فشلت الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات العراقية منذ أسابيع في الحد من أعمال العنف اليومية التي يرى محللون أن السيطرة عليها باتت تتطلب جهوداً طويلة الأمد تبدأ أولاً بالعمل على نيل ثقة كافة مكونات المجتمع.
ومنذ أبريل الماضي، حين قتل 50 شخصاً في اقتحام قوات حكومية لاعتصام سني مناهض لرئيس الوزراء الشيعي، يعيش العراق على وقع تصاعد في أعمال القتل التي باتت معدلاتها تلامس تلك التي بلغتها في سنوات النزاع الطائفي بين 2006 و2008.
وتشهد البلاد منذ نحو 5 أشهر هجوماً دامياً واحداً على الأقل كل يوم، بينما يبلغ معدل قتلى العنف اليومي 18 شخصاً في 2013. وتستهدف الهجمات كل أوجه الحياة في العراق، من الأسواق والمساجد وحفلات الزفاف، مروراً بالمدارس والمقاهي والمطاعم وملاعب كرة القدم، ووصولاً حتى إلى مجالس العزاء.
ويقول الباحث ضمن برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة صامويل برانين إنه وفيما يتصاعد العنف «يفتقد العراق لخطة فعلية للتعامل مع هذا الوضع بطريقة استراتيجية، وتكتيكية». ويضيف أن على رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 أن «يركز جهوده على إيجاد طريقة للوصول إلى السنة العاديين، وجعلهم يشعرون بأنهم جزء من الدولة».
ويستمد العنف المتصاعد زخمه الأكبر من الغضب السني الذي يعود إلى الشكوى المتواصلة من التعرض للعزل السياسي والتهميش والملاحقة من قبل قوات الأمن، وأيضاً من تطورات النزاع في سوريا المجاورة الذي ينقسم السنة والشيعة في العراق حيال مقاربتهم له. ووسط تصاعد وتيرة الهجمات اليومية، التي تشمل مئات السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة شهرياً، بدأت الحكومة العراقية قبل أسابيع اعتماد إجراءات أمنية جديدة. ومن بين هذه الإجراءات شن حملات أمنية وعسكرية على أوكار المسلحين، وزيادة عدد عناصر قوات الصحوة السنية الموالية لها والتي تقاتل تنظيم القاعدة، ووضع قيود على التنقل بالسيارات في بغداد. لكن هذه الإجراءات فشلت في السيطرة على أعمال العنف المتواصلة منذ اجتياح البلاد على أيدي قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة في 2003.
ويقول الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مايكل نايتس إن «الاستراتيجية الأمنية العراقية تعتمد حالياً على الكثير من الجهود المتخبطة في محاولة للإيحاء بأن هناك دوماً تقدماً ما على هذه الجبهة».
ويضيف «ليس هناك من جهد حقيقي للتفريق بين المتمردين العتاة والمسلحين العاديين»، معتبراً أن «الحكومة تقوم بدل ذلك بدفع السنة غير المتشددين أصلاً نحو العودة إلى دوامة العنف».
وفيما تتواصل أعمال العنف، تخسر القوات الحكومية مزيداً من ثقة المواطنين بها، وبينهم الشيعة. ويقول مهدي وهو يقف في موقع تفجير في بغداد قتل فيه ابن عمه إن «الوضع خرج من يد الحكومة، حيث إنه يتدهور يوماً بعد يوم». ويتابع «تخرج من منزلك ولا تدري متى يقع الانفجار وتموت».
«فرانس برس»