كتب - إبراهيم الزياني:
رغم صدوره قبل عام ونيف، لم يتمكن قانون الطفل من أن يحد من استغلال الأطفال في أنشطة سياسية وإرهابية. ورغم تضمنه 69 مادة هادفة لحماية الطفولة ورعايتها، ونصوص عقابية تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد عن ألف دينار، لاتزال حقوق الطفل ظلت منتهكة، في ظل اعتبره حقوقيون «ضعف في تطبيق القانون»، «وقلة توعية من الجهات الحكومية والمجتمعية، ومن أولياء الأمور»، مطالبين «بتطبيق القانون على الجهات المحرضة، والتي تنتهك حقوق الأطفال باسم الدفاع عن حقوق الإنسان».
قضية انتهاك حقوق الطفل في البحرين، ليست وليدة اليوم، إلا أن أحداث فبراير 2011 فاقمتها بشكل كبير، وبحسب جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان، فإن بيانات المسح أظهرت زيادة استغلال الأطفال بأعمال العنف والمسيرات بنسبة 500% خلال الأزمة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبق الأحداث، ما سلط الضوء عليها بشكل جلي، ففي كل يوم هناك أطفال أبرياء يدفعون بقوة، من قبل جماعات راديكالية، لأجل قيامهم بممارسات عنيفة والزج بهم في أعمال إرهابية خارج إرادتهم، ويظلون سنوات عديدة يعانون منها.
تلك الجماعات الراديكالية، لم تضع للقوانين حساباً، ولا لبراءة الأطفال اعتباراً، إذ ورطت تلك الجهات الأحداث والقصر في أعمال العنف التخريب، واعتبروا الأطفال وقود محرقتهما، ولم يبالوا أبداً بمصيرهم ومستقبلهم، ولا أمنهم وحياتهم.
وتنص المادة 59 من قانون الطفل على أنه «يحظر استغلال الطفل في مختلف أشكال الإجرام المنظم وغير المنظم بما في ذلك زرع أفكار التعصب والكراهية فيه، وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع»، وتحظر المادة 60 «استغلال الطفل في مختلف أشكال الإجرام المنظم وغير المنظم بما في ذلك زرع أفكار التعصب والكراهية فيه، وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع»، وحددت المادة 68 و69 عقوبة مخالفة ما أتى في تلك المادتين بـ«دون الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام المادة (59) -(60)- من هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد عن ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».
الجهات المعنية مقصرة
يقول رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان د.عبدالعزيز أبل، إن «استمرار انتهاك حقوق الأطفال، عبر إشراكهم في أنشطة سياسية، يعود جزء منه لقصر التوعية من الجهات الحكومية المعنية، وجزء آخر لنقص وعي في التنفيذ والتطبيق»، نافياً أن يكون هناك «قصور في التشريع، إذ وقعت المملكة على اتفاقية حقوق الطفل قبل 21 عاماً، والبحرين ملزمة بما جاء في بنودها، والتي نصت بشكل صريح على ألا يكون للأطفال دور في أنشطة لا تتناسب مع أعمارهم»، مطالباً «بإنفاذ ما وقعته المملكة من اتفاقيات».
وتنص المادة 1 من قانون الطفولة على أنه «تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم تنشئة صحيحة من كافة النواحي»، فيما نصت المادة 2 على أنه «تكفل الدولة للطفل التمتع بالحقوق المنصوص عليها في هذا القانون دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو الإعاقة أو اللغة أو الدين أو العقيدة مع مراعاة ما نصت عليه القوانين النافذة الأخرى من أحكام ومزايا خاصة بالطفل البحريني».
أبل دعا «للالتزام بالاتفاقيات القوانين الضامنة لحقوق الطفل، وعدم إشراكهم في أنشطة سياسية وإرهابية، والزج بهم في مواجهة رجال الأمن، مشيراً إلى أن تلك الأعمال لا تناسب أعمارهم وأدوارهم، وطبيعة حياتهم، ومن حق الطفل أن يعيش في بيئة صالح، تنسجم مع فئته العمرية، وتحقق استقراراً ونمواً طبيعياً لشخصيته».
وسبق لمملكة البحرين أن وقعت اتفاقية حقوق الطفل في 13 فبراير 1992، ودخلت حيز التنفيذ 14 مــارس 1992. وتعد الاتفاقية، ميثاقاً دولياً يحدد حقوق الأطفال المدنية، السياسية، الاقتصادية والثقافية. وتراقب تنفيذ الاتفاقية لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة المكونة من أعضاء من مختلف دول العالم، وصدقت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الاتفاقية بشكل كامل أو جزئي.
وبحسب الاتفاقية يعرف الطفل بأنه كل شخص تحت عمر الثامنة عشر لم يكن بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون الدولة، وتعترف الاتفاقية بأن لكل طفل حقوقاً أساسية، تتضمن الحق في الحياة، الحق في الحصول على الاسم والجنسية، الحق في تلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى لو كانا منفصلين. وتلزم الاتفاقية الدول بأن تسمح للوالدين بممارسة مسؤولياتهما الأبوية.
وتعترف الاتفاقية بحق الطفل بالتعبير عن الرأي، بحمايته من التنكيل والاستغلال، وأن يتم حماية خصوصياته وألا يتم التعرض لحياته، وتلزم الاتفاقية الدول الموقعة بأن توفر تمثيلاً قانونياً في أي خلاف قضائي متعلّق برعايتهم. وتطلب أن يتم سماع رأي الأطفال في تلك الحالات.
وتبدو صورة صبية لا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، يقذفون رجال الأمن بقنابل «المولوتوف» وقواذف الأسياخ الحديدة محلية الصنع، صورة مؤلفة في المجتمع البحريني، وبحسب الأمين العام لاتحاد الجاليات الأجنبية بيتسي ماثيسون، خلال مشاركتها بندوة بعنوان «البحرين تحت تأمين» تابعة للدورة الـ 24 بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف «المعارضة تعرض الأطفال للمخاطر، من خلال استخدامها لهم في أنشطة غير مشروعة، من مسيرات وغيرها، متجاهلين بذلك حقوق الأطفال»، مبدية قلقها من مستقبل أولئك الصبية «الذين ينمون في جو من العنف، حتى وصلوا إلى الاعتقاد بأنه بات جزءاً من حياتهم».
من الأزهار للحرائق
في السياق نفسه خلصت دراسة بحرينية إلى أن رسومات الطلبة تأثرت سلباً وتغيرت العناصر التي كان يعبر عنها الأطفال جراء الأحداث التي مرت بها المملكة، إذ رصدت الدراسة أن معظم الأطفال تحولوا من رسم الأزهار والحدائق إلى رسم حرائق وأعمال عنف. ويقول معد الدراسة، رئيس الإرشاد النفسي بوزارة التربية والتعليم جاسم المهندي، إن «الدراسة تناولت انعكاس الأزمة البحرينية التي انطلقت في فبراير 2011 على رسومات الأطفال، حيث، وحللت مجموعة كبيرة من الرسومات»، مشيراً إلى أن «الرسم هو أحد أهم وسائل التواصل مع الأطفال، خصوصاً وان الطفل لم تتطور قدراته اللغوية التعبيرية بدرجة كافية للحديث عما يجول في خاطره من مشاعر الخوف والحب والقلق والرغبة وغير ذلك من الأمور التي يعجز عن الحديث عنها لفظياً».
وتناولت دراسة المهندي، بالتحليل، المشكلات النفسية لدى 225 طفلاً المملكة أثناء الأزمة من خلال رسومهم. تناسباً مع ما أثبتته الدراسات من أن الأزمات التي يمر بها أطفال العالم، غالباً تشكل لديهم ميلاً شديداً للعنف، وتغير عام في المزاج وفقدان للشهية، والشعور بعدم الاستقرار، واضطرابات النوم والقلق والكآبة والحزن والخوف، وعدم المبادرة والتردد، وتشتت الذهن وضعف الذاكرة والتذكر، خصوصاً تلك الأمور المتعلقة بالدراسة والمدرسة وغيرها.
متاجرة إعلامية
وتعلق رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، جميلة سلمان بالقول «من الطبيعي أن يتحمل ولي الأمر المسؤولية الأساسية في حماية ابنه من الانخراط في الأنشطة السياسية، إلا أنه لا بد أيضاً من تطبيق القانون على الجهات المحرضة، والتي تنتهك حقوق الأطفال باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، سواء كانوا أفراداً أو جمعيات، وتستغل الأطفال من أجل مصالح سياسية، إذ تهدف أن يقع ضحايا من الأطفال، للمتاجرة بهم إعلامياً ودولياً، وخلق صورة أن الحكومة تنتهك حقوق الطفل وتستهدفهم».
المادة 42 من قانون الطفل، تنص على أن «تكفل الدولة حماية الطفل في الحالات التي يتعرض فيها لسوء المعاملة أو الإهمال»، وفسرت المادة 43 الإهمال على أنه «..ويقصد بالإهمال، عدم قيام الوالدين أو من يتولى رعايته بما يجب عليه القيام به للمحافظة على حياة وسلامة الطفل».
وترى سلمان، أن «هناك نقص في التوعية، والمسؤولية مشتركة، تقع على عاتق الأجهزة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، إذ عليهم أن يقوموا بدورهم، بالتحذير من مخاطر استغلال الأطفال، وزجهم في الصراعات ومستنقعات السياسية»، مردفة «أولى تلك المخاطر، المسيرات التي تبدأ بشكل سلمي، وتنتهي بأعمال عنف وتخريب، وعلى الجهات المعنية التوعية من الإضرار التي يتعرض لها القاصر جراء مشاركته، وهي كثيرة لا حصرها، ولها تأثير آني، إذ يمكن أن يتعرض لإصابات جسيمة أو تزهق روحه، أو يرى منظر وقوع ضحايا، وأخرى يتحقق على المدى البعيد، عبر خلق جيل يعاني من أمراض عصبية ونفسية، وجيل عدائي ومتطرف، غير متصالح مع الآخرين، وكثير من الآثار السلبية الضارة التي لا حصر لها».



وتطالب سلمان بتطبيق القانون بهدف حماية الأطفال من الاستغلال، خصوصا المرسوم الأخير الذي جاء بناء على توصية المجلس الوطني، والذي شدد عقوبة من يتولى تربية الحدث لتكون العقوبة الحبس أو الغرامة أو كليهما على كل من يهمل مراقبته، ويترتب على ذلك تعرضه للانحراف مرة أخرى إضافة إلى تقرير عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تتجاوز ألفي دينار أو كليهما على كل من سلم إليه الحدث وأهمل أداء أحد واجباته إذا ترتب على ذلك ارتكاب الحدث جريمة أو تعرضه للانحراف، داعية إلى مراجعة التشريعات المعنية بحقوق الأطفال بشكل مستمر وتحديثها، وتشديد العقوبات على كل من يستغلهم في أنشطة سياسية وإرهابية.
يذكر أنه تنفيذاً للمادة 11 من قانون الطفولة، الناصة على أنه «تشكل لجنة وطنية للطفولة، بقرار من مجلس الوزراء..»، أطلقت وزيرة التنمية الاجتماعية د.فاطمة البلوشي رئيسة اللجنة الوطنية للطفولة الشهر الماضي، الإستراتيجية الوطنية للطفولة للأعوام الخمسة المقبلة. وترتكز الاستراتيجية على 4 محاور رئيسة تتمثل بحق الطفل في الصحة والتعليم والحماية وعدم التمييز. وتشكل إطار عمل موحد للوزارات والمؤسسات المعنية بالطفولة، وتستند على ثلاثة أسس محورية، تشمل احترام حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص وإدماج ذوي الإعاقة.
وتأتي الاستراتيجية الوطنية للطفولة، بعد أن قطعت وزارة التنمية، جهوداً كبيرة في مجال رعاية الطفولة في البحرين، إذ حرصت على تهيئة كل الأجواء المناسبة لنموه ونشأته بشكل سليم وصحي، إذ تمثل اهتمام الوزارة، عبر فتح عدد من دور والمراكز الاجتماعية للأطفال، مثل دار رعاية الطفولة، التي تأسست العام 1984 وهي مخصصة للأطفال مجهولي الهوية، إلى جانب نادي الأطفال والناشئة وهو نادٍ معني بتقديم الأنشطة والبرامج التي تتوافق مع اهتمامات الأطفال والناشئة التي تدعم الحاجات الجسدية والنفسية والبيئية والاجتماعية وإكسابهم المهارات التقنية في مجالات الحاسب الآلي والاستكشاف العلمي والابتكار إلى جانب وحدة الحضانة الأسرية وهي وحدة معنية باحتضان الأطفال ومتابعة الأسر. أما على صعيد الجمعيات والمراكز المعنية بالطفولة، فإن هناك العديد من الجمعيات والمراكز والمعاهد المعنية باحتضان الأطفال، منها: «جمعية رعاية الطفولة والأمومة، ومركز معلومات المرأة والطفولة، وجمعية الطفل البحريني»، وسواها، وقد دأبت هذه الجهات على تقديم مختلف الأنشطة والبرامج التعليمية التي تهيئ مختلف الفئات العمرية على النمو بشكل سليم.تعديلات على «قانون الأحداث»
بناء على توصية «الوطني»


المادة 19
يعاقب بالحبس و الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يتولى أمر التربية الفعلية للحدث وتم إنذاره طبقاً للبند (أ) من المادة (4) من هذا القانون إذا أهمل مراقبة الحدث وترتب على ذلك تعرضه للانحراف مرة أخرى بوجوده في إحدى الحالات المشار إليها في المادة (2) من هذا القانون.
مادة 20
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة و الغرامة التي لا تتجاوز ألفي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من سلم إليه الحدث وأهمل أداء أحد واجباته إذا ترتب على ذلك ارتكاب الحدث جريمة أو تعرضه للانحراف بوجوده في إحدى الحالات المشار إليها في المادة (2) من هذا القانون.