بقلم ـ هيا الكعبي:
يعرف المفكر رينيه كاسان مؤسس معهد حقوق الإنسان في ستراسبورج بفرنسا، حقوق الإنسان بأنها فرع من فروع العلوم الاجتماعية يختص بتحديد الحقوق والرخص الضرورية التي تتيح ازدهار شخصية كل فرد في المجتمع استناداً إلى كرامته الإنسانية، وهو تعريف دقيق بشكل يؤكد على القيمة الراقية التي تحتلها حقوق الإنسان في الفكر الاجتماعي والسياسي الحديث.
هو لم يكتف فقط بتحديد الحقوق الحامية للإنسان، ولكنه ارتقى بها ليصبح هدفها ازدهار الشخصية وتميزها، وفرق كبير بين حماية الإنسان وحقوقه الأساسية وهذا التعريف الساعي إلى توفير مناخ ملائم يكفل تميز الإنسان أياً كان جنسه أو نوعه أو عرقه، فهو إنسان وكفى.
إلا أن هذا الرأي لم يكن مقبولاً بشكل تفصيلي من آخرين رأوا أن حقوق الإنسان علم يتعلق بالشخص، سيما الإنسان الطبيعي الذي يعيش في ظل دولة ويجب أن يستفيد بالحماية القانونية سواء عند اتهامه بارتكاب جريمة أو عندما يكون ضحية لانتهاك، عن طريق تدخل إجراءات قانونية معينة يضمنها القضاء ويكفل لها التطبيق الفعلي، وهكذا جاء التعريف بشكل يقصره على حماية الإنسان فقط عندما تنتهك حقوقه الأساسية وليس قبل ذلك كما ذهب تعريف كاسان.
وتتعدد أنواع حقوق الإنسان وتتنوع، فمنها الحقوق السياسية كحق التصويت في الانتخابات وحق الترشح للمجالس التشريعية والمناصب التنفيذية، وهناك الحقوق الاقتصادية كالحق في التملك وفي المنافسة الاقتصادية الرشيدة، وهناك الحقوق الاجتماعية كحرية الرأي والتعبير والمساواة بين المرأة والرجل، وهناك أيضاً حقوق بيئية لا يمكن للإنسان أن يحصل عليها منفرداً، وتشمل الحق في بيئة صحية نظيفة.
وكان للإسلام رؤيته في حفظ كرامة الإنسان والسعي إلى تفضيله عن باقي خلقه، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا».
ومع ذلك تعرضت هذه الحقوق للعدوان والامتهان على مدار التاريخ، بدءاً من انتهاك الحق في الحياة المرتبط بوجود الإنسان في ذاته وانتهاء بالحق في العيش في بيئة نظيفة التي أصبحت تنتهك كل يوم بملوثات وعلى مرأى الجميع، ورغم أن هذه الحقوق في الوقت الراهن صارت تمثل رمزاً للتطور والارتقاء وعلامة من علامات التقدم، إلا أن انتهاكاتها المتكررة بدأت تثير العديد من الهواجس لدى قطاعات عريضة من المجتمعات في العالم.
إن للبحرين إسهامها العظيم في مواجهة هذا القدر المتصاعد من انتهاكات حقوق الإنسان، سواء من خلال سجلها الذي تعمل دائماً على تحسينه وتطويره، أو من خلال تعاطيها الإيجابي والمستدام مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل المجلس العالمي لحقوق الإنسان أو منظمة العفو الدولية وغيرها.
وبحكمة القائد الذي ينطلق من انتمائه الوطني ليحلق عالياً فوق وطنه الأكبر المتمثل في العالم العربي، كانت البادرة الكريمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفه لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، تعنى بالبت في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي، هذه المحكمة جاءت تكملة لمبادرات جلالته نحو حماية الإنسان العربي أينما كان، ومنها مبادرته بإنشاء اللجنة المستقلة لتقصىي الحقائق والتي أعلن جلالة الملك عن مقترح إنشاء المحكمة مواكباً لإعلان اللجنة عن تقريرها حول أحداث فبراير ومارس 2011، وكأن لسان جلالته يقول إن الإنسان البحريني خصوصاً والعربي عموماً هو ثروة الأمة، وينبغي الحفاظ عليه مهما كانت المشقات والتحديات.
اقتراح جلالته يعتبر خطوة مهمة ورؤية مستقبلية تواكب تطلعات الشعوب العربية وتلبي تطلعاتهم للإصلاح التدريجي والرشيد، ويتجنب سلبيات الجمود ومخاطر الاندفاع في طريق سياسي غير مأمون العواقب، وكان اقتراح إنشاء المحكمة بمثابة تعزيز وتثبيت لركائز دولة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص والمساواة واحترام حقوق الإنسان وكرامته، وتستهدف أيضاً دعم النظام الإقليمي العربي بما في ذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان والتي كانت البحرين من أوائل الدول العربية المصدقة عليه.
وأخيراً نستطيع القول إن الطريق ما زال طويلاً نحو الإقرار الكامل والشامل بحقوق الإنسان بشكل يحمي الوطن والأمة من رغبات مريضة للبعض بالقفز إلى المجهول، وهو أمر قد يشعل منطقة أخرى في عالمنا العربي إن لم نتوخ الحذر الكافي ونعلم إلى أين تأخذنا أقدامنا، فالإصلاح التدريجي والمستدام خير من إصلاح فجائي قد يفجر قضايا تهدد مصير شعوب بأكملها.