كتب - علي الشرقاوي:
حينما يذكر أمامك اسم الفنان عبدالله المحرقي، تشعر بالفخر، لأنه ولد في الفريج الذي تقاسمت معه نفس الهواء، ونفس الأرض ونفس المباني. تشعر بالفخر لأن من هذا الفريج، خرج فنان كبير ليحمل صورة البحرين.. البحر والأرض والإنسان.. الطريق والمقهى والسفن ـ المحار واللؤلؤ. ففريج الفاضل قارة كبيرة بالنسبة لنا الأطفال في فترة الخمسينات..
فريج بحجم العالم، لذلك كنا نرى فيه كل ما حوته الدول الكبرى، من ثقافة وإبداع. ومنه تخرج الفنان المحرقي، الذي يعد أبا الفن التشكيلي، في البحرين.
بين بيت جمعه المؤذن الملاصق لدكان حميدو، «الرأس رماني»، الذي فتح دكانه في فريج الفاضل، وبين بيت الولادة مريم والدة المرحومة نبيلة، وجدة الدكتور عادل عبدالله، كان يقع أجمل بيت من بيوت الفريج في تلك الفترة، هو بيت المحرقي، ويقابله تقريباً بيت الفنان أحمد باقر، الذي هو الآخر، عشق الفن التشكيلي ورحل باكراً، بعد أن ترك للبحرين مجموعة من الأعمال.
في الواقع لم أعرف عبدالله المحرقي شخصياً، لأنني كنت صغيراً أو المحرقي. لأنه في تلك الفترة كان يدرس في القاهرة. وقد كانت العلاقة التي تربطني ببيت المحرقي هي علاقتي مع خالد المحرقي. ابن أخيه، ورغم أن خالد المحرقي كان أصغر مني، إلا أننا كنا معاً نلعب ونحلم ونذهب إلى المدرسة ونلعب كأشبال لفريق الناشئين.
عند بيت المحرقي هناك ثمة بيوت من السعف، منها بينها بيت راشد خليفة بوخلف، ومحمد وأحمد وعيسى، ومبارك وخليفة وأختهم ليلى ـ كأنما تمثل حديقة. وإذا كنا لم ندخل بيت المحرقي، فقد دخلنا بيت راشد بوخلف، نلعب مع الابن الأكبر، محمد والذي كان معنا في نفس الصف أيام دراستنا في مدرسة بيت النافع والتي كان يديرها المربي الفاضل الراحل الأستاذ علي تقي .الذي كان يعمل كمذيع في إذاعة البحرين، ومن أبنائه محمد وتوفيق وفؤاد وحسين ونجاة.
ومن أجل إلقاء بعض الضوء على طفولة فناننا الكبير عبدالله المحرقي، دعونا نسمعه من خلال الحوار الذي قامت به الصحافية رندة فاروق في صحيفة «الوطن» في ديسمبر 2006، وعلى عدة حلقات.
الخوف من الغرق
تقول رندة في حوارها مع المحرقي: «كان سقوطه في البحر حين كان طفلاً نقطة مفصلية في حياته، حينما كان يصطحبه والده معه في إحدى رحلاته بين البحرين والمنطقة الشرقية لنقل الرسائل الرسمية بين الحكومة البحرينية والخبر ورأس تنورة على قارب بخاري، فقد كان يلعب على حافة القارب بمرح وبراءة الأطفال دون حسبان العواقب فسقط في البحر.. ويحكي متذكراً لحظات السقوط.. يروي المحرقي وهو يتذكر هذه المرحلة الصاعقة في حياته: «لم أشعر بالخوف لحظة السقوط، بل كنت كمن في حلم جميل أنظر إلى الأسماك من حولي وأنا أنزل إلى القاع، وكأني داخل إلى المجهول لأكتشفه، إلى أن وصلت إلى العمق وبدأ الماء يتخلل رئتي، وبدأت أعيش أحاسيس الرعب، ثم فقدت الوعي، في هذه الأثناء ولحكمة من الله تعالى، أرسل قارباً كان بحرينياً وكان البحارة فيه يريدون العودة إلى المنامة، لكنهم كانوا بحاجة للوقود، فقرروا اللجوء للنش المحرقي للتزود ببعض الوقود يكفيهم لطريق العودة، فرؤوا عن بعد شيئاً صغيراً يسقط من اللنش، وتكهنوا إن كان إزاراً فسيطفو على وجه الماء، لكن ذلك لم يحدث فتوقعوا أن ما سقط هو ولد المحرقي، فهرعوا لانتشالي من الأعماق ونزل إلي أحدهم وكان اسمه محمد بو كمال وجذبني لأعلى في النفس الأخير رغم أنه جرح خلال نزوله، ويقال إنه فقد إزاره ونزل عارياً لينتشلني جزاه الله خيراً».. ويستطرد المحرقي: «لقد مثل لي هذا الموقف رعباً من تجربة، لم أكن أشعر بخطورتها، لكن حينما بدأت أستعيد وعيي رأيت الجميع حولي يبكي بكاء شديداً حيث اعتقدوا أنني انتهيت، ناهيك عن التياع والدي وبكائه الحار علي.. هذا الموقف الذي وقع لي في سن الرابعة وهو بداية التشكيل النفسي في أعماق الإنسان أثر على تكويني السيكولوجي، كما أثر على مضامين لوحاتي بعد ذلك، فأحياناً أجد نفسي أرسم وكأني أنتقم من شيء ما في البحر، وأحياناً أجد نفسي أرسم محباً ومرحباً وشاكراً لكل ما في البحر.. فقد أصبحت أحبه وأكرهه في آن واحد، فحين أنزل إلى البحر ولو كانت المنطقة ضحلة إلا أنني أصاب بالتشنج» ويقول مداعباً بروحه المازحة: «إذ تصدق عليّ مقولة «يغرق في شبر ماء».. ويواصل: «وحين أذهب في رحلة بحرية حتى ولو لم تكن طويلة لكني أصاب بالدوار، وأستغرب من نفسي ومن هذه الظاهرة التي لا أجد لها تفسيراً مع أني أحب البحر كثيراً وأستمتع بهوائه المنعش»!!
رغم أن عناية الله أنفذته في هذا الحادث إلا أنه مع الأيام وحين قست الحياة عليه كان يتمنى لو لم يتم إنقاذه وكانت حياته قد انتهت.. لكنه سرعان ما كان يستغفر الله على هواجسه».
أيام المطوع وعذاباته
بالطبع حين كان عائداً مع والده إلى البيت بعد هذا الحادث حذّره والده من أن يحكي لوالدته ما جرى.. إلا أنه أول ما دخل من الباب الخارجي ورآها سارع إليها مبلغاً إياها بما حدث له، التي انهارت حالما سمعت ما جرى وحملت والده المسؤولية وحلفت عليه بأغلظ الأيمان ألا يصطحبه معه إلى البحر ثانية.. فكانت صراحته الطفولية سبباً في أن يخسر رحلات بحرية جميلة كان يستمتع فيها آنذاك.. لتأتي بعدها قصة أخرى وتجربة مفصلية أخرى أثرت في حياته تأثيراً هائلاً، وذلك بعدما بقي في البيت حيث أخذه والده إلى المطوع، حاله كحال كل الأطفال في ذاك الوقت.. ويحكي عن هذه المرحلة من حياته: «لقد عشت أسوأ أيام حياتي خلال هذه الفترة، التي لم تتعد الشهور الستة، فحين اصطحبني والدي إلى هناك، كان المكان الذي يدرّس المطوع فيه التلاميذ قذراً كالزريبة وكان الذباب يتطاير في كل مكان، كما كان المطوع نفسه قاسياً، بل شرساً، ويحتفظ بالعصي والخيزرانات جنبه بأطوال مختلفة، كي يتمكن من الوصول بها إلى أي تلميذ وعلى أي بعد، وكان الآباء آنذاك يعطون المطوع مطلق الحرية ليضرب أبناءهم المهم أن يخرجوا من عنده خاتمين القرآن، حيث كانوا يقولون له «لك اللحم ولنا العظم»، وكأنه صك بينهم وبينه..وكان بيت المطوع الذي يدرس فيه التلاميذ عبارة عن مربٍّ للبقر والدجاج، وبه بئر ماء «جليب»، وكان كبار التلاميذ مميزين عن البقية، حيث كانوا بمثابة رجاله، وكانوا «ينزحون» الماء له من البئر ويقدمونه إليه، كما كانوا يسقون ويطعمون البقر والدجاج، علاوة على أنهم كانوا يوزعون الحليب، ويتسوقون له».
تعامل الطفل مع هذا المطوع كان شبه مستحيل، بسبب قسوته، وبسبب قذارة المكان، لذا كان كثير الهروب، وكان يعيده مجبراً، إلا أنه أعاده في أحد المرات إلى الزريبة «محل الدراسة»، مسحولاً بقسوة متناهية النظير.. ويحكي عن هذه الواقعة التي أثرت أيضاً في مجريات حياته المحرقي يقول: «كان المطوع دائماً يصطحب اثنين من زبانيته من كبار التلاميذ، وفي أحد الأيام هربت وعدت إلى البيت، وإذ بي أفاجأ بضربات الخيزرانة على الباب الخارجي للبيت، فتيقنت أنه المطوع.. فما كان مني إلا أن هربت إلى السطح، وكنا في الصيف ننام على السطح حيث نضع أسرّة كنا نطلق عليها مسمى «الكرفاية»، فاختبأت تحت أحدها، حيث دخل المطوع البيت وزبانيته باحثين عني دون أي اعتبار لأمي أو أخوتي، وحين لم يجدوني بالأسفل صعدوا إلى السطح لمواصلة البحث عني، وحينذاك بدأت أتصبب عرقاً وأنا تحت السرير، وبدأت أعيش أقسى لحظات الانتظار والرعب، وبعد برهة بدأت ألاحظهم يبحثون حول الأسرة وتحتها وهم يتمتمون بغضب، وكنت أرى وأنا تحت السرير منتظراً مصيري برعب دون حراك، إلى أن وصلوا إلي وأمسكوا بي وسحبوني من قدماي كالذبيحة، ورغم أنني كنت أقاوم وأصرخ، إلا أنهم لم يرأفوا بي.. وظلوا يسحبوني على الدرج ممسكين بقدمي، ورأسي تضرب بالسلم درجة درجة حتى وصلوا بي إلى الطابق السفلي.. ووالدتي وأخواتي يبكون و»يدعّون» عليهم، وهم غير آبهين بهن.. وأخذوني من البيت مسحولاً من فريق الفاضل إلى فريق زباري، ثم حملوني حتى صيدلية يتيم ومن ثم بيت كانو القديم، إلى أن وصلوا بي لبيت المطوع، وعلقوني في الفلقة حتى العصر!!».
ويواصل سرد قصته وحالته النفسية التي كان عليها آنذاك: «بعد العصر عدت إلى البيت.. لكنني مرضت، لدرجة أن والدي حينما رأى ما حدث لي قرر أن يقاضيه، لكنه تراجع لأنه كان من الأقرباء.. وحينها، وبعد هذه الحادثة، فكر والدي أن يخرجني من المطوع ويلحقني بالمدرسة».
المدرسة.. فصل جديد
دخول المدرسة بالنسبة لعبدالله المحرقي كانت له قصة أخرى، لكنها كانت تحولاً في حياته، وتحول للأحسن بعدما عاناه طوال شهور ستة مع المطوع وزبانيته وقسوتهم.. فرغم مرور السنوات لم يكن المحرقي لينسى ما عاشه من معاناة آنذاك، حيث كان يبدو ذاك جلياً خلال سرده لتفاصيل هذه الفترة من حياته..أما بالنسبة للمدرسة فهي فصل جديد من حياته أترك له العنان كي يتحدث عنها: «بعدما شفيت من مرضي، قرر والدي أن يلحقني بالمدرسة، وسعدت بهذا القرار فقط لأنني سأتخلص من المطوع وزريبته القذرة، وقسوته السادية.. لكن المشكلة أنني كنت أصغر من السن القانونية، فطلب مني والدي ألا أصرح أمام المسؤول عن قبول الطلبة عن سني الحقيقية، فوافقته لأنني كنت أريد أن أنضم للمدرسة بأي شكل، وكان عمري آنذاك خمس سنوات، وحينما دخلت على الأستاذ أحمد جاسم سكرتير المدرسة المسئول سألني عن عمري فقلت له: ست سنوات، فأطرق مبتسماً، دون تعليق وكتب اسمي، إلا أنه بعد ثلاثين عاماً ذكرني بالقصة، وقال لي إنه كان يعرف عمري الحقيقي، لكنه غفر لي كذبتي لما لاحظه من حب للمدرسة ورغبة في الدراسة فيها.. فكانت هذه أول كذبة في حياتي أفادتني كثيراً»!! ويدخل ألمحرقي فصلاً جديداً في حياته، بحياة مدرسية ملأ بالنجاحات والإخفاقات والتجارب.
المحرقي إبداع لا نهائي
تقول وكالة أنباء البحرين «بنا»،» يعتبر الفنان التشكيلي البحريني عبدالله المحرقي الذي ولد في العام 1939 واحداً من أبرز رواد الفن التشكيلي ليس في مملكة البحرين فحسب، وإنما على المستوى العربي أجمع، إذ إنه على مدار أكثر من أربعة عقود أبدع بريشته رسوماً تعد علامات مضيئة في مجال الفن التشكيلي البحريني والعربي المعاصر، بل تعدت ذلك لتكون ملمحاً لمدرسة فنية، تميز بها هذا الفنان المبدع عن أقرانه.
وقال في تصريحه الخاص للوكالة إن: «بدايته الفعلية في مجال رسوم الكاريكاتير انطلقت منذ عودته للبحرين بعد أن أنهى دراسته في كلية الفنون بالقاهرة عندما كان يعمل في دائرة العلاقات العامة في شركة نفط البحرين «بابكو»، إذ إنه يقوم خلال هذه برسم أعمال كاريكاتيرية بشكل مبسط تتضمن تعليمات وإرشادات للعمال يجب أن يتبعوها كارتداء القبعة الواقية أو القفازات».
ويضيف المحرقي أنه «انتقل بعد ذلك للعمل بوزارة الإعلام في دائرة العلاقات العامة إذ تم تكليفه برسم لوحات كاريكاتورية لمجلة «هنا البحرين»، مشيراً إلى أنه اهتم في تلك المرحلة بالموضوعات التي تهم الناس والحياة الاجتماعية بالبحرين، ويقول إن: «أهم أبطال رسوماته كانت شخصيات «أم بطولة» و»بوعقوف» التي كانت تلك الفترة من الشخصيات المعروفة عند الناس فضلاً عن أنه عمل في وزارة الإعلام كمستشار فني ثم انتقل إلى ديوان ولي العهد كمستشار فني له مرسم خاص في بيته يزاول فيه عمله الفني».
ويشير إلى أنه واصل عمله الفني إلى أن التحق بصحيفة «أخبار الخليج» في العام 1976، إذ طلب منه المرحوم محمود المردي، أن يعمل بالصحيفة كرسام للكاريكاتير يختص بالشؤون السياسية، قائلاً إنه منذ تلك الفترة وإلى الآن وهو يعمل رساماً للكاريكاتير بأخبار الخليج أي ما يقارب 35 عاماً، إضافة إلى ذلك عمل في جريدة البيان في دبي لمدة 14 عاماً، وأنه صمم خلال الفترة الماضية أوسمة دولة البحرين الرسمية، وقام بتصميم معظم شعارات المؤسسات والشركات في البحرين في فترتي السبعينات والثمانينات، ويضيف أنه فاز بتصميم شعار دولة الإمارات العربية المتحدة الحالي في مسابقة على مستوى الوطن العربي إلى جانب أنه صمم معظم طوابع البريد لدولة البحرين من سنة 1970 وحتى الآن».
ويؤكد أن «حصوله على الكثير من الجوائز خلال مسيرته يضع أمامه مسؤولية كبيرة للقيام بالمزيد من الإبداع والإخلاص في العمل، خصوصاً في ظل الدعم الذي يحظى به من قبل عاهل القيادة السياسية».
ويذكر أن «الفنان المحرقي أقام خلال مسيرته الفنية الطويلة العديد من المعارض الفنية منها معرض في لندن سنة 1970، ومعرض في البحرين ومعرضان في دولة الكويت عامي 1981 و1983، ومعرض في أبوظبي سنة 1989، وآخر في سلطنة عمان عام 1991، فضلاً عن أنه اشترك في الكثير من المعارض، منها معرض الفن العربي الثاني بالجزائر سنة 1976، ومعرض السنتين للفنانين العرب الذي يقام في الكويت كل سنتين، ومعرض الفنون التشكيلية لفناني البحرين، الذي يقام بصورة سنوية، ومعرض فناني الخليج الذي أقيم في الدوحة سنة 1980، ومعرض بنيالي مدريد سنة 1982، وصالون الفنانين الفرنسيين في جراند تباليه «الشانزلزيه»، في باريس عام، 1981 فضلاً عن معرض الفن التشكيلي البحريني في سنغافورة لعام1981، ومعرض بغداد الدولي للفنون التشكيلية خلال الفترة من 1986 إلى 1988 ومعرض الصداقة العربية الكورية سنة 1980 في سيؤول والمعرض السنوي للفنون التشكيلية الذي تقيمه وزارة الإعلام».
كما شارك المحرقي، أيضاً في معرض مهرجان مجلة «المحلة» للرسم العربي الساخر في لندن سنة 1989، ومعرض كاريكاتير العالم الثالث في القاهرة سنة 1990، ومعرض الكاريكاتير العالمي في ذكرى الفنان ناجي العلي سنة 1992، إلى جانب مشاركته في ورشة عمل للفنانين العالميين المتميزين للرسم الكاريكاتيري السياسي الصحافي في مالطا سنة 1989، ومعرض رسامي الكاريكاتير العرب في الكويت سنة 2999، وفي الملتقى العالمي للكاريكاتير في دبي سنة 2000.
وحصل الفنان المحرقي على الكثير من الجوائز المحلية والعربية والأجنبية، منها الجائزة الأولى من معرض الفنون التشكيلية لفناني البحرين سنة 1973، والجائزة الدولية من معرض جرولا دورو لسنة 1980 بإيطاليا عن لوحته «مأساة غواص»، إضافة إلى حصوله على الميدالية الذهبية من صالون الفنانين الفرنسيين لسنة 1983، فضلاً عن حصوله على جائزة الدولة التشجيعية في الفنون من دولة البحرين لسنة 1985، وجائزة لجنة التحكيم في المعرض السادس والعشرين للفنون التشكيلية سنة 1997، وجائزة الدانة في معرض البحرين للفنون التشكيلية للفترة 2005- 2006، فضلاً عن جائزة رجال الأعمال العرب في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس وفي شرم الشيخ، وتكريمه عن الفن التشكيلي والكاريكاتير سنة 1996، إلى جانب وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من جلالة الملك في 18 ديسمبر سنة 2007، وكانت آخر جائزة حصل عليها هي جائزة الإبداع الإعلامي في ملتقى الإعلام العربي بالكويت في 2008.
وأثرى الفنان المبدع المكتبة البحرينية بعدد من الكتب التي تضمنت إبداعاته المميزة من الرسومات الكاريكاتيرية، التي تعد توثيقاً دقيقاً للأحداث والمتغيرات والتطورات الاجتماعية والمناسبات المهمة التي شهدها المجتمع البحريني.
مؤسس فن الكاريكاتير
كانت انطلاقة ريشة هذا الفنان في عالم الكاريكاتير السياسي عام 1976، حيث التحق بصحيفة أخبار الخليج، وهنا ظهرت هذه الريشة العربية بأفكارها المميزة وخطوطها الدالة على عمق راسمها، ما أتاح لهذا الفنان التحليق في سماء الكاريكاتير السياسي آخذاً مكانة مرموقة بين كبار الرسامين الكاريكاتيريين العرب. إذ إن رسومه الكاريكاتيرية وأفكاره مكنته من العمل في صحيفة البيان الإماراتية لما يقرب من 14 عاماً.
هذا الفنان وعلى مدار أربعة عقود أو يزيد وضع ريشته في مقدمة رسامي الكاريكاتير العربي. ومازال هذا الفنان ومن خلال منبره في صحيفة أخبار الخليج البحرينية يعطي القارئ العربي بشكل يومي فكرة وخطوطاً ورسوماً ساخرة تحكي إحدى روائع الخليج العربي.
في لقاء أجراه عبدالغني بوضرة في الدوحة في شهر أبريل عام 2009، بمركز الفنون الذي استضاف فيه معرض الفنان البحريني عبدالله المحرقي. يقول المحرقي لصحيفة العرب القطرية: «أنا من الفنانين الذين يضعون رجلاً في القديم، والأخرى في الحديث، وبقيت على هذا المنوال من زمن طويل، ولهذا أمزج بين الاتجاهين». ويضيف أنه «عندما عاد من القاهرة سنة 1964، كان متأثراً بأساتذته، وكان في أعماله حينها نوع من التحوير والرمزية، ليتجاوز تلك المرحلة».
ويقول: «أنا فنان إنسان أعيش في هذا العالم، وأحاول أن أصبغ أعمالي بصبغة إنسانية وصبغة عالمية، وبالتالي فأنا لا أشتغل على مواضيع تتعلق بالخليج فحسب، بل أتحرى أن يفهم أعمالي الغربي والعربي وغيرهم، ويؤكد أنه من دعاة الفن للحياة، وليس الفن للفن»، ويضيف «أنا أومن برسالة الفن بما هو خدمة للحياة، وليس مجرد منظر يعلق على الحائط في البيت أو المكتب».
ويحاول المحرقي، أن تكون أعماله مدروسة ومفهومة وغير ساذجة، وبما أنه رسام كاريكاتير، فإن هذا الفن يرسم الأشياء الواضحة، لذا يحاول أن يفهم أعماله أكبر قدر من الناس».
ويبرز المتحدث أنه لابد أن يجد في أعماله صيغة يفهم منها أن عمله من بلد معين ومنطقة معينة، لكن الموضوع يمكن أن يكون عالمياً وإنسانياً يشي عن هوية الفنان ومنطقته.
ويشيد المستشار الثقافي لسمو أمير البلاد د.حسن النعمة، بتجربة الفنان عبدالله المحرقي، ويقول د.حسن إن: «عبدالله المحرقي في حد ذاته ليس مدرسة تصور ما بلغت إليه البحرين من تقدم في مجال الفنون، وفنون الرسم على وجه خاص، وهي بلد سباق في ميادين الأدب والفن في منطقة الخليج، والمحرقي رجل تربطني به صلة حميمة، إذ إنه من جيلي، وقضينا معاً ردحاً طويلاً من الزمن، سواء على مدارج الجامعة أو الدراسة، أو مدرسة الحياة، وفي الواقع المحرقي رمز لعصامية الإنسان الخليجي، إذ اختط لنفسه مدرسة متميزة في الفن، ومساراً متميزاً خاصاً أضفى على معالمه ما أضفى من تنويع وأخضع مناهج الرسم الذي درسها وسبر أغوارها في الثقافة الإنسانية، لمعايير مساره الفني، فتميز بمدرسة خاصة تخرجت على منوالها طلائع كثيرة من الرسامين، سواء كانوا في البحرين، أو غيرها من أوطان الخليج، فهو مدرسة حوت واحتضنت تراث الإنسانية بطبيعة الحال، وأخضعت هذا التراث الإنساني لخاصية تراثه المحلي، فهو رجل استطاع أن ينقل تراثه المحلي ليكون جزءاً من تراث إنساني أكبر، ومن هذا المنحى يأتي تقييم عبدالله المحرقي، وقبله هناك إسهامات واجتهادات كثيرة، لكنه أرسى هذه المدرسة في نقل ملامح المجتمع وتطلعات الإنسان في البحرين والخليج لما هو أوسع مع الحفاظ على إبراز خاصية هذه البيئة».
ويشير المستشار الثقافي، إلى أن «الفنان المحرقي، يعد أحد رواد مدرسة الفن في الخليج، معبراً عن اعتزازه لحضور معرضه في الدوحة، راجياً له التوفيق وأن يمده الله بالمزيد من العمر ليفجر طاقات جديدة أخرى، ويسهم في إبراز ما طرأ على محيطه في البحرين، ومحيط البيئات الخليجية من تعقيدات في أنماط العيش، لأنه «بدأ في مرحلة تاريخية تتسم بالبساطة، والآن وقد انتاب محيطه وبيئات الخليج الشيء الكثير من التغير فيه الكثير من الإيجابية، وبعض من السلبيات».
عبدالله المحرقي ولد في المنامة بالبحرين عام 1939 وهو أب الفن التشكيلي البحريني الحديث بلا منازع، متخصص في عرض المشاهد والتقاليد الخليجية المحلية الواقعية منها والمرمزة برموز تنحو منحى وطنياً وقومياً ودينياً، حيث ربط المحرقي البحرين بالعالم عبر لوحاته، فرسم على مر السنين أكثر من ألف لوحة زيتية، سبعون منها أو ما يقارب ذلك احتفظ بها كجزء من مجموعته الخاصة وأن أعماله سواء الواقعية منها أو الرومانسية أو الرمزية، تعكس أسلوباً يعرف حالياً بأسلوب خبراء الفن، وقد عرضت لوحاته في أغلب دول العالم».
إلا أن ما نلاحظه أن خصوبة تجربة عبدالله المحرقي وفن الكاريكاتير الذي ابتدعه في البحرين، حتى هذه اللحظة، لم يحصل على النقد الذي يضعه في مكانه الصحيح. لا وجود لنقاد في الفن التشكيلي، لا وجود لكتاب يحولون المعارض إلى مساحة للتأمل في قراءة اللوحات التي تعبر أكثر من الكلام، ناسين أن صورة واحد قادرة للوصول لقلب المتلقي أكثر من ألف كلمة.