قال شيوخ وعلماء دين إن «الدعاء روضة القلب، وأنس الروح، فهو صلة بين العبد وربه، يستجلب به الرحمة، ويستعدي به على من ظلمه، ومن عظيم شأنه، وعلو مكانه، أن جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل العبادة ولبها»، مؤكدين أن «الحرص على الحلال في الغذاء واللباس شرط استجابة الدعاء».
واستشهد العلماء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: «يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً»، وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم»، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّي بالحرام، فأنى يستجاب له؟»».
وذكروا أنه «إذا كان للدعاء هذه المكانة العظيمة، فإنه ينبغي على العبد أن يأتي بالأسباب التي تجعله مقبولاً عند الله تعالى، ومن جملة تلك الأسباب الحرص على الحلال في الغذاء واللباس، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث».
وأوضحوا أن «النبي صلى الله عليه وسلم شدد في الحديث على حقيقة مهمة وهي «إن الله طيب، لا يقبل إلا طيباً»، فبين أنه سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص وعيب، فهو الطيب الطاهر المقدس، المتصف بصفات الكمال، ونعوت الجمال، ومادام كذلك، فإنه: «لا يقبل إلا طيباً»، فهو سبحانه إنما يقبل من الأعمال ما كان طيباً، خالصاً من شوائب الشرك والرياء، كما قال سبحانه في محكم كتابه «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً»، كما إنه تعالى لا يقبل من الأموال إلا ما كان طيباً، من كسب حلال، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض ذكر الصدقة: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه...» الحديث، وهو سبحانه أيضاً لا يقبل من الأقوال إلا الطيب، كما قال تعالى: «إليه يصعد الكلم الطيب»».
وأوضح العلماء أنه «حتى يتحقق للمؤمن هذه الطيبة التي ينشدها، فإنه ينبغي عليه أن يحرص على تناول الطيب من الرزق، كما قال تعالى «كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً»، فإذا امتثل المسلم لما أُمر به، حصل له من الصفاء النفسي والسمو الروحي ما يقرّبه من ربه، فيكون ذلك أدعى لإجابة دعائه».
ولفت العلماء إلى أنه «يجب على العبد أن ينأى بنفسه عن كل ما حرّمه الله تعالى عليه من مطعوم أو مشروب أو ملبوس، لأن الحرام سيورده موارد الهلاك، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به»، كما ورد عن السلف الصالح رحمهم الله، ما يدل على حرصهم على تلك المعاني السامية، فعن ميمون بن مهران رحمه الله أنه قال: «لا يكون الرجل تقياً حتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه»، ويقول وهيب بن الورد: «لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام»، وقال يحيى بن معاذ «الطاعة خزانة من خزائن الله، إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال».
وتابع العلماء «لقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عظيماً، لرجل قد أتى بأسباب إجابة الدعاء، غير أنه لم يكن يتحرّى الحلال الطيب فيما يتناوله، فهذا الرجل: أولاً: «يطيل السفر»، والسفر بمجرّده يقتضي إجابة الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المسافر... «الحديث»»، والمسافر يحصل له في الغالب انكسار نفس نتيجة المشاق التي تعتريه في سفره، وهذا يجعله أقرب لإجابة دعائه، وثانياً: «أشعث أغبر»، وهذا يدل على تذللـه وافتقاره، بحصول التبذّل في هيئته وملابسه، ومن كانت هذه حاله كان أدعى للإجابة، إذ إن فيه معنى الخضوع لله تعالى، والحاجة إليه، وثالثاً: «يمد يديه إلى السماء»، والله سبحانه وتعالى كريم لا يرد من سأله، وقد روى الإمام أحمد وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين». ورابعاً: ما ورد من إلحاحه في الدعاء: «يا رب، يا رب»، وهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر ما يدعو به ثلاثاً». ورأى العلماء أن «هذه 4 أسباب لإجابة الدعاء، قد أتى بها كلها، ولكنه أتى بمانع واحد وهو الكسب الحرام فهدم الأسباب الأربعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فأنى يستجاب له ؟»، وهذا الاستفهام واقع على وجه التعجب والاستبعاد، لمن كانت هذه حاله».