انتقدت د.ضياء الكعبي الصورة النمطية للمرأة العربية في الإعلام والفضائيات العربية، لافتة إلى أن هذه الفضائيات قدمت المرأة بوصفها جسداً وسلعة قابلة للاستهلاك. ودعت الكعبي في ورقة عمل قدمتها لجامعة البحرين، إلى تحسين هذه الصورة عبر شراكة فاعلة وحقيقية بين المؤسسات الرسمية والأهلية، تقدم من خلالها المرأة العربية بوصفها عنصراً فاعلا في التنمية البشرية بشتى جوانبها.وألمحت الباحثة إلى إمكانية إعادة إنتاج الثقافة النسوية وتسويقها عالمياً، من خلال مؤسسات تعنى بالأدب النسائي عموماً، وافتتاح صالونات أدبية نسائية تجمع مبدعات العرب، وتؤصل لثقافة جديدة بالشراكة مع الرجل وبعيداً عن نتاج أدبي ذكوري بحت.
وفيما يلي البحث الذي قدمته الكعبي..

شكلت المرأة العربية مرتكزاً رئيساً للكتابة والإبداع ومساحات مفتوحة للتلقي والتأويل قديماً وحديثاً، بمختلف تعبيراتها وتمظهراتها في سياقاتها الاجتماعية والثقافية المعرفية الحاكمة لها، فهي «جسد وقول وفعل وميدان رحب لممارسة سلطة الأعراف والتقاليد والشرائع».
اتسمت الكتابة عن المرأة في حضارتنا العربية الإسلامية بطابعي التنوع والتعدد اللذين يوقعان المرء في كثير من الأحيان في حيز التناقض. والبحث عن مكانة المرأة العربية وأدوارها في ثقافتنا العربية المعاصرة ورسم استراتيجية ثقافية لها بعزلها عن المنظومــة التـــي تتموضـــع فوقها، وأعني بها البنى الثقافية والدينية والاجتماعيــة والتاريخـيـــة التـــي تؤســـس مرجعية خطابها في ثقافتنا يعد بحثاً مبتوراً واستقصاء قاصراً يحصر نفسه في دائرة ضيقة، ويعجز عن استشراف دوائر أوسع من الدائرة الضيقة المحدودة «فوضع المرأة في المجتمع رهن بطبيعة كل مجتمع وظروفه التاريخية وثقافته الموروثة».
يتسم المجتمع العربي المعاصر بالتنوع الثقافي والفكري في سياقاته التاريخية والثقافية والدينية والاجتماعية، إلى جانب تعدد الهويات الجنسية والإثنية والعقائدية التي تشكله.
وبين حليم بركات في تحليله الدقيق لبنية الثقافة العربية أن الثقافة العربية المعاصرة العامة تشمل في الواقع ثلاثة أنواع محددة من الثقافات الخاصة، وتشمل الثقافة السائدة وهي ثقافة النظام العام والمؤسسات والطبقات والعائلات الحاكمة، وهي الثقافة العامة المشتركة والأكثر انتشاراً، وثانيها الثقافات الفرعية وهي ثقافات خاصة ضمن الثقافة العامة وتتمثل في المجتمع العربي بشكل خاص، في البداوة والفلاحة والحضارة، وتنوع الطبقات وثقافات الأقليات والجماعات والأقاليم، وثالثها الثقافة المضادة المتناقضة مع الثقافة السائدة والداخلة في صراع حاد معها، وتتمثل خاصة باتجاهات الرفض المنتشرة في أوساط المثقفين والمبدعين والثائرين السياسيين.
وتضم الثقافة العربية المعاصرة أنواع الثقافات الثلاث المذكورة، فهناك ثقافة عربية مشتركة «إلا أن هذه الثقافة متنوعة تشمل أو تتصارع في إطارها العام الثقافة السائدة والثقافات الفرعية والمضادة التحريرية». وتتنوع تبعاً لذلك الأنماط الثقافية الخاصة بالرجل والمرأة في الثقافة العربية المعاصرة وتتعقد الأنماط والأدوار وتتعدد، ولذلك فليس من السهل اختزالها في صورة نمطية ثابتة.
وأشار تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005 في جزئه الخاص بنهوض المرأة في الوطن العربي، إلى أن التحقيق الكامل لطاقات المرأة العربية متطلب جوهري لازم للتنمية في البلدان العربية كافة، من خلال وضع المرأة العربية في صلب عملية التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
ونبه إلى أن وضع المرأة في البلدان العربية محصلة تفاعل عدد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتشابكة بصورة مركبة وبعضها إشكالي الطابع، ما يستدعي تحليلاً واسعاً ومعمقاً للعديد من مكونات المجتمع العربي.
وتسعى هذه الدراسة إلى اقتراح استراتيجية ثقافية للمرأة العربية قائمة على رصد مطالبها واحتياجاتها التنموية الثقافية، وقائمة كذلك على بيان علائقها البنيويـــة الوثيقة بالماضي والحاضر والمستقبل، وعلـــى شراكاتهـــا الثقافيـــة مع الرجل ومؤسســـات المجتمـــع المدني، وترتكز الاستراتيجية المقترحة للمرأة العربية على أربع محاور تشمل إحياء المشروع التنويري الخاص بخطاب المرأة العربية المعاصرة، والشراكـــات الثقافيـــة مـــع المؤسســـات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، والمرأة العربية والإعلام الثقافي، والمرأة العربية في مؤسسات التعليم العالي، والشراكات الثقافية مع الآخر.
إحياء المشروع التنويري
يرتبط التفكير العربي المعاصر حول المرأة والنظريات المساندة له ارتباطاً وثيقاً بحركة النهضة العربية وأوجه نضالها المختلفة ضد جميع أشكال السلطة التقليدية الموروثة.
وحظيت المرأة العربية في خطاب التنويريين العرب الأوائل منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، سيما حقبة العشرينات، بعناية فائقة تمثلت في التركيز على قضية محورية كبرى بارزة آنذاك وهي قضية «السفور والحجاب».
ولا شك أن هذه القضية يجب أن تدرس وتحلل ثقافياً في سياقات عصر النهضة العربية وخطابات التنوير بانبثاقها مع نهايات سيطرة الإمبراطورية العثمانية على المنطقة العربية وبدء عصر الكولونيالية الفرنسية والإنجليزية، وبدايات تشكل الدولة الحديثة تحت سيادة الاستعمار الأجنبي وإعلان الدساتير والقوانين في أكثر من مكان، وبروز الهويات الجديدة في بلاد الشام بفعل التقسيم الاستعماري إلى جانب علاقات المثاقفة بين الغرب والشرق وتصدرها كتابات رفاعة الطهطاوي في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، وعلي مبارك في روايته التثاقفية الرائدة «علم الدين»، مما أفرز تيارات فكرية وسياسية متبنية مشروع الحداثة بوصفها إطاراً ضرورياً لإصلاح المجتمع وتحريره.
ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى جهود الرواد التنويريين الأوائل أمثال جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وفرح أنطون وشبلي الشميل وجرجي زيدان وقاسم أمين وعلي عبدالرازق وغيرهم.
ويتسم خطاب النهضة حول المرأة في مرحلته الأولى من حيث المرجعية باتجاهين مميزين، الأول علماني ينظر إلى حقوق المرأة من منظور إنساني ووطني دون الرجوع إلى النصوص الدينية ومرجعيته الغالبة غربية ومن ممثليه أحمد فارس الشدياق وفرح أنطون وقاسم أمين. والاتجاه الآخر مرجعيته خطاباً دينياً تنويرياً توفيقياً يمثله الطهطاوي والأفغاني والكواكبي والشيخ محمد عبده، وهنا تبرز مدرسة التجديد الإسلامي التي أسسها الأفغاني وقادها في الميدان المذكور الشيخ محمد عبده.
وأسهمت المرأة العربية في خطاب التنوير، ونذكر هنا بأسماء عفيفة صعب وملك حفني ناصف ومي زيادة وسلمى صايغ ووردة اليازجي ومريانا المراش وماري عجمي وعائشة التيمورية وزينب فواز وعفيفة كرم ولبيبة هاشم ولبيبة صوايا وعنبرة سلام الخالدي وحبوبة حداد وعادلة العضم وغيرهن.
وأسست المرأة العشرينية صالوناتها الثقافية التي كانت امتداداً لمرحلة التأسيس التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومن هذه الصالونات صالون زينب فواز في دمشق 1879 ـ 1882، وصالون ديانا المراش في حلب، وصالون الأميرة ألكسندرة أفرينوه في الإسكندرية، وصالون مي زيادة في إحدى طبقات مبنى جريدة الأهرام في القاهرة 1903 ـ 1923، وصالون جوليا طعمة دمشقية في بيروت حيث كانت مجلتها المرأة الجديدة 1921 تعكس النشاط الفكري والأدبي لصالونها.
ويعد كتابا نظيرة زين الدين «السفور والحجاب» 1928 و»الفتاة والشيوخ» 1929، كتابين صادرين عن الخطاب التنويري العربي النهضوي، ويندرجان كذلك بوصفهما من الكتب الأولى المؤسسة لمشروع الحداثة العربية بكتابة امرأة وبصوتها وليس بكتابة رجل وصوته، ويأتيان بعد مرور حيز من الزمن على دعوة قاسم أمين في كتابيه «تحرير المرأة» 1898 و»المرأة الجديدة» 1900. وتأتي أهميتهما كذلك من طبيعة الخطاب الجماهيري الموجه في كتابي نظيرة زين الدين والقائم على استثمار آليات التلقي والتأويل وآليات الخطاب السجالي لسيرة «الحجاب والسفور» التي لا تزال تشكل موضوعاً راهناً في غاية الأهمية. ونظيرة زين الدين رائدة في سياق الفكر التنويري النهضوي العربي في العشرينات من القرن الماضي مع كونها سُبقت بكاتبات عديدات كتبن مقالات مطولة في موضوع المرأة وقضاياها، «لكن مجموع أفكارهن لم تشكل مشروعاً فكرياً متكاملاً، كما إن هؤلاء لم يتطرقن إلى موضوعات محرمة يفتي فيها الرجال، كالحجاب والاختلاط وقوانين الأحوال الشخصية، لأن الأمر كان يعرضهن لمواجهة ذاتية مع فقهاء اعتبروا حقهم في التفسير والإلزام منزلين».
ويمثل طرح قاسم أمين في كتابيه «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» طرحاً تقدمياً مرحلياً لمشكلة المرأة، يقف موقفاً وسطاً بين الأفكار الغربية والشرقية، حيث عالج أمين قضية المرأة من حيث شعورها واختلاطها بالمجتمع، ويتسم منهجه بأنه إصلاحي تقدمي مرحلي قدم فيه أفكاراً وأطروحات متقدمة نسبياً على أفكار بعض الكتاب المحافظين كالعقاد وسواه.وجاء خطاب المفكر التونسي الطاهر الحداد عن المرأة بعد خطاب قاسم أمين بحوالي ثلاثين سنة 1929، واستطاع الحداد أن يتجاوز إلى حد ما مسألة «التأويل المضاد» أو«القراءة الأخرى» للإسلام ونصوصه إلى طرح مفهوم النسبية والتاريخية تفسيراً لأحكام الإسلام عن المرأة، إذ يرى أنها ليست أحكاماً نهائية وإنما هي أحكام نابعة من وضعية المجتمع الذي أنزلت فيه وتبعاً لمقاصد الشريعة من خلال العرضي والمتغير. ويتنوع خطاب النسويات العربيات المعاصرات اليوم تبعاً لتنوع خلفياتهن المعرفية التي يصدرن عنها، فخطاب فاطمة المرنيسي الباحثة المغربية بخصوصيته وبانفتاحه على المستجدات الحديثة في مجال العلوم الإنسانية في معالجة النصوص وتأويله للمقروء التراثي، يقوم على إحداث قطيعة أبستمولوجية مع خطاب الباحثة المصرية نوال السعداوي اللاتاريخي المرتكز على حقل البيولوجيا وطب الجنسانية في قضايا تحرير المرأة.
أما الباحثة ليلى أحمد الأمريكية من أصل مصري فإنها تصدر عن مرجعية ثقافية نسوية مابعد كولونيالية تولي انتباهاً حاداً إلى التحيزات الثقافية على أساس العرق والجنوسة من خلال دراسة المحيط الثقافي لنشأة الإسلام كخطوة لفهم الخطابات المؤسسة للزواج ونظام العائلة في الإسلام قديماً وحديثاً.