كتب - عبدالله إلهامي:
عندمـــا صحــا من «سباته» الطويل، كــــان سلمان يسمع همسات والدته وهي تناجيه «افتح عيونك حبيبي»، يبتسم لها كما فعــل دوماً، ولا شيء سوى الابتسامة، قبل أن تكتشف أن صغيرها لم يعد يبصر ولا يعرف للنطق سبيلاً!
الأم المفجوعة بصغيرها لا تطلب المستحيل، فقط يسافر للخارج يعالج ويعود طفلاً معافى يلهو ويلعب ويشاغب، وبمقابل دموع الأم تجيد «الصحة» فن التسويف والتأجيل، ولا يجد عضو مجلس بلدي حرجاً في في تحميل الأهل المسؤولية والقول «الحق عليهم.. ليش هادين عيالهم يلعبون بالحديقة».
سلمان طفل لم يتم ربيعه السابع، كان ـ كعادته دوماً ـ يلعب مع أقرانه بحديقة حسان بن ثابت بالمحرق، ويحلم حين العودة إلى منزله، بحمام دافئ ومائدة عامرة وفراش وثير ونوم يهدهده لأحلام بريئة. كل ذلك لم يحدث، والأحلام تحطمت بضربة قدر واحدة، عندما لمس سلك كهرباء مكشوف وخر مصعوقاً، حاول الأطفال مساعدته وفشلوا، وتداعى الناس وانتشلوه من براثن موت محقق، فاقداً للوعي وبحالة لا تنبئ بخير. عند وصوله إلى مستشفى الملك حمد الجامعي كان نبضه قد توقف، وبعد ثلاث صعقات كهربائية دبت الحياة بالجسد الغض، وخفق القلب الصغير.
مكـــث سلمان 22 يوماً بلياليها في العنايـــة المشـــددة، «الحـــل ليــــس بمستشفيـــات البحرين» يعترف الأطباء، والعلاج التأهيلي بمستشفيات بريطانيا أو ألمانيا لا غنى عنه، و«الجهات المعنية تماطل وتسوف اليوم أو غداً، ولا تحرك ساكناً» تقول الأم.
فقد الطفل ملكة النطق بعد أن كان يثرثــر ساعات دون توقف، والبصر حيث غدا أعمى لا يتلمس دربه ولا يشاهد «سبنجي بوب» و«توم وجيري»، فمتى يسافر سلمان ويعالج؟!
الحكاية من البداية
تروي أم سلمان تفاصيل حكاية طفلها «كان يلعب في حديقة حسان بن ثابت بالمحرق المجاورة لبيت جدته، هناك كانت تنتصب خيمة تجارية لمجموعة رامز التجارية منذ شهر رمضان الفائت، غطاء المكيف كان مكشوفاً والأرض مبللة بالماء».
سلمان كان يلهو مع أقرانه حافي القدمين «أثناء لعبه لمس الغطاء المكهرب، وصعق بالتيار القوي، ووقع على السلك الرئيس المكشوف ولصق بظهره وسرى التيار في جسده». أصدقاؤه لم ينتبهوا لسقوطه في البداية، عندما اكتشفوا إصابته حاولوا سحبه، لكن التيار الكهربائي صعقهم ومنعهم، صرخوا بأعلى صوتهم طالبين النجدة، قدم أحدهم وسحبه بقطعة خشبية، كان حينها فاقداً للوعي وبحالة يرثى لها».
حاول الموجودون إسعاف الطفل وإنقاذه، ثـم ذهبوا به إلى مستشفى الملك حمد الجامعي، كان القلب الصغير توقف عن الخفقان «حاول الطاقم الطبي إنعاشه، كرر المحاولة ثلاث مرات بالصعق الكهربائي حتى عادت له الحياة «قدر الأطباء أن فترة توقف الأوكسجين عن المخ قاربت 35 دقيقة، كانت كفيلة بتأثر المخ وتلف أجزاء منه، مكث في العناية 22 يوماً على الأجهزة فاقداً للوعي، ورويداً رويداً بـــدأت حالتــه بالتحسن، بدأ يتنفس بشكل طبيعي».
رقـــع أطبـــاء «حمـــد الجامعــي» الحـــروق في ظهر الطفل، بأخذ أجزاء من جلد رجليه، تضيف الأم «في البداية لم تكن حالته تسمــح بسفــره للخارج وتلقي العلاج، ولكن عقب العملية استقرت حالته وتحسنت، وأكد الأطباء إمكانية سفره إلى الخارج، والعلاج من سكتة دماغية ألمت به، وهو لا يتوفر في البحرين، وإنما في ألمانيا أو بريطانيا، ولديهم مصحات متخصصة لتأهيل الحالات المشابهة».
متى يسافر سلمان؟
لم تترك أم سلمان باباً إلا وطرقته، ناشدت كل من له علاقة لمساعدة ابنها، وهي لا تكف عن السؤال «متى يسافر سلمان ويعالج؟».
تقول أم سلمان «في المستشفى لا يعطى سوى المسكنات، ما الحل؟ ومن المتسبب في التأخير ولماذا؟ أبسط حقوق سلمان العلاج في الخارج فمن يسمع؟».
سلمان يبلغ السابعة من عمره، ويفترض أنه في الصف الثاني، وتقول والدته من بين دموعها «سلمان ذكي لماح، حاله حال بقية أقرانه يهوى اللعب، وإذا لم يلعب في الحديقة فأين يلعب؟ أليست الحديقة مكاناً آمناً يخصص للعب؟ من دشن الحديقة أليس المجلس البلدي؟ لماذا لم يلتزموا بتوفير عوامل الأمن والسلامة في أرجائها؟».
وتسألت «بعد أن نصبت الخيمة في الحديقة، ألم تراعِ الجهة المعنية أن المكان يعج بالأطفال؟ ليس ثمة من يراقب ويحاسب وينتبه، عضو في المجلس البلدي بدل أن تقول كلمة طيبة بهذا المقام، علقت على الحادثة بقولها (ليش هادين عيالهم يلعبون بالحديقة؟)، فإذا ما هديناهم في الحديقة وين نهدهم بالشارع؟».
بدل أن تصحح البلدية خطأها ويحاسب المخطئ، تلقي باللائمة على طفل في السابعة كان يلهو بالحديقة «لا أطلب المستحيل، سوى أن يسافر ويأخــذ حقـــه المشروع بالعلاج»، وتتابع «سلمان يسمعني ويبتسم لماذا لا يعالج ويعود طفلاً معافى؟» وأجهشت بالبكاء.
وزارة الصحــة وعدت العائلة باستقدام طبيب من الأردن لعلاج سلمان «مضى شهران ولم يأت أحد، هم شخصوا حالته ويعرفون ما يحتاجه، وكشف عليه أطباء مخ وأعصاب بالسلمانية، ومن كتب التقرير وصف حالته بأنه جاهز للسفر، فهل الطبيب سيعالجه؟» وتجيب «طبعاً لا لأن المصحات في المملكة غير جاهزة لحالات مشابهة».
بين يدي المسؤولين
يحتــاج سلمان إلى أحد يتكفل بنقله للخارج دون إبطاء أو تأخير، والطبيب المعالج حدد الوجه ألمانيا أو بريطانيا، وفترة العـــلاج تتراوح ما بين 12 و18 شهـــراً تقــــول الأم «لا يمكننا تحمل هذه الكلفة، وزارة الصحة ملزمة بعلاجه بالخارج، لماذا يصمت الجميــع وسلمان يرقد في سريره؟ أين الطبيب القادم من الخارج ومتى يظهر؟».
الحادثـــة أفقدت سلمان ملكتي النطـــق والإبصار، يسمع فقط ويحرك يديه ورجليه قليلاً، والقلب لا يخلو من مشاكل «حالته الآن مستقرة، ويحتاج إلى علاج تأهيلي ليساعده على الحركة والنطق، يفترض علاجه بسرعة، لأن السكتات الدماغية في الأشهر الثلاث الأولى تجد استجابة من الجسم» قبل أن تضيف «هكذا يقول الأطباء».
كلما تأخر علاج سلمان، أصبحت الحالة أصعب وأعقد «بعد أيام قلائل يكمل الشهرين، ولم يرسل بعد فمتى يذهب؟».
يفترض بسلمان أن يــدوام فـــي الصـــف الثاني الابتدائي مع أقرانه، ولكنه بقي في المستشفى ولم يغادره إلى مكان «كنت أشوف أغلاطه في البيت وأعلمه وأصلح له، شنطته أغراضه لحين جديدة ما لبسها، يعورني قلبي كلما أشوفها».
وتواصل سرد حكايتها «معلمته وربعه يجون يشوفونه وهو ما يدري عنهم، غايب عن الدنيا، كل شي بيد رب العالمين وهو القادر القدير، أتمنى شيئاً واحداً من الدنيا يرجع سلمان يقوم ويتحرك ويشوف جدامه».
لدى سلمان ثلاث أخوات وأخ صغير «أدخل 15 جلسة أوكسجين، وتخطيط المخ أثبت أن لا تغيير بالحالة، جميع الأطباء أقروا أن علاجه بالخارج لا مناص منه».