تناول المشاركون بالمؤتمر الاستراتيجي الخليجي في البحرين أمس، الفرص المتاحة أمام الدول الخليجية لبناء نظام أمني إقليمي جديد، يقوم على الاعتماد على النفس وتبني مفهوم المصير المشترك لا التعاون فقط. وقارب المؤتمر الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»، خيارات الشراكة الاستراتيجية أمام دول التعاون، سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من بلدان العالم.ودعا المشاركون إلى تأسيس كونفدرالية خليجية تضمن الأمن وتزيد مناعة الإقليم، والاتجاه شرقاً وخلق منظومة سياسية قادرة على التفاوض الإقليمي والعالمي ومواجهة التحديات الشاخصة والمستقبلية.ونبهوا إلى أن طبيعة التهديدات تفرض تعزيز المتطلبات الدفاعية الخليجية، والاستعداد لمواجهة أسوأ سيناريو محتمل باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وقالوا إن البحرين استطاعت بتحالفاتها التعايش في منطقة خطيرة.المصير المشتركوتحدث أستاذ السياسة بجامعة الكويت د.محمد الرميحي، عن فرص دول الخليج العربية لبناء نظام أمني إقليمي جديد، وطرح سؤالاً «هل نحن بحاجة لمنظومة خليجية نعتمد فيها على أنفسنا؟ هل نحن قادرون على ذلك؟».ونبه الرميحي إلى مجموعة عوامل تضافرت لتقلل من التأثير الأمريكي والغربي في استمرار حفظ الأمن الإقليمي، كان أبرز أسبابها «احتراق أصابع الولايات المتحدة في كل أفغانستان والعراق، والأزمة المالية العالمية وتأثيرها على الاستعداد والإنفاق العسكري الغربي والأمريكي، مع تذمر شعبي أوروبي وأمريكي بما تسميه الصحافة هناك بالمغامرات العسكرية، وإحلال الدبلوماسية الناعمة في عهد باراك أوباما».وقال الرميحي إن تفاعل العوامل مجتمعة أنتج قناعة في الأوساط الغربية «أن الأمن يبدأ من الداخل» من خلال «تخفيف منابع السخط المحلي، وتوزيع عادل للسلطة»، وخلص إلى أن واقع الحال يؤكد أنه لا ضامن دولي، ولا مؤسسات دولية رادعة.وحول التحديات الإقليمية أشار الرميحي إلى أن إيران لديها قناعة أنها تقود «خطوات ضد» تكاد تنجح على المصالح الأمريكية في المنطقة، وتعزيز نفوذها المتعاظم في سوريا ولبنان والعراق ودول الخليج وحتى أفريقيا.وأوضح أن ثمة وجود اضطراب هائل في الجوار الإقليمي من تونس إلى ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن، بعضه يصل إلى الحرب الأهلية، والآخر ليس بعيداً عنها، وقال إن المنطقة تواجه أزمة هوية غير مسبوقة.وأكد أنه يمكن تصنيف المرحلة العربية بأنها أحد المفاصل التاريخية لتغيير شكل المنطقة، لها تأثير بالغ السلبية على الأمن بأشكاله المختلفة.وتطرق الرميحي إلى التحديات الداخلية لدول الخليج ومنها الخطر الديموغرافي، حيث تشهد دول الخليج «تناقضاً ديموغرافياً» حسب تعبيره، في وقت يتزايد فيه حجم السكان، تتناقص الخصوبة المحلية، وقدم أمثلة في عمان حيث نسبة الولادة عام 1980 كانت 8.3% وأصبحت في 2011 نحو 2.2%، وفي السعودية انخفضت من 7.2% إلى 2.7%، وفي البحرين من 4.9% إلى 2.5%، وفي الإمارات من 4.9% إلى 1.7%.ودعا الرميحي إلى البحث عن الإجابة الصحيحة لمفهوم التحول من التعاون إلى المصير المشترك بين دول الخليج العربية، بسبب موقف الولايات المتحدة من مجمل أحداث الشرق الأوسط.وقال إن المؤشرات تقودنا إلى أن الحلول القديمة لم تعد صالحة للمشكلات الجديدة، أي الاعتماد في الأمن الإقليمي على إعانة غربية أو مودة دولية، لأن المنطقة العربية تشهد تصدعاً إقليمياً وهو مرض قد يطول بالإقليم العربي، مضيفاً «علينا أن نتجه في دول الخليج للاعتماد على أنفسنا من خلال تأسيس منظومة إقليمية اقتصادية سياسية وأمنية ضابطة لإيقاع التحولات الضخمة القائمة والمتوقعة، تقلل ما أمكن من الخسائر، وتعظم الأرباح.واقترح الرميحي إقامة كونفدرالية خليجية، تضمن الأمن المشترك وتزيد من مناعة الإقليم وتقوم على منظور المصير المشترك، ونوه إلى الفرص المتاحة لإقامة تلك المنظومة، وتعظيم الاستفادة من الموارد البشرية والاقتصادية، وتعديل التركيبة السكانية، وإصلاح الخلل الإنتاجي، وتخفيف الضغوط الاجتماعية على عدد من الدول في المنظومة والاستفادة من الميزة النسبية لكل دولة.وأشار إلى ضرورة الاتجاه شرقاً، وتطوير العلاقات السياسية مع الصين واليابان والهند وكوريا، وخلق منظومة سياسية قادرة على التفاوض الإقليمي والعالمي، ومواجهة التحديات الشاخصة والمستقبلية.القلق غير مبررمن جانبه، أكد رئيس برنامج «آرليه أي بيرك» بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة د.أنتونى كوردزمان، أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين دول التعاون والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا استناداً للمصالح المشتركة بين الجانبين.وقال كوردزمان إن تعزيز التعاون العسكري بين دول الخليج والولايات المتحدة والغرب، يهدف إلى بناء قدرات عسكرية خليجية قوية قادرة على الدفاع وإحداث الردع والتصدى للتهديدات الخارجية.ودعا دول مجلس التعاون إلى التخطيط لمواجهة أسوأ السيناريوهات المحتملة مثل استخدام أسلحة الدمار الشامل، لافتاً إلى أن توحد دول الخليج يسهم في تعزيز وتطوير شراكتها وتحالفها مع الولايات المتحدة والغرب.وأضاف أن على دول الخليج العربية أن تتقدم لإحداث شراكة فعالة تمثل قوة ردع للتهديدات الصادرة عن بعض دول الإقليم، داعياً إلى وضع خطط خليجية مشتركة لبحث التصدي لأي تهديد محتمل بالتعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لضمان حفظ سلامة الملاحة وحرية التجارة وتدفق الصادرات والواردات عبر الخليج العربي.وأكد ضرورة تقوية الدفاعات البحرية لدول الخليج لمواجهة أي تهديد مستقبلي محتمل، والسعي لتعزيز شراكة من هذا النوع مع حلفائها.وأوضح أن تعزيز التعاون والشراكة العسكرية بين دول التعاون والولايات المتحدة والغرب ضرورة تحتمها طبيعة التهديدات، وقال «من هنا يجب على دول التعاون تعزيز متطلباتها الدفاعية وتحالفها مع أمريكا والغرب».وقال «في الولايات المتحدة علامات استفهام حول التفاوض مع الجانب الإيراني، ولكن الردع والعقوبات ضد إيران كان هدفها ثني طهران عن برنامجها النووي، والولايات المتحدة لا تستبعد الحل التفاوضي إذا تراجعت وأبدت مرونة في التخلي عن برنامجها النووي»، مشيراً في معرض رده على أحد الأسئلة، إلى أن القلق الخليجي من التقارب الأمريكي الإيراني غير مبرر.تركيا ضمانة الاستقرارمن جهته، أكد الكاتب السياسي التركي محمد جول، أن العلاقات العربية التركية القوية تمثل ضمانة لاستقرار الشرق الأوسط، لافتاً إلى وجود قواسم مشتركة كثيرة بين الدول العربية وتركيا.وقال إنه منذ عام 2002 ومع تولي حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة التركية، شهدت العلاقات بين الجانبين طفرة وتطوراً كبيراً على صعيد تعزيز الشراكة المأمولة، حيث وقعت المزيد من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والعديد من الدول العربية وخصوصاً دول الخليج.وأضاف أن من دواعي تعزيز العلاقات العربية التركية هي التهديدات الخارجية المحيطة، مؤكداً أهمية الحفاظ على فرص بناء تحالف تركي عربي، عبر بناء قناة تواصل موثوقة بين الطرفين تقارب وجهات النظر.وبشأن الحديث عن التهديدات الإيرانية في المنطقة، أشار إلى أن هذا الجانب يحتم الحفاظ على التحالف التركي العربي كتحالف استراتيجي لضمان أمن المنطقة، وتجنب الكثير من الأزمات والمخاطر المحتملة.ولفت إلى أن وجود تفاهمات عربية تركية قد تسهم في حل كثير من مشاكل المنطقة، وضرب مثلاً «إذا كان هناك توجه للمصالحة في الفترة المقبلة في مصر، فيمكن لكل من تركيا والسعودية بما يملكانه من ثقل وتأثير دعم هذا التوجه».التعايش في البحرينوأكد رئيس تحرير مجلة أوروبا الوسطى للدراسات الدولية والأمنية د.ميتشل بيلفر، أن البحرين اتخذت القرار الصحيح بالنسبة لتحالفاتها، وقال إن أبحاثه حول المنطقة أظهرت أن البحرين استطاعت أن تتعايش في منطقة خطيرة رغم صغر مساحتها، وأرجع ذلك إلى تنوع تحالفاتها، حيث اتخذت القيادة قرارات صحيحة في الوقت المناسب.وأشار إلى قدرة مجلس التعاون الخليجي على ردع التهديدات، مشدداً على ضرورة أن يبقى التحالف لمصلحة البحرين، وقال إنه يوجد مكونان أساسيان يجب أخذهما في الاعتبار بالنسبة للمملكة، وهما حجم الدولة بالنسبة لمواردها وعدد السكان، إضافة إلى العمق الاستراتيجي.وأضاف أن استهداف البحرين من بعض الأطراف يأتي بسبب موقعها الجغرافي وقربها للمركز الرئيس لمصادر الطاقة وقربها من مضيق هرمز.ولفت بيلفر إلى طريقة اتخاذ القرارات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، وقال إن المتابع يستطيع أن يدرك الرسالة التي حرصت دول التعاون على إيصالها وهي أن أي تدخل في شؤون البحرين أو أي من دول المجلس ستكون ذات كلفة عالية، وحرصت دول مجلس التعاون الخليجي على إظهار ذلك في 2011.وأكد أن قوة الردع الخليجي والتحالف والتضامن يبرز مجلس التعاون الخليجي كقوة ردع لإيجاد توازن في المنطقة، فضلاً عن أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والتركيز على البعد الأمني.ونبه إلى أنه توجد ثلاثة خيارات أمنية متاحة، أولها المنهج الوقائي بحيث يتم إخلاء المنطقة من السلاح النووي، وإيجاد شراكة مع بريطانيا وفرنسا، وما يمكن أن يقدمه مجلس الأمن بهذا الإطار.وأكد أن مجلس التعاون الخليجي أصبح أكثر وعياً بالمشاكل التي تواجهه، داعياً إيران إلى البحث عن علاقات مستدامة مع دول المنطقة لضمان الأمن والاستقرار.ويتطرق الباحثون المشاركون في اليوم الثاني للمؤتمر، إلى التحديات الاستراتيجية المعاصرة بمنطقة الخليج العربي حيث تتحدث المدير التنفيذي لمعهد أكرونيم لدبلوماسية نزع السلاح بالمملكة المتحدة د.ربيكا جونسون عن البرنامج النووي الإيراني وأمن الخليج، فيما يتناول السفير د.محمود كارم التطورات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وخيارات الردع، ويختتم هذا المحور بورقة للمدير التنفيذي لمركز «دراسات» د.خالد الرويحي بعنوان «عصر الفضاء الرقمي.. المخاطر وآليات المواجهة». ويناقش المشاركون بعدها أوضاع العالم العربي بعد عام 2011، ويتحدث في هذا المحور أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د.علي الدين هلال حول الدولة المدنية ومعضلات الحركات الإسلامية، تليها ورقة لرئيس معهد أماديوس بالمغرب إبراهيم الفاسي الفهري بعنوان «التحديات الأمنية في المغرب العربي ومنطقة الساحل»، وتختتم الجلسة بورقة للمدير العام ورئيس تحرير قناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي «التنظيمات الدينية المتطرفة العابرة للحدود وتهديداتها الجيواستراتيجية».
970x90
970x90