قال علماء دين إن «الحياء خلق الإسلام، وقرين الإيمان، ومفتاح كل خير، وهو من أعظم الأخلاق التي تنأى بالعبد عن الرذائل، وتحجزه عن الوقوع في سفاسف الأمور، كما إنه من أقوى البواعث على الفضائل، ومن الأحاديث الجامعة التي تحث على هذا الخلق العظيم، وتبين منزلته وآثاره، حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
وأضافوا أن «تلك الوصية العظيمة بالحياء، مما أثر عن الأنبياء المتقدمين، وتوارثه الناس عنهم، وتداولوه فيما بينهم قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل، حتى وصلت إلى هذه الأمة، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، قال بعض العلماء إنه «أمر جاء على سبيل التهديد والوعيد، فيكون المعنى إذا لم تستح من الله فاصنع ما شئت، فإنه سيجازيك ويحاسبك عليه، كقوله تعالى: «اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير». ويحتمل أن يكون على سبيل الإخبار، ويكون المعنى أنك إذا فقدت الحياء فستفعل ما يحلو لك، ولن يكون هناك ما يمنعك من فعل القبائح بعد ضياع الحياء».
وذكروا أن «حقيقة الحياء تتمثل في خلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، وهو مما ميز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات، لكي لا ينساق وراء دواعي الشهوة، ونوازع الهوى، التي تدعوه إلى الوقوع فيما يستقبح، فإن البهائم هي التي تهجم على ما تشتهي دون حياء أو روِية، ولذلك فإن بين اقتراف الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم وارتباط وثيق، وكل منهما يدعو إلى الآخر، فإذا قل حياء المرء لم يبال بما اقترف من ذنوب، ومن عقوبات الذنوب نزع الحياء وقلته».
وصنف العلماء الحياء لنوعين «أولهما حياء جبليّ فطري: وهو ما كان فطرة وجبلة في الإنسان، وهو من أعظم النعم التي يمن الله بها على من يشاء من عباده، لأنه لا يأتي إلا بالخير للعبد، فإن بعض الناس قد يكف عن القبائح والمعاصي ابتداءً لما فطر عليه من الحياء، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لأشجِّ بني عصر: «إن فيك خلتين يحبهما الله عز وجل، قلت: ما هما؟ قال:الحلم والحياء، قلت: أقديما كانتا فيَّ أم حديثا؟ قال: بل قديما، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله عز وجل».
وتابعوا «أما النوع الثاني، فهو حياء مكتسب، وهو من أعلى خصال الإيمان، ودرجات الإحسان، وهو الذي يمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي خوفا من الله عز وجل، وهو الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حق الحياء، قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».
وإذا فقد العبد الحياء بنوعيه لم يبق له ما يمنعه من الوقوع في القبائح المعاصي، قال مالك بن دينار رحمه الله: «ما عاقب الله تعالى قلباً بأشد من أن يسلب منه الحياء».
وأوضحوا أن «مما يبعث على الحياء، ترادف نعم الله على العبد، وتوالي إحسانه إليه، فإن الكريم لا يقابل الإحسان بالإساءة، ولو تفكر العبد في نعم الله عليه لمنعه ذلك من عصيانه حياء منه، يقول الجنيد رحمه الله «الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء»، وإذا كان الواحد منا يستحيي ممن صنع إليه معروفاً أن يقابله بالنكران والإساءة، فكيف لا يستحيي من ربه واهب النعم التي لا تحصى، وفي ذلك يقول القائل:
هــب الـبعث لم تأتـنا رُسله
وجـاحمة النار لم تضرَمِ
أليس من الواجب المستحق
حياء العباد من المنعم ؟!
وذكر العلماء أن «الحياء منه الممدوح ومنه المذموم، وإنما يعرَفُ ذلك بثمرته، فإذا دعاك إلى الخير فهو المحمود، وإذا دعاك إلى غير ذلك، فهو العجز والخور والضعف والمهانة، وهو من خداع الشيطان وتلبيسه، كالحياء الذي يترتب عليه كتمان الحق، أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو القعود عن طلب العلم والدعوة إلى الله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياء من العذراء في خدْرها، ومع ذلك لم يمنعه حياؤه من القيام بتكاليف الدين والدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام».
وخلص العلماء إلى أنه «بذلك تكون هذه الوصية بالحياء قد جمعت الخير من أطرافه، فعلى المسلم أن يفهم معنى الحياء الشرعي، وأن يجعله خلقاً وسلوكاً في حياته، وإن كان قد جبل عليه فليحمد الله على هذه النعمة، وإن لم يكن فيه فليحرص على اكتسابه وتحصيله».