اطلع وفد من القسم الإعلامي بوزارة الثقافة على تجربة مهرجان (ليلة بيضاء) في العاصمة الفرنسية باريس. وتابعت رنـــوة العمصي وفاطمة عبدعلي أعمال التنسيق والتنظيـــم للمهرجان على مدى 3 أيـــام، قابلتا خلالها عددا من الشخصيات الثقافية والتنظيمية، وحظيتا بفرصة زيارة عدد من الأعمال الفنية والمواقع التاريخية، إلى جانب تأمل التجربة الثقافية الفرنسية والعالمية عن قرب، في ملامسة لأثر الأعمال الفنية المعاصرة وملاحظة تفاعل الجمهور والعامة مع هذه المدخلات الفكرية والثقافية.ونظمت الزيارة، سفارة فرنسا لدىالمملكة بالتعاون مع وزارة الثقافة معايشة للثقافة والفنون في الفضاءات العامة في مختلف الدول الأوروبية، وتركزت هذه المرة أعمال وفعاليات المهرجان بالنسبة للعاصمـة الفرنسية باريس على ضفاف نهر السين، قناة سان مارتان ومنطقة الماريه.وفــــي اليوم الأول للزيارة، التقــى الوفــــد مسؤولة الشؤون الثقافية جولييت سيلزمان لاستقبال الوفود العامة بقســـم العلاقات الدولية التي لخصت تجربـــة مهرجان (ليلة بيضاء) وفكرته الثقافية التي تستهدف إحداث انشغال عامٍ وحالة تيقظ للمدينة الباريسية، يعيش فيها العامة مقاربات خاطفة للأعمال الفنية المعاصرة والحداثية لمدة ليلة متواصلة من السهـــر، وتتاح لهم فيها فرصة التعرف على جديد تلك الأعمال وابتكاراتها، بمشاركة واسعة من الفنانين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم. وأكدت سيلزمان أن المهرجان في كل نسخة يسعى لتكوين مناطق جذب مختلفة، ويستند في أعماله إلى اجتـــذاب أعمال مبتكرة تعتمد على البساطة والفرادة في ذات الوقت، وتعرض توجهات فكرية وتيارات ثقافية مختلفة وغير متوقعة بهدف اجتذاب الآخرين إليها، وأوضحت أن العديد من تلك المواقع قد يكون جديداً بالنسبة للعامة أو غير متوقع، وتتنوع مواقع تلك الأعمال ما بين المعمار التاريخي، الكنائس والكاتدرائيات، مواقع تحت الإنشاء، بعـــض القصـــور، المساحات العامة والمفتوحــة، الحدائق وغيرها من الأمكنة التي تضع العامة وجهاً لوجه أمام المكون الفني أو التصميمي. ونوهت إلى أن هذه الفكرة قد انطلق بها عمدة باريس قبل 12 عاماً، وبدأت خطواتها الفعلية باتجاه تشكيل مجاميع إنسانية تتعرف وتتقرب من المواضيع الثقافية، وتخرج فيها الأعمال من أماكنهـــا المعتادة من مراكز ثقافية واستوديوهات فنية إلى حيث يتواجد الناس. وقد اعتمدت اللجنة التنظيمية للمهرجان على استراتيجية معينة لتنويع الأعمال وتوسيع شبكة التواصل مع الفنانين بهدف عدم تكرار النسخ وخلق حراك مغاير في كل مرة، كما يهتم المهرجان خلال مراحل إعداده وتنسيقه بالتواصل مع العديد من الجهات المعنية بالشأن الثقافي والسياحي لدعم المشروع والمشاركة في تحقيق هذا المنجز. والتقى الوفد مدير المشاريع بمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الثقافة الفرنسية أوليفييه ديسيز الذي أشار إلى مهرجان (ليلة بيضاء) كونه تجربة ثقافية استثنائية في المنطقة، مؤكداً من خلال عمله في منطقة الخليج العربي وتواصله مع مناطق عديدة في الشرق الأوسط إمكانية محاكاة التجربة والاستفادة من مواضيعها في حراكٍ يتجاوز قارة أوروبا إلى القارات الأخرى. وأوضح ديسيز أن هذا المهرجان يستلزم خططاً متكاملة لابتكار الجديد في كل مرة، مشيراً إلى أن العامة في استعدادٍ دائمٍ لخوض تجارب شبيهة والمشاركة في مثل هذه الأعمال لكونها مادة جذب إنساني. وقدم خلال حديثه لمحة عامة عن العديد من المشاريع الثقافية العامة التي تشهدها باريس من بينها ليلة موسيقية مفتوحة، يسمح فيها للجمهور بالنزول إلى الشارع وأداء المقطوعات الموسيقية والغنائية في الفضاءات المفتوحة. أما اليوم الثاني، فكان فرصة للاطلاع على تجربة مهرجان ليلة بيضاء، حيث أعلن بدء المهرجان من خلال إطلاق رنين الأجراس والصفارات في كل مكان في الوقت ذاته، حيث يمكن لكل المارة إصدار رنين باستخدام أية مادة أو أداةٍ تكون بين أيديهم في تلك اللحظة، ومع هذه البداية انطلقت رحلة الوفود القادمة من البحرين، تورنتو، سوريا، سنغافورة وغيرها لزيارة هذه التجربة من خلال عدة محطات متنوعة، الأولى منها كانت مع إحدى الكنائس القديمة والمهجورة، والتي عرضت فيها إحدى الفنانات الفرنسيات عملها المستلهم من الطبيعة، حيث يتكون العمل الفني من عدد من وريقات الأشجار الشهيرة الضخمة والمصنوعة من مادة الفايبر جلاس، وتتخذ وضعيات الترتيب لتلك المجموعات الشكل اللولبي وجمعيها معلقة بطريقة متدرجة وتصاعدية في منتصف سقف الكنيسة حيث القبة وتنتهي إلى نقطة سوداء صغيرة مضاءة بصورة خافتة تشبه النجوم، وفي ذلك إشارة إلى روحانية المكان وفكرة التدرج في الصعود للآلهة. ورافق هذا العرض موسيقى وغناء كنائسي انسجم فيه الزوار مع فضاء المكان وطبيعته الدينية. أما الكنيسة الأخرى فعرضت عملاً فنياً لأحد كبار الفنانين الكوريين الراحلين، والذي يمثل ستارة خيوط مضاءة باللمبات وسط العتمة، وذلك في استدراج لفكرة العطاء والتعبير عن مفاهيم التضحية والإشعاع. واتجهت رحلة الوفود إلى أحد المعاهد الشبابية الثقافية والرياضية التي كانت قيد الإنشاء، إذ عرض القنان الصيني هونغ يونغ بينغ عمله الفني (الحزام) والذي يتكون من أنبوب شفاف ضخم بتقاطيع والتواءات معينة ويحتوي على عدد كبير من الكائنات الزاحفة والحشرات التي كانت على قيد الحياة. وقد التف الجمهور حول هذا العمل المثير للجدل والغرابة كونه أحد أكثر الأعمال إثارة للصدمة!واختتمت الوفود مشاركتها في مهرجان (ليلة بيضاء) عند ساحة (دي لا ريبابليك) العامة، حيث العمل الضبابي الضخم للفنان فوجيكو ناكايا الذي تمكن من تطبيق تقنياته لإحداث ضباب صناعي في المكان، والذي منح الأجواء حميمية وشاعرية خاصة، كانت من خلالها خيالات المارة وأضواء السيارات بانطباع مختلف ومغاير، كما زاروا نهر السين حيث انطلقت من هناك مجموعة من الألعاب النارية في تقليد شعبي واحتفائي.