أكد تربويون ونواب أن خطورة مشكلة العنف والتخريب المدرسي الممنهج لا تكمن فيما يقوم به طلبة مراهقون فقط، بل إن وراءه محرضون يتمترسون خلف هؤلاء الطلبة المراهقين ويدفعونهم إلى التحرك ضد المدرسة باعتبارها رمزاً من رموز الدولة، فالمقصود هو ضرب الاستقرار الدراسي وتحريض الآخرين على الانخراط في مثل هذه العملية.
وقالوا إن هذه أعمال مسيسة ومضرة بالطلبة قبل المجتمع؛ وأن أولياء الأمور لم يكن لهم الدور البارز والأهم في منع أولادهم من ممارسة العنف والتخريب، والحؤول دون استغلالهم كوقود لتلبية المصالح السياسية.
وشهدت مدرسة الجابرية الثانوية الصناعية مؤخراً أحداث فوضى وتخريب وتكسير داخل المدرسة وخارجها، شارك فيها عدد محدود من الطلاب الذين عمدوا بشكل متكرر وعلى مدار يومين إلى افتعال هذه الفوضى التي سريعاً ما نقلوها إلى الشارع، حيث تختلف الأسباب والحجج، وتكرر الأفعال والممارسات الخاطئة التي تستهدف التأثير السلبي على العملية التعليمية وتؤدي إلى الإضرار بالمستقبل الدراسي للطلبة. وأضافوا «ولأهمية التصدي لجميع أشكال العنف والفوضى في المجتمع المدرسي، فإنه لا بديل عن تكاتف جهود المجتمع البحريني ضمن نشاط وطني شامل لشرح خطورة وعواقب مثل هذه الأفعال التي تكررت في الآونة الأخيرة، وأصبحت تهدد المستقبل الدراسي للأبناء الطلبة».
أكد النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالله الدوسري «نحن نقف مع الوزارة ونشد على يد الوزير وندعوه لاتخاذ الإجراءات الرادعة حيال من يقوم بتلك الاعتداءات على المؤسسات التعليمية». وشدد عبدالله الدوسري على أن المدارس هي دور علم يجب أن تبقى بمنأى عن أي حراك سياسي، كما يجب ألا تشجع الجمعيات السياسية العبث بممتلكات الدولة. وطالب أولياء الأمور أن يقوموا بدور في إيقاف أبنائهم عن المشاركة في مثل هذه الأعمال العبثية، وأكرر وأطالب بتطبيق القوانين الرادعة على كل من يقوم بتلك الاعتداءات.
ورأى رئيس كتلة الأصالة الشيخ عبد الحليم مراد أن رأي النواب لا يخرج عن رأي المجتمع والمنطق والشرع والقانون، فهذه أعمال مسيسة للأسف ومضرة بالطلبة قبل المجتمع.
وأضاف عبدالحليم مراد «الأسف الأكبر أن أولياء الأمور لم يكن لهم الدور البارز والأهم في منع أولادهم من ممارسة العنف والتخريب، والحؤول دون استغلالهم كوقود لتلبية المصالح السياسية.
وأشار إلى أن وزارة التربية والتعليم مدت كل الأيادي وبذلت مجهوداً كبيراً لتصحيح الوضع داخل المدارس بعد الأحداث المؤسفة، وهناك برامج كبيرة تنفذها الوزارة لاستعادة روح الوئام والمحبة والوحدة الوطنية بين أبناء الشعب، فقد قامت بها خلال العامين الماضيين بجهود تشكر في هذا المجال. وأكد أنه آن الأوان ليكون للوزارة شيء من الحزم وأن تكون هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ولا يُسمح بتجاوزها من قبل الطلبة، مثل التخريب والتكسير والاعتداء وإثارة الفوضى ومنع السير الطبيعي للعملية التعليمية، فلا بد من تطبيق اللوائح ومعاقبة الخارجين عن القانون، ففي بعض الأحيان لا ينفع إلا الحزم حتى ينعم كافة الطلبة ببيئة مدرسية آمنة يمكن من خلالها الخروج بمخرجات تعليمية سليمة تساعد على الرقي والازدهار في المملكة.
وعبرت النائبة ابتسام هجرس عن حزنها الشديد مما حدث، وأضافت: إنه يحز في النفس ما يجري في بلدنا العزيز، وبشكل خاص ما تتعرض له مدارس البحرين من اعتداءات تتمثل في الحرق والتكسير والتخريب المتعمد من الخارجين عن القانون، فهل جاء هؤلاء الطلبة الذين يمارسون هذه الاعتداءات للدراسة أم لنشر الفوضى في مدرستهم وفي خارجها؟ ألم يفكروا في أهاليهم وفي مستقبلهم الدراسي؟.
وأضافت «أتمنى أن يعي هؤلاء الشباب مخاطر الانجرار وراء هذه الدعوات التحريضية قبل أن يضيع مستقبلهم وحياتهم القادمة، فالشباب هم ثروة الوطن ومستقبله، أما من يتعمد الاعتداء فهم فئة قليلة تحاول جر البقية معهم إلى ارتكاب مثل هذه الأعمال السيئة، ولذلك ومن منطلق مسؤوليتنا كسلطة تشريعية فإننا نؤيد نشر ثقافة التسامح والمحبة والمودة بين الجميع وبالأخص بين الطلبة من أجل ازدهار وتقدم هذا الوطن».
وأكد النائب أحمد الساعاتي أن وزارة التربية والتعليم اتخذت كافة الإجراءات المناسبة في حق هؤلاء الطلبة الذين لم يحترموا النظام المدرسي، فقد تصرفت الوزارة حسب اللائحة التنظيمية، وهي مخولة بتوقيف بل فصل الطالب في حالة تورطه في أفعال مناقضة للقانون ومضرة بالبيئة المدرسية.
واعتبر الساعاتي قيام الطلبة بعمليات التخريب والتكسير ظاهرة غريبة على المؤسسة التعليمية في البحرين، وكان على أولياء الأمور منع أولادهم من ممارسة مثل هذه الأعمال العشوائية التي تضر بمصلحة الطالب نفسه وتدمر مستقبله الدراسي.
ودعا وزارة التربية والتعليم إلى دراسة هذه الظاهرة من الناحية الاجتماعية والنفسية والتربوية ووضع برنامج عملي مدعم للمقررات الدراسية لتوعية جميع الطلبة بخطورة مخالفة القوانين والتورط في أعمال التخريب التي تعتبر مسؤولية جماعية لا تقتصر على وزارة التربية والتعليم.
ومن جانبها، اعتبرت النائبة د.سمية الجودر أن توقيف الطلبة عقوبة لا بد منها، فهذا ما يستحقونه كأحد أنواع العقاب، ولكن لابد لوزارة التربية والتعليم من وضع برنامج تربوي تأهيلي أثناء فترة العقاب، لأنهم سيكونون فريسة سهلة لعدد من الجهات التي تقوم بالتحريض السياسي بما أنهم مشحونون بالطاقات السلبية.
مطالبة بطرح برنامج علاجي لامتصاص هذا الغضب، فإذا تمت العقوبة بدون علاج فستزيد الآفة، لذلك يجب إدماجهم في الأعمال التطوعية بدون مردود مادي تحت إشراف طاقم تربوي لتحويل طاقتهم السلبية إلى طاقات إيجابية.
وقالت د.سمية الجودر إن أولياء أمور هؤلاء الطلبة يعتبرون شركاء في الأحداث التي حصلت في مدرسة الجابرية، فإحساس الطفل بالمساندة أثناء تواجدهم في الموقع كان دافعاً ومحرضاً لهم للاستمرار في عملهم الإرهابي، فيجب معاقبتهم بالدرجة الأولى قبل معاقبة أبنائهم.
وأكدت رئيس جمعية التربويين صفية شمسان مساندتها لإجراءات وزارة التربية والتعليم في تطبيق الأنظمة على الطلبة لتحقيق الانضباط، فما فعلته المدرسة من استدعاء لأولياء الأمور وإحاطتهم علماً بما جرى يعد استدعاءً قانونياً ولازماً للحفاظ على سير العملية التعليمية.
ودعت صفية شمسان إلى عقد لقاءات مع أفراد المجتمع في كافة المحافظات وطرح موضوع ازدياد الاعتداءات على المدارس وتوعيتهم بأخطاره. وأكدت مناهضة جمعية التربويين للعنف في المدارس، ووقوفها ضد تسييس التعليم وجر الطلبة إلى المنعطفات السياسية والطائفية.
وشددت على أن أولئك الطلبة الذين يتعمدون إتلاف الممتلكات العامة والخاصة مغرر بهم، حيث يتم استغلال حماسهم وتحريضهم لتنفيذ تلك الاعتداءات.
وطالبت رئيس جمعية التربويين بدمج هؤلاء الطلاب في الأنشطة المجتمعية بالتعاون مع المؤسسات غير الحكومية كالنوادي الرياضية وغيرها، من أجل الحفاظ على مستقبلهم.
وقال التربوي المختص في التوجيه النفسي جاسم المهندي إن خطورة مشكلة العنف والتخريب المدرسي الممنهج لا تكمن في أن ما يقوم به طلبة مراهقون فقط، بل إن وراءه محرضين يتمترسون وراء هؤلاء الطلبة المراهقين ويدفعونهم إلى التحرك ضد المدرسة باعتبارها رمزاً من رموز الدولة، فالمقصود هو ضرب الاستقرار الدراسي وتحريض الآخرين على الانخراط في مثل هذه العملية.
وأشار جاسم المهندي إلى أنه من واقع التجربة العملية والتعامل مع مثل هذه القضايا تبين لي من خلال المعاينة والمعايشة والتحليل العلمي أن أغلب هؤلاء الطلبة قادمون إلى المدرسة مزودين بأجندة معادية للمدرسة ولكل ما ترمز إليه. فهنالك أشخاص خارج المدرسة (قد يكونون رجال دين أو سياسيين) يتولون شحنهم بأفكار سلبية قائمة على كره الدولة وكافة الأجهزة التابعة للدولة، وهم على استعداد مسبق للتخريب كشكل من أشكال التعبير عن هذا الحقد ضد كل ما يرمز للسلطة واستقرار العملية التعليمية يعتبرونه أمراً سلبياً.
وأوضح أن المطلوب منهم تحديداً هو إفشال العملية التعليمية وإشاعة الفوضى للإيحاء بأنهم يقومون بعملية «نضالية» كما يدعون.
وأضاف المهندي «هؤلاء الطلبة المرهقون قد تأصل فيهم هذا السلوك العدواني الذي انقلب حتى ضد أنفسهم، فلم يعودوا يعبؤون حتى بمستقبلهم الدراسي، وأصبح من الصعب علاجهم والدليل على ذلك أنهم لم يعودوا يسمعون لا كلام المعلمين ولا الإدارة المدرسية ولا أولياء أمورهم، حيث تم واقعياً ممارسة التخريب حتى أمام أعين أولياء الأمور الذين جاؤوا المدرسة للتوقيع على التعهد بعدم عودة أبنائهم لممارسة العنف والفوضى. والحقيقة أن المذنب الأصلي لا يطاله العقاب، لأنه يقوم بالجريمة في الخفاء، المجرم هو المحرض الذي يستغل هؤلاء المراهقين، ولن يتغير هذا الوضع إلا بمحاسبة المحرضين أو دفعهم إلى التوقف عن التحريض، خصوصاً أن المراهق سريعاً ما يغير رأيه بحكم طبيعة المرحلة العمرية.
وقال إنه نظراً لأن هذا النوع من العنف العبثي والصبياني في بعض أوجهه قد أصبح يندلع هنا وهناك وبشكل عشوائي، ويتسع نطاقه، ويؤثر سلباً على استقرار المجتمع وأمنه، ونظراً لأن الذين يدفعون باتجاه التصعيد يعمدون إلى الدفع بعدد من الشباب صغار السن لتعريض أنفسهم وغيرهم لمخاطر العبث في ممارسة هذه اللعبة، فإنه من المهم التوجه إلى معالجة هذا الجانب من منظور وطني شامل، لأن هؤلاء الشباب هم أبناء هذا البلد، الذين يعول عليهم في بناء التنمية في المستقبل، يجب العمل على تدريبهم على كيفية التعايش داخل المجتمع ومستلزمات هذا الانتماء، وكيف يفضي هذا التعايش - وبشكل طبيعي - إلى نتاج متنوع و خصب في المجالات كافة بما في ذلك القبول بتنوع الأفكار والرؤى وتنوع المعالجات، مع الالتزام بمتطلبات السلم الأهلي والدفاع عن أمن المجتمع واستقراره، واعتبار الأمن الوطني ومنه الأمن المدرسي، خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه.
وقال الكاتب الصحافي د.نبيل العسومي إن أسوأ ما يمكن أن يحدث في المدارس هو استغلال الطلبة سياسياً أو طائفياً - تحت عنوانين مختلفة - وتوظيفهم للقيام بأعمال الفوضى والعنف والتخريب، وقد شهدنا ذلك إبان الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدارس الوزارة في فبراير- مارس 2011م، وما نجم عنها من تخريب للنفوس وللبيئة المدرسية ومن الإساءة للعلاقات الإنسانية داخل النسيج المدرسي.
وأكد د.نبيل العسومي أنه يشعر بخيبة أمل كبيرة كلما رأى محاولات البعض لاستعادة مثل تلك الأحداث المؤسفة، بشكل أو بآخر تحت ذرائع متعددة، مثلما حدث في مدرسة الجابرية الصناعية مؤخراً، عندما أقدم عدد من الطلاب المغرر بهم على أحداث الفوضى، ومن ثمة القيام بأعمال تخريبية داخل المدرسة وخارجها، وقد رأينا كيف تم تكسير الأثاث المدرسي وإلقاء الحواسيب في الشارع والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة في عملية فوضوية لا يمكن ان تكون عفوية، لأن المدرسة- على حد علمي - لم تمارس ضد هؤلاء الطلاب أي شكل من أشكال العنف أو الظلم أو التعسف، فقد كان السبب الظاهري هو التحجج بجدول الامتحانات وقد كان سبباً مضحكاً وغير جدي، لأن اختبارات منتصف الفصل الدراسي كما يعلم الجميع - هي امتحانات داخلية تم الإعلام عن مواعيدها في سياق واسع جداً (فترة تمتد 15 يوماً من 5 نوفمبر إلى 20 نوفمبر) في حين أنها لا تنفذ في الواقع إلا في خمسة أو ستة أيام في المتوسط، خصوصاً أنها امتحانات داخلية تتم خلال الدروس العادية داخل الصف وليست امتحانات مركزية، وهنالك مرونة واسعة في تنفيذها، ولذلك من الواضح أنها مجرد لعبة لإثارة الفوضى، وقد بات واضحا مثل أن مثل هذه الأعمال يتم تحريكها من خارج المدرسة ككل مرة كنوع من الاستغلال السياسي للطلبة بما يؤدي إلى التأثير السلبي على مستقبلهم الدراسي، وهذه جريمة في حقهم وفي حق الوطن..واعتقد أخيراً أن وزارة التربية والتعليم تمتلك القدرة على مواجهة واستيعاب مثل هذا الجنوح الاستثنائي نحو العنف العبثي، استناداً إلى ثقافة مجتمعية تمقت العنف، والموروث الاجتماعي والثقافي الذي يساعد على الوقوف أمام الظاهرة الطارئة، سواء أكانت باسم الدين أو باسم السياسة، والوقوف أمام ازدواجية الخطاب لدى بعض الأطراف المتخفية وراء شريعة حقوق الإنسان والديمقراطية المزيفة، وركوبها لتكريس العنف والكراهية.