كتب - يوسف شويطر:
قاسم حداد،رجل وشاعر موقف، كيف لا ونحن نرى حياته مترجمة إلى أشعار و مقالات منذ إصدار أول ديوانه له (البشارة) إلى آخر ديوان له (نهايات تنأى)، أديب قصائده غزت الإعجاب العالمي لدرجة أنه شارك بقصيدة شعرية أثناء مهرجان أدبي في كولومبيا.
الشاعر و الأديب ادونيس لما تمت استضافته خلال برنامج تلفزيوني تم سؤاله حول ذكر ثلاثة أسماء شعراء مقربين له من بعد جيله ذكر قاسم حداد إضافة إلى الصورة الموجودة بموقع حداد الشخصي تجمعه مع أدونيس والشاعر علي الشرقاوي والفنان والمخرج عبدا لله يوسف التي التقطت في عام 1974 هذا يدل بأن شاعرنا وصل إلى الآفاق العربية وإلى قلوب الأدباء العرب في سن مبكر من حياته.
لب المقالة مناقشة بسيطة حول كتابه الأخير (سماء عليلة) الذي يحتوي على شذرات وتذكرني دائماً بفن الهايكو الياباني،هذا الكتاب يحتوي على عبارات كونية مثلما أحب أن أطلق عليه، لأنه يجعل القارئ ينتقل من ضفة إلى ضفة أخرى من حيث المعنى والسرد إنما هو أيضاً ابتكار نثري جديد من قبل شاعر بحريني.
(1)
(لا داعي للذهاب إلى المنفى، إنها هنا) هذه مقتطفة من الكتاب لها أبعاد متعددة إذا تمعن بها القارئ بشكل متقن لما يقول الشاعر المنفى ما هو المنفى؟،هل هو سجن ينفى إليه الفرد بعد ارتكاب عقوبةٍ ما أم عبارة عن جزيرة تحتوي على أجواء الأمان ويقصد عليها الفرد لكي تعفيه من هموم الدنيا هذه لعبة قاسم في مؤلفته هذه من خلاله كلمة واحدة ممكن أن تزرع في الذهب فروع متعددة من المعاني.

(2)
(السياسيون يريدون أتباعاً و الدينيون يريدون عبيداً لهم) هنا يجب أن نتوقف قليلاً المقولة هذه صفعة في وجه المجتمع وثقيلة على الذين تم ذكرهم فيها، الشاعر لم يقلها من فراغ إنما من الوضع الراهن ومنها استخرج تلك التي أتت من خبرته بالعمل في النضال السياسي فهو ليس شاعراً فقط.
(3)
(يسافر و ينقل بيته في داخله)،هنا تحول من شاعر إلى فيلسوف أو طبيب نفساني، فسر حالة المسافر الذي قد ترك دياره لتسول الراحة والاستجمام إلى راحل قد يحمل أتعابه وأحزانه معه لأن كلمة بيته لحالها تعطي تفاسيرعدة ممكن ترمز إلى الحزن أو البلد أو الأجواء الخاصة وإلخ عموماً الكتابة النثرية الوصول إلى معناها الحقيقي صعب جداً وصدق من قال المعنى بقلب الشاعر.
ليعذرني الأستاذ والشاعر قاسم حداد على تقصيري في سرد رأيي الشخصي عن كتابه سماء عليلة لو أريد الإبحار في الكتابة عن تجربته أحتاج إلى أيام وليالي وهذا بسيط جداً في حقه لأنه بحد ذاته معلم من المعالم الأدبية في البحرين.
(4)
أيهما أقدم الحياة أم الموت؟
قاسم رسم أبعاداً لتاريخ الحياة بأكملها من خلال كلمات معدودة، هنا سألت نفسي حقاً أيهما أقدم هل حياة آدم و حواء اللذين يعتبران أول البشرية أم ممات الجن التي كانت حياتهم تسبق الناس جميع، صورة استوقفتني على حافة التفكير.
(5)
لا تخف من الله، الآلهة لا تخيف،
الخوف من البشر
هنا حداد واعظاً، راشداً، مطمئناً كل من يقرأ هذا الكتاب لأنه تحدث عن حقيقة الخالق وبما يتميز به من رحمة على المخلوقين من الأشخاص يقول لك لا تخف من العفو الواسع المديد بل كن حذراً من الذين يتشاركون معك في الأحاسيس والقلوب والمشاعر لأن كل ما ذكر قد يتغير من الأحسن إلى الأسوأ.
(6)
أحلامك مواقع أقدام الملائكة ذاهبة بك في بهو الله
الرؤية الصوفية لم تغادر شاعرنا في هذا الكتاب،حسب رؤيتي لهذا المقطع بأن الأحلام رمز على نية تحقيق العمل سواء كان صالحاً أم طالحاً القصد هنا بأن أجعل حلمك صافياً لكي تذهب نوايا الحلم إلى الله لكي يعلم بما فيها من خير لكي يحققه لك والصورة التشبيهية بأن الشاعر شبه الملائكة بالوسطاء الذين ينقلون إلى الرب بالمكنون المصون في البشر.
(7)
كلما ضعت عن طريق، اكتشفت طريقاً جديدة ففي الضياع منحة المعرفة
أتصور بأن الشاعر استطاع تحويل السلبي إلى إيجابي، كيف؟ الضياع بما أنه حاجة سلبية تؤدي إلى الانحراف عن المسار الصحيح والتشتت إنما نراه هنا سمة إيجابية تدل على طريق ولآد للمعرفة، حداد زرع في ذهني سؤالً، هل ممكن صوت الشعر يغير من السلبي إلى الإيجابي؟ والشاعر يحثك على الضياع لتعرف يريد القول لك لا تتقوقع في مدارك تجرأ على التقليد وابتكر.
(8)
حتى بعد أن أصبح ابني موسيقياً لم أقنع بالشعر، اللهب في هذه المقطوعة بأن قاسم يتحدث عن أحد أفراد أسرته وهو ابنه الكبير بما أنه موسيقياً، والأغرب من ذلك بعد سنين التجربة الشعرية والنضال الأدبي يقول بكل سهولة بأن لم يقنع بالشعر هل هذا الشيء يدل على حب الموسيقى نافست حب الشعر لدى الشاعر في الآونـــة الأخيـــرة، اللّــه أعلـــم.
(9)
في كل صباح
حين أخرج إلى الحديقة
أجد شجرة جديدة في شجرة التفاح تلك
حسب علمي بأن الأستاذ قاسم قد زرع شجرة تفاح في بيته إثر إقامته الأدبية الأخيرة بألمانيا في منزل الشاعر هاينريش بول، والظريف في الموضوع بأن حداد يتحدث عن يومياته في الكتاب لكن هذه العبارة من ناحية أخرى لها بعد آخر وهو إن المشروع قد يفتح لك مشروعاً آخر والمشروع الآخر هذا قد يولد في ذهنك فكرة مشروعين آخرين وهكذا والشجرة في ذهن الشاعر بحد ذاتها مشروع.