كتبت - زهراء حبيب:
ضريبة التطور التكنولوجي تدفعها المجتمعات العربية والدولية على حد سواء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر زيادة الجرائم كماً ونوعاً، ففي السابق كانت الجرائم ترتكب من قبل أفراد وبصورة مبسطة، واليوم باتت الجريمة جماعية وتطوع لتحقيقها الشبكات الإلكترونية.
وعبدت التكنولوجيا الحديثة طرق التواصل بين مرتكبي الجريمة وضحاياهم، وسهلت تواصل أعضاء الجريمة ببعضهما البعض، لوضع الخطة وتنفيذ الجرم، وأصبحت بعض الجرائم تأخذ طابعاً دولياً، وتعددت جنسيات مرتكبيها، متخفين وراء أسماء مستعارة.
وفيما تختلف نوعية الجريمة وتتطور أساليبها، بات من الضروري مواكبة الإجراءات الأمنية لهذا التطور، بما يفضي إلى سرعة التقصي عن مرتكبيها وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة، وتحديث آليات الوقاية من تلك الجرائم وتفادي وقوعها.
ومن أحدث الجرائم التي أثارت تساؤلات الرأي العام البحريني، جريمة سرقة نحو 80 ساعة من الماركة العالمية «رولكس» من محل تجاري في مجمع «ستي سنتر»، من قبل 6 رجال يرتدون العباءة والنقاب على وجوههم ونفذت خلال دقائق معدودة، وتوصلت الجهات الأمنية إلى مرتكبيها خلال فترة وجيزة وهم من جنسيات أجنبية، واستعادت أغلب المسروقات، رغم مغادرتهم البلاد بعد ساعتين من ارتكاب الواقعة.
وكانت سرعة تحرك الجهات المعنية والتعميم على المشتبه بهم بالنشرة الحمراء «الأنتربول»، السبب المفصلي وراء تمكن سلطات دولة ألبانيا من القبض على أحد المتورطين في الجريمة ويحمل جنسية «كوسوفو»، ومن خلال التعاون مع مكتب سفريات قبض على إثنين آخرين، وما زالت وزارة الداخلية مستمرة في ملاحقة بقية المتهمين بعد أن حددت هوياتهم.
وفي قضية أخرى كشفت النيابة العامة عن القبض على 5 أشخاص يستدرجون الأطفال دون سن 14 عاماً، عبر تصوير مقاطع إباحية للأطفال والمتاجرة بها، والاعتداء على أعراضهم، وابتزازهم وتهديدهم لإتيان أفعال مخلة بالآداب وتصويرهم.
وكشفت منظمة أوروبية في الخارج متخصصة في مراقبة الشبكات الإلكترونية خيوط الجريمة، بعد أن لاحظت وجود جماعة تستدرج الأطفال بأسماء وصور فتيات، فقدمت بلاغاً بالواقعة إلى إدارة مكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني في البحرين.
وحددت المحكمة الكبرى الجنائية موعد أولى جلسات القضية يوم 24 أكتوبر الحالي، وطلبت النيابة من المحكمة جعل الجلسات سرية لحماية الضحايا.
وتنوعت الجرائم الإلكترونية بحيث لم تعد تحدها حدود الدول، وهذا ما كشفته السلطات الأمنية في أبوظبي، عندما كشفت عن عصابة دولية تستدرج الخليجيين وتبتزهم بلقطات فيديو، عبر تصويرهم في مشاهد مخلة بالآداب وتبدأ عملية الابتزاز المادي.
ويقع الضحايا في شبكة العصابة من خلال استخدام دبلجة بصوت نسائي ومشاهد إباحية للنساء، لاستدراج الرجال أمام كاميرا الكمبيوتر والطلب منهم بتصرفات إباحية دون علمهم بعملية التسجيل، ومن بعدها تبتزهم العصابة مقابل عدم نشر تلك المقاطع في شبكات الإنترنت، فيما خاطبت شرطة أبوظبي الجهات الأمنية في عدة دول لترصد تحركات تلك العصابات.
وفي خضم تنوع الجريمة يعتبر القانون هو الجزاء الرادع لحماية المجتمع من مخاطرها، ويقول المحامي عبدالرحمن غنيم إن القانون يتعلق بالحياة الاجتماعية، ويعد من العلوم الإنسانية المرتبطة بالإنسان، ويجب أن يتطور بتطور الظروف حتى لو بقيت الأماكن على ماهي عليه.
وأضاف أن «القانون لا بد أن يتطور ليعالج الظواهر الإجرامية الظاهرة في المجتمع وتشكل خطراً على استقراره وأمنه، خاصة مع تطور الحياة ووسائل الاتصال التي قربت البعيد وسهلت الصعب، لذلك لم تغير نمط الجريمة، عدا دور وسائل الإلكترونية في تغير شكل الجريمة».
وأردف غنيم «في السابق كانت السرقة تعتبر الاستيلاء على مال المجني عليه بسلوك مادي ملموس، أما الآن فجرائم السرقة باتت إلكترونية من خلال الاستيلاء على المال من البطاقات الائتمانية، أو من خلال استخدام حسابات بنكية عن طريق الإنترنت»، منوهاً إلى أن تلك الوسائل الحديثة لم تكن معلومة للمشرع الجنائي، وعليه صدر قانون جديد يتعلق بالجرائم الإلكترونية.
وفيما يخص أن الجريمة باتت جماعية «تعدد مرتكبي الجريمة» بأسلوب جديد معاصر، أوضح أن المشرع لم يغطِّ هذه الجرائم في قانون العقوبات، وعليه يبرز دور المجلس التشريعي بطرح قوانين وتشريعات جديده تعالج مظاهر وجرائم تهدد كيان المجتمع، وأن تشدد العقوبة في حال تعدد مرتكبيها واعتبارها ظرفاً مشدداً.
وعن وجهة نظره من وجود توجه لدى المجلس النيابي لمناقشة مشروع قانون جديد، لتشديد العقوبات على الجرائم المرتكبة بشكل جماعي من حيث تعدد الجناة أو المجني عليهم، واعتباره ظرفاً مشدداً، قال إن «قانون العقوبات البحريني عالج الأمر فيما يخص تعدد الجناة في بعض الجرائم كالقتل الخطأ الذي يتعدد فيه المجني عليهم، باعتباره ظرفاً مشدداً»، مستدركاً «لكن المطلوب أن يكون الظرف مشدداً في جميع الجرائم».
ودعا غنيم المشرع البحريني إلى سن قوانين تواكب التغيرات المجتمعية، لأن القانون البحريني لا يغطي الجرائم الحديثة وقال «لا عقوبة إلا بناء على قانون».
وحول الإجراءات الأمنية المتبعة، أضاف أن الإجراءات المتبعة من قبل السلطة التنفيذية وفي مقدمتها وزارة الداخلية لمواجهة الجريمة بشتى أشكالها سواء كانت فردية أم جماعية، تحتاج إلى تحديث بصورة منتظمة من خلال تدريب منتسبيها على نوعية الجرائم وتطورها، خاصة الجرائم الإلكترونية.
وتابع «هناك من يرتكبها وراء أسماء مستعارة ووهمية، ومن الصعب الوصول لمرتكبيها، وهي جرائم تحتاج إلى تطور مستمر في طريقة تعامل رجال الأمن معها، والأجهزة المستخدمة في رصد تلك القضايا».
وعلى الصعيد ذاته قالت المحامية سهام صليبيخ إن الجريمة اختلفت عن السابق، مضيفة «في الماضي كانت الجرائم بسيطة لكنها الآن باتت مركبة وأكثر تعقيداً، وأصبح هناك سبق إصرار وترصد وتخطيط مسبق لارتكاب الجريمة».
ولفتت صليبيخ إلى أن الثقافات الخارجية أثرت على البحرين من حيث تنوع الجريمة في الكيف، منها الجرائم الإلكترونية التي أصبحت مقتبسة من مجتمعات أخرى.
وطالبت بتشديد الإجراءات الأمنية لحماية المجتمع البحريني من تلك الجرائم التي باتت تتطور مع التطور الإلكتروني والحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وحثت وزارة الداخلية ومؤسسات المجتمع المدني وهيئة تنظيم الاتصالات وغيرها على توعية المجتمع البحريني بمختلف فئاته بسبل الوقاية من الوقوع ضحايا لمرتكبي الجرائم، وأن تكون هناك حملات توعوية في وسائل الإعلام بمختلف أشكاله أسوة بالدول الخليجية، وردع من تسول له نفسه بارتكاب تلك الجرائم من خلال شن حملات إعلامية بالعقوبات المطبقة لمن يخالف القانون.
وتطرق المحامي محمد الأبيوكي إلى دور وسائل التواصل الحديثة في تسهيل عملية التواصل بين المجرمين، ودورها في تطور الجريمة التي خرجت من الإطار المحلي إلى الإقليمي والدولي، وقال «بات سهلاً تواصل مرتكب الجريمة في البحرين مع مجرم آخر في دولة عربية أخرى، مستغلين بعض الثغرات الإلكترونية وضعف الرقابة».
ودعا الأبيوكي إلى التعاون بين وزارة الداخلية والشركات الخاصة بتوفير حراس الأمن في المجمعات التجارية والمناطق السياحية والترفيهية، وتشديد الرقابة على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل الاتصالات الدولية المجانية.
وكان للمجلس التشريعي وجهة نظر من خلال العضو النيابي عدنان المالكي الذي أكد لـ «الوطن» أن الجرائم في الوقت الراهن ترتكب بشكل جماعي من حيث عدد مرتكبيها والمسؤول عن تمويل تلك الجماعة الإجرامية، فمن الناحية الاقتصادية ارتكاب جريمة مشتركة كلفتها أقل من حيث الجهد والمال.
وقال «لدى مرتكبي الجرائم اعتقاد أن الأجهزة الأمنية في البحرين منشغلة في ردع الجرائم الإرهابية، وسهولة ارتكاب الجريمة، لكن فوجئوا بصحوة رجال الأمن، وبسرعة القبض على مرتكبي جريمة سرقة ساعات الرولكس على سبيل المثال لا الحصر».
وعن طبيعة الإجراءات الأمنية في المجمعات التجارية والأمن الإلكتروني، طالب المالكي الشركات الخاصة بتوفير حراس الأمن «سكيورتي» في المجمعات بتدريب منتسبيها بكيفية التعامل مع جرائم السرقة، بالتعاون مع وزارة الداخلية، لتهيئة الحارس للتعامل مع أي اعتداء جسدي يتعرض له من قبل المجرمين، وتكثيف الكاميرات الأمنية في المجمعات والمناطق العامة.
ودعا إلى استمرارية الإجراءات الأمنية في المجمعات التجارية، وتوفير أجهزة رصد في بوابات الدخول للكشف عن أية أسلحة يحملها مرتكبي الجريمة لتفادي وقوعها، مشيراً إلى ضرورة رصد الجرائم الإلكترونية وتفعيل القوانين المشددة لمن يرتكب الجرائم عبر الإنترنت، وقال «درهم وقاية خير من قنطار علاج».