طالب مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قادة الدول الإسلامية بموقف شجاع في المحافل الدولية في الدفاع عن القضايا الإسلامية وكف الظلم عنهم وعدم السماح لعدوهم ليستولي عليهم.ودعا، خلال خطبة يوم عرفة في مسجد نمرة، أمس، إلى إنشاء اتحاد إسلامي قوي يحمي الأمة ويقويها. وقال: «أما آن الآن أن نتحد جميعا في بناء مستقل بأيدينا، نستعين بالله ثم بقدراتنا وخبرتنا وعقول مفكرينا وعلمائنا، وأن نصنع اتحادا إسلاميا قويا بكل كيانه، اقتصاديا نكتفي بما لدينا، قوة عسكرية نواجه بها قوى أعدائنا».وأكد أن «من أمانة هذا الدين أن الدماء والأموال والأعراض أمانة لدى المسلم يجب احترامها وصيانتها وعدم الاعتداء عليها».وحذر المسلمين من الطرق المحرمة كالغش والظلم والغدر وأكل أموال الناس بالباطل ونقض العهود، مشددا على تحكيم شرع الله في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والعلاقات الخارجية لتكون الشريعة وحدها مصدر الحكم والتحاكم.ودعا إلى البعد عن أسلحة الدمار والخراب التي تدمر البلاد والعباد وتقضي على الحرث والنسل، واصفا إياها بالقوة الشريرة التي تضر بالأمة ومستقبلها، وأنه يجب على ملاكها أن يتقوا الله في أنفسهم، والعلم بأن هذه القوة إن لم تستعمل فيما ينفع البشرية استعملت فيما يضر البشرية وأن هذا ظلم وعدوان على بني الإنسان، محذرا من العواقب الوخيمة للظلم.التمسك بـ«الشريعة»وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ: إن الأعداء يتربصون بالإسلام، وإن التمسك بـ«الشريعة» أمانة في أعناق الأمة وقادتها، مضيفا أن المسلمين يحصدون ثمار الفاحشة والإباحية التي انتشرت في بلاد المسلمين. مشددا على أن التقدم لا يعني التخلي عن مبادئنا وقيمنا والسير على مبادئ الشيوعية والليبرالية والعلمانية.ودعا المسلمين إلى توحيد الله في العبادة كما أمر بذلك بقوله «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، إلى جانب الإخلاص له بالدعاء والتضرع في طلب الغوث والمدد منه جل شأنه في الشدة والرخاء والسر والعلانية مستشهدا بقوله تعالى « وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم.وحث عبدالعزيز آل الشيخ المسلمين على أن يكونوا صادقي الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بأنه عبد الله ورسوله وخاتم أنبيائه وخاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال الله في كتابه الكريم «ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما».وقال «ليكن إيمانك به إيمانا صادقا يحملك على اتباع سنته وتحكيم شريعته والتحاكم إليها والرضا بها وأن يكون قدوتك وأسوتك في أحوالك كلها «لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا»، وأعلم أنه صلى الله عليه وسلم رسول للخلق كلهم «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، وعنه صلى الله عليه وسلم (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن به إلا دخل النار)، فليكن إيمانك بالقرآن إيمانا صادقا لأن هذا كتاب الله خاتم كتب الله ناسخا لما مضى ومصدقا له، يحق الحق ويبطل الباطل « وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه».وأكد أن العقل أمانة، محذرا مما يكذبه ويضعفه ويزيله أو يقلل إنتاجه من الاشتغال بالمخدرات والمسكرات والشعوذة والسحر وأنواع الكهانة والتنجيم، داعيا إلى تسخيره بالتفكر في خلق الله وعظيم آياته.الفاحشة وتمييع الأخلاقولفت الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ النظر إلى ما يمر به الإسلام من ظروف حرجة وما يوجه من حيثيات ومصائب تهدد وحدته، وأن تفرق أبناء المسلمين واختباءهم وتشتتهم وتكالب الأعداء المتربصين بهم وانتشار الحروب والفتن الداخلية، أصابهم بالضعف والوهن والذل والهوان فأصبح بأسهم بينهم شديدا يعلمه القريب والبعيد، مرجعا ذلك إلى تخليهم عن تعاليم دينهم وعن العقيدة الصحيحة واتجاه الكثير منهم إلى ما حرم الله ورسوله فنالوا الضعف والهلاك.ولفت الانتباه إلى أن الذي يضعف الأمة هو اتباع الفاحشة وتمييع الأخلاق والإباحية، فعلى أثره لن يحصدوا من هذا الأمر إلا ضياع الأعراض وانتهاك الحرمات وفساد الأخلاق والانحلال مع ما يصاحب ذلك من الأمراض الخطيرة».وحذر مفتي المملكة في خطبته من أسماهم بـ»طائفة» هذه الأمة، موضحا أنها تريد بالمسلمين الهلاك وانعدام الأمن والإيمان والاستقرار، مبينا أنها ارتوت تقليد أعدائها في أخلاقهم وعاداتهم وأفكارهم وتركوا مناهجهم التعليمية ومبادئهم الفقهية ظانين أن التقدم والحضارة مرهونان بذلك من غير التأكد من الغث والسمين والنافع والضار وما يوافق الشريعة وما يخالفها. وقال «وطائفة أخرجوا المناهج والنظم من الإسلام وأدخلوها في شيوعية وليبرالية وعلمانية يظنون أنها رقي وتقدم وسار الأمر عكس ذلك».واستطرد قائلا «أيها المسلمون الآن وبعد الضياع والهوان فقد آن الأوان أن تفروا إلى الله، وأن تعتصموا بدين الله كما قال في محكم آياته «ففروا إلى الله إني لكم منه نذيرٌ مبينٌ»، وقال سبحانه وتعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، لا نجاة للأمة ولا أساس لها إلا بتمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها على منهج السلف الصالح ولن يصلح هذه الأمة إلا ما صلح في أولها».وخاطب علماء الأمة بقوله: إن لكم دورا فاعلا في توعية الأمة وإخضاع شأنها وفك الخصام بينها وإطفاء العداوة والحرب والفتن بين أبنائها.. يا علماء الإسلام تحلوا بالشجاعة والإخلاص والموضوعية والصراحة فيما تعاني منه الأمة ونزع فتيل النزاع بينها.. وإن أهملتم ذلك وضيعتموه استحكم الخلاف.. داعيا أرباب الأقلام النزيهة وذوي الأخلاق الإسلامية القويمة لتسخير أفكارهم فيما ينفع الأمة وينهض بها ويغرس فيها حب الدين وحب الإصلاح والأخوة وتعليقهم بماضيهم المجيد.الحذر من مكائد الأعداءووجه مفتي عام المملكة رسالة في خطبته إلى الآباء والأمهات فقال «إنكم مسؤولون أمام الله عن تربية هذه الأجيال فربوهم على الطريقة الصحيحة والخلق الكريم والهوية الصادقة واغرسوا فيهم حب دينهم وأوطانهم وحاولوا أن ينتشر فيهم العلم والتعليم والجد في حياتهم كلها وجنبوهم الفواحش والمنكرات».وخاطب رجال التعليم قائلا «علموا أبناء المسلمين ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، أنيروا لهم الدرب في مستقبلهم وحياتهم أهلوهم لكي يكونوا آهلا للمسؤولية في أمتهم ومواطنيهم وخدمة قضاياهم الإسلامية». ودعا الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رجال المال إلى أن يتقوا الله فيما أؤتمنوا عليه، وأن يؤدوا زكاة أموالهم وأن من حق الأمة الإسلامية عليهم أن يستثمروا أموالهم في بلادهم ليحصل الخير والبركة من مشاريع حيوية ليكون فيها قوة الاقتصاد والتقدم وإتاحة الفرصة للشباب وتشغيل الأيدي العاملة، محذرا من أن تكون أموالهم سببا لضرر الأمة أو فساد أخلاقها أو طمس هويتها وشعارها أو تكون عونا لأعداء الإسلام على المسلمين». كما خاطب مفتي المملكة المخططين لهذه الأمة بقوله «اتقوا الله في أنفسكم وفي مسؤوليتكم وفيما تخططون لأمتكم من إخراجها من الذل والتبعية والهوان، الزموا الصدق والإخلاص فيما تخططون للأمة من أمور اقتصادية أو عسكرية أو صحية أو سياسية ولتكن مراعية للشرع وعند تخطيطكم انظروا إلى ما يتفق مع الدين ومبادئه واحذروا ما يخالف ذلك».ثم وجه الخطاب للشعوب الإسلامية قائلا «إن بلادكم أمانة في أعناقكم فحافظوا على أمنها واستقرارها ومكتسباتها ومقدراتها ومشاريعها العامة النافعة واعلموا أنكم مستهدفون من كل أعدائكم يريدون تفريق صفكم وضرب بعضكم ببعض ونشر الفوضى والبلبلة في صفوفكم، فاحذروا مكائدهم ليقضوا على بنيتكم التحتية وعلى اقتصادكم والمؤسسات العسكرية والمؤسسات المدنية والقضاء على كل خير لفرض السيطرة والتبعية عليكم، احذروا مكائدهم وتأملوا في مؤامراتهم الخبيثة التي يريدون الضرر بكم ، أفشلوها واعملوا على إفشالها قبل خروجها».وأكد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن أعظم الخيانة أن يخون العبد دينه أو يخون أمته، وأن من صورها بث المخدرات بين أفرادها ونشر هذا البلاء العظيم وأن يكون الإنسان عدوا لأمته متبعا لإملاء الآخرين فيحطم بلده وأمته لمصلحة من لا لمصلحة له في البلد ولكن لأغراض ومطامع دنيوية، داعيا إلى المحافظة على الأوطان والحذر من مكائد الأعداء.وقال «أمة الإسلام إن القوة أمانة قوة الإنسان سواء قوته العسكرية أو السياسية أو المالية أو الاقتصادية أو العلمية هي أمانة فإن سخرها فيما ينفع أمته ومجتمعه كان مؤديا للأمانة وإن ضيعها واستعملها في غير ما هي له كان كمن خان الأمانة، فالأمانة تفيد الأمة في حاضرها ومستقبلها».الانقسام والطائفيةوقال المفتى مخاطبا حجاج بيت الله الحرام : وطأتم هذا البلد ووجدتم حرما آمنا مطمئنا ذلك بفضل الله، ثم بتمسك قيادته بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شؤون الحياة كلها، ثم جعل الشريعة دستورا لها، وما فيها من تآلف بين الراعي والرعية مما جعل المجتمع مجتمعا قويا ضد النزاع والفساد هيأ الله لهذا البلد سياسة خارجية متوازنه جنب البلاد هذه الفتن والمصائب . أيها المسلمون إن الانقسام بين الأمة والطائفية ضرر على الأمة، حلوا المشاكل بأنفسكم واحذروا من عدوكم أن يضرب بعضكم ببعض فإنكم أمه مسلمة يجب أن يكون لكم وعي وانتباه لما يحيك لكم الأعداء. وحث آل الشيخ ضيوف الرحمن أثناء تأديتهم نسكهم على لزوم الهدوء والسكينة واحترام أنظمة السير والمرور ، وقال : حجاج بيت الله الحرام اشكروا الله على هذه النعمه والزموا الهدوء والسكينة واحترموا أنظمة السير والمرور واحذروا ما يعيق الحاج في الحرم والمشاعر وتخلقوا بأخلاق الإسلام فإن الأنظمة وضعت لأجل راحتكم وسلامتكم فالزموها وحافظوا عليها لعلكم تفلحون. وأضاف : أيها المسلمون أنتم في يوم من الأيام المباركة يوم عرفة ذلك اليوم العظيم الذي أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة ورضي الإسلام لنا دينا فعظموا هذا اليوم بذكر الله وطاعته وخير الدعاء دعاء يوم عرفه وخير ما قاله النبيون من قبلنا .. لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .. هذا يوم ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا ويباهي به الأرض انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا طائعين أشهدكم إني قد غفرت لهم . وتابع المفتي مخاطبا جموع الحجاج بقوله : قفوا بعرفه داخل حدودها وصلوا بها الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمعا وقصرا ، قفوا بها إلى غروب الشمس ثم انصرفوا بعد غروب الشمس إلى مزدلفة .. وصلوا بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا وبيتوا بها ولكم الانصراف في نصف الليل ولاعذر لمن كان قادرا أن يبقى فيها حتى يصلي فيها الصبح ،وينصرف قبل طلوع الشمس .. اذهبوا إلى مني وارموا جمرة العقبة بسبع حصيات وحلقوا أو قصروا وقد حل كل شي إلا النساء .. طوفوا بالبيت واسعوا بين الصفا والمروة إن كنتم متمتعين، أما القارن والمفرد يسعيان فيكون التحلل كاملا .. وعودوا إلى منى وارموا فيها الجمار في يوم الحادي عشر والثاني عشر بعد الزوال اقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم .. أيها المسلم تعجل في يومين وأن تأخرت إلى اليوم الثالث عشر فذاك أفضل لأجل تنظيم الحجيج وهذا فيه فضل كبير وخير للأمة .وحث أبناء المسلمين في أنحاء المعمورة على التعاون مع الجهود التي تقوم بها حكومة المملكة في عمارة الحرمين الشريفين وقال: إن هذا المشروع العظيم للحرمين الشريفين الذي تشاهدونه اليوم يحتاج إلى تعاون مع الدولة حتى يستكمل المشروع حقه، فجزى الله حكومتنا خيرا على ما بذلته في هذه التوسعة العظيمة والخدمة الكبيرة للحجاج، ووفرت لهم المعيشة والصحة والأمن والاستقرار وكل الأجواء المهيئة لطاعة الله، فجزاهم الله على ما قدموا خيرا، والشكر لله على فضله وإحسانه.