كتب - وليد صبري:
تتصاعد فضيحة التجسس الأمريكي على المستوى العالمي، لتشكل انتهاكاً غير مسبوق لحقوق الإنسان، وممارسة الديمقراطية، ما يكشف زيف ادعاءات واشنطن التي تزعم دائماً أنها «المدافع الحصري عن الديمقراطيات وحقوق الإنسان حول العالم». وبعد أن أقرت الإدارة الأمريكية قبل فترة بالتنصت على المكالمات الهاتفية لمواطنيها بحجة «الدفاع عن الأمن القومي للبلاد»، قفزت فضيحة التجسس على اتصالات أمريكا على حلفائها إلى صدارة المشهد الأوروبي، حيث سيطر الموضوع على أعمال قمة الاتحاد الأوروبي التي انطلقت في بروكسل، بعد الكشف عن احتمال تجسس الاستخبارات الأمريكية على مسؤولين بالحكومة الإسبانية، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وكذلك اتصالات ملايين المواطنين الفرنسيين، وقبلها التنصت على رئيسة البرازيل ديلما روسيف، ورئيس المكسيك السابق فيليبي كالديرون. وتحدثت تقارير صحافية عن أن «عمليات التجسس تتم من خلال سفارات واشنطن»، فيما قررت مدريد استدعاء السفير الأمريكي لديها لتطلب توضيحات عن عمليات التنصت، مثلما فعلت عدة بلدان. وحاولت إدارة أوباما التهوين من قضية التنصت، وبررت الانتهاكات التي فعلتها بالقول إن «هذه النشاطات تبقى مشروعة». وأوضحت ليسا موناكو مستشارة الرئيس باراك أوباما للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب أن «المعلومات التي كشفت في الأشهر الأخيرة أثارت توترات شديدة مع بعض أقرب شركائنا الأجانب، ومع أننا نجمع النوع نفسه من المعلومات التي تجمعها جميع البلدان الأخرى، إلا أن أجهزة استخباراتنا تخضع لمزيد من القيود والمراقبة من أي بلد آخر في التاريخ»!
وتعد قضية التجسس الأمريكية أحدث انتهاك لحقوق الإنسان تمارسه الولايات المتحدة، بعد تنديد منظمات حقوقية دولية بمقتل مدنيين في غارات أمريكية دون طيار في كل من باكستان واليمن، إضافة إلى خطف السلطات الأمريكية المواطن الليبي أبو أنس الليبي من بلاده واقتياده على متن حاملة طائرات أمريكية بالبحر المتوسط والتحقيق معه بحجة تورطه في هجمات إرهابية استهدفت مصالح أمريكية في أفريقيا، ومن ثم محاكمته أمام محكمة أمريكية في نيويورك دون علم السلطات الليبية بما يحدث!
ودفع اتساع حجم فضيحة التجسس الأمريكية القادة الأوروبيين، الذين يشعر معظمهم بالاستياء، إلى مطالبة واشنطن بالالتزام بـ «مدونة حسن سلوك».
وبعد فرنسا وألمانيا أعلنت إسبانيا استدعاء السفير الأمريكي في مدريد لطلب توضيحات. ويأتي هذا القرار لرئيس الوزراء ماريانو راخوي إثر كشف معلومات جديدة في الصحف تشير إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على أعضاء في الحكومة الإسبانية من بينهم سلفه خوسيه لويس ثاباتيرو. وأكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن 35 من زعماء العالم من بينهم المستشارة الألمانية انغيلا ميركل تم التنصت على اتصالاتهم. كما كشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن باريس تشتبه في وقوف أجهزة الاستخبارات الأمريكية وراء الهجوم الإلكتروني الذي استهدف الرئاسة الفرنسية في مايو 2012. ولكن عدا التصريحات الاحتجاجية لم يتخذ رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل أي إجراء انتقامي حيال الولايات المتحدة. وأبدى قادة الدول الـ28 وحدة شكلية «لأخذ علم» بالمبادرة التي أطلقتها فرنسا وألمانيا «لإجراء مباحثات ثنائية مع الولايات المتحدة بهدف التوصل قبل نهاية السنة إلى اتفاق على العلاقات المتبادلة في هذا المجال». وفي البيان المشترك اعترف الأوروبيون بأن «جمع المعلومات يشكل عنصراً أساسياً في مكافحة الإرهاب» وهو المبرر الذي تسوقه واشنطن باستمرار، لكنهم حذروا من أن «عدم الثقة يمكن أن يضر بالتعاون اللازم» في هذا المجال. من جانبه قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «إننا لا نراقب أجهزة الكمبيوتر المحمولة للذين نلتقيهم في القمم الدولية».
ورفض القادة الأوروبيون أي فكرة لتعليق مفاوضات التبادل الحر التي أطلقت مؤخراً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
كما قررت عدة دول مثل بريطانيا وإسبانيا عدم إثارة غضب واشنطن بالانضمام إلى المبادرة الفرنسية الألمانية. من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن «مسؤولين أمريكيين حذروا بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية بأن الوثائق التي حصل عليها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، إدوارد سنودن، تضم مواد تكشف عن تعاملات سرية بين هذه الأجهزة والولايات المتحدة.
ونقلت عن مسؤولين حكوميين، أن سنودن حصل، خلال عمله لمصلحة الوكالة على عشرات آلاف الوثائق، التي يتضمن بعضها معلومات حساسة بشأن برامج لجمع المعلومات الاستخباراتية حول إيران وروسيا والصين، فيما يكشف بعضها الآخر عن تعاملات سرية بين الولايات المتحدة ودول غير حليفة لها في العلن.
وفي برلين، كتبت صحيفة «سودويتشي تسايتونغ» الألمانية أن عمليات التنصت التي يعتقد أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية مارستها على الهاتف المحمول لميركل، تمت من سفارة الولايات المتحدة في برلين.
أما صحيفة «ال باييس» الإسبانية فذكرت أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على العاملين وأعضاء الحكومة الإسبانية وبينهم رئيس الوزراء الاشتراكي خوسيه لويز رودريغيز ثاباتيرو.
ومن المقرر أن يسافر وفد من المشرعين الأوروبيين إلى واشنطن بعد غد الاثنين للحصول على إجابات من المسؤولين الأمريكيين بشأن عمليات التجسس. كما قررت ألمانيا إرسال مسؤولي مخابرات كبار إلى واشنطن الأسبوع المقبل بغية الحصول على توضيحات بشأن القضية ذاتها.
ومنذ يونيو الماضي تتكشف معلومات عن نشاطات تجسسية أمريكية لم تقتصر على أشخاص يشتبه تورطهم بالإرهاب بل طالت رجال أعمال وصناعيين وحتى مسؤولين سياسيين مثل ميركل والرئيسة البرازيلية ديلما روسيف والرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون.