها للتغلب عليها، وأعتزم في المرات المقبلة إخراج نصوص مسرحية تجريبية مشابهة، لأني أشعر أن هذا النوع من النصوص يستهويني».
الصنديد يؤدي أيضاً دور المؤلف، ويشير الى أن النص يمس المسرح البحريني، وتحمس لأدائه حينما أطلع عليه، إذ يتحدث عن حال المؤلف عندما يواجه مخرج عاجز لا يوجد لديه ما يقدمه للمسرح، فيأتي له الأول ويحفزه على تقديم عمل مسرحي.
تناقض
من جانبه يؤدي الفنان نضال بدر دورين، الأول: شخصية الملــك أوديب التاريخية، والثاني: المستثمر الذي يتآمــر مع رئيس المسرح لتحويل المسرح إلى مشروع تجاري»، ويعتبر نضال أن العمل في مسرحية «الزومبي» يعني له الكثير، فهي بمثابة عودة إلى المسرح بعد توقــف أكثر من ثلاث سنوات، والشخصيتان اللتان يؤديهما متناقضتين، فالأولى: منكسرة وضائعة، والثانية: متجبرة وطاغية ولديها سلطة ونفوذ، ويعتقد أن ذلك سيضيف إلى رصيده الفني الكثير.
ويؤكد أنه عندما قرر المشاركة في هذه المسرحية، لم يطلع على النص، بل أبدى الموافقة فور طلب المخرج عيسى الصنديد منه المشاركة، من أجل تشجيع الشباب على العطاء في هذا المجال، وعندما علم أن العمل من تأليف عبدالله السعداوي، تحمس أكثر لقراءة النص والاطلاع على فكرته ورسالته التي يسعى لإيصالها إلى الجمهور.
مؤلف يحلم
أما عمر السعيدي فيتقمص دور المخرج، ويعتبر هذا الدور من أصعب الأدوار التي مرت عليه، فهو شخص كبير وفي الوقت نفسه محطم داخلياً بسبب ما عاناه في حياته، وهو غير متقبل لوضعه، وما يجري في البيئة المحيطة به يؤثر عليه وعلى ما يدور فوق الخشبة، ويدخل عليه المؤلف ويقترح عليه تقديم بعض الأفكار والمسرحيات، ولا يتقبل الموضوع لأنه عاجز بسبب الشيخوخة والتعب الذي أعيا جسده.
عمل مركّب
ويرى السينوغرافي علي حسين ميرزا -خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم الديكور المسرحي- العمل «مركب ومعقد وذو أجواء متعددة»، مشيراً إلى أن «المسرحية عبارة عن خليط من أعمال مختلفة، وأصعب شيء يواجهه مصمم السينوغرافيا هو تنفيذ شيء يتوافق مع كل هذه الأزمنة».
ويواصل: حاولت تقديم شيء مختلف في هذه التجربة التي تعتبر الثالثة مع مسرح الصواري بعد مسرحية (يد على يد)، ومسرحية (سري للغاية) مع المخرج إسحاق عبدالله، فهذا العمل يتسم بوجود مساحة أكبر من الحرية في تصميم السينوغرافيا، وهو من أتاح لي العمل بكل أريحية، وتقارب السن بيني وبين المخرج عيسى الصنديد، ساعدني كثيراً في تخيل الأجواء المطلوبة.
وينوه ميرزا بأن مجال السينوغرافيا مفتوح للابداع، ولا يوجد له حد، فكل ما هو على المسرح يعتبر من السينوغرافيا (الإضاءة والديكور والأزياء)، معرباً عن أسفه لعدم وجود تركيز من المخرجين البحرينيين على هذا المجال، «تراهم يحاولون تقديم أي شيء بما هو متاح، ولا يسعون لتقديم ما هو أفضل، وربما يعود ذلك لعدم توافر الدعم الكافي للأعمال المسرحية، داعياً للاهتمام أكثر بالسينوغرافيا، باعتبارها من العناصر المهمــة والمؤثــرة جــداً فــي نجــاح أو فشـــل العمـــل المسرحـــي».