ركزت الجلسة الختامية من المؤتمر الاستراتيجي الخليجي أمس، على الإرهاب العابر للحدود وتهديده مرتكزات وأسس الدولة المدنية الحديثة، فيما لفت المشاركون بالجلسة إلى أن نصائح الغرب للدول العربية تغفل عن قتل المتطرفين لأفراد الجيش والشرطة.
وقال المشاركون إن التيارات المتطرفة توظف الخطاب الديني في التحشيد والتعبئة والتحريض بحجة الوصول إلى الدولة المدنية أو الدستورية، بينما تتعارض الأصول الفكرية لتيارات الإسلام السياسي مع مفهوم الدولة المدنية.
وأضاف المشاركون أن التدخل العسكري بمالي منع تأسيس دولة إرهابية تقوض أمن المنطقة واستقرارها، داعين الدول العربية والخليجية إلى بناء قوة ردع موحدة، لأن العالم لا يفهم سوى لغة القوة.
وتناول المؤتمر عقد مقارنة بين تنظيم القاعدة الإرهابي وحزب الله اللبناني، حيث يعمل التنظيم سراً ويمارس سياساته الوحشية وعملياته الانتحارية ويتبناها لاحقاً، بينما يعمل حزب الله علناً في لبنان والعراق واليمن ويقدم خدماته الاستشارية في البحرين ويمارس الإرهاب وعمليات التفجير ولا يعترف بها أحياناً.
الإسلام السياسي والدولة المدنية
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د.علي الدين هلال، إن الأصول الفكرية لتيارات الإسلام السياسي تتعارض تعارضاً أساسياً مع مفهوم الدولة المدنية، مضيفاً «يجب ألا ننخدع بشعارات سياسية تطرحها هذه التيارات».
وأردف أن هذه الجماعات هدفها الأول الوصول إلى السلطة باستخدام الدين وتوظيف الخطاب الديني من أجل الحشد والتعبئة والتحريض ثم اكتساب الشرعية، في غضون هذا تتبنى كل المسميات «الجميلة» مثل مسمى الدولة المدنية، والدولة الدستورية وغيرها.
وقارن هلال بين مبادئ الدولة المدنية القائمة، ومفاهيم تيارات الإسلام السياسي ومواطن التناقض بينهما، لافتاً إلى أن العلاقات الأمريكية الخليجية في الشهور الثلاثة الماضية أثارت أسئلة عديدة، وخاصة من تابع خطاب الأمير تركي بن فيصل في الأمم المتحدة والذي يكشف حجم اختلاف الرؤى حول القضايا المثارة بالمنطقة.
وأكد أن القضية المطروحة الآن هي مدى الركون على قوى خارجية وضرورة مراجعتها وإعادة النظر فيها، مشدداً على أن الأمن الداخلي يمثل هيبة الدولة المدنية الحديثة، ويعتبر مؤشراً لاستقرار النظام وقدرته على مواجهة الضغوط الخارجية.
ولفت إلى أن البلاد العربية في الوقت الراهن تتلقى نصائح من الغرب ومن المتحدثين في الندوات العلمية، وقال «نحن نثمن ونقدر أن جزءاً كبيراًً منها من مبعث إيجابي، لكن الملاحظ أنها تسير في اتجاه واحد، دون تقديم نصح مماثل للأطراف الأخرى».
وتمنى أن يوجهوا نصائحهم للأطراف الأخرى محل الخلاف حتى تتحقق الموضوعية، منوهاً إلى أن النصح المقدم عادة لا يتطرق لإرهاب المتطرفين وما ينتج عنه من قتل لضباط وأفراد الجيش والشرطة.
ودعا الغرب لمطالبة الأطراف الأخرى بوقف الإرهاب، ووصف ما يحدث بازدواجية المعايير التي حتماً تورث لدى المواطن شعوراً بالغضب، وقال «على الدول العربية والخليجية السعي لبناء قوة ردع موحدة لأن العالم لا يفهم إلا لغة القوة».
مخاطر الإرهاب بالمغرب العربي
من جانبه، تناول رئيس معهد أماديوس بالمغرب إبراهيم الفاسي الفهري «التحديات الأمنية في المغرب العربي ومنطقة الساحل»، في ظل تردي الأوضاع الأمنية بالآونة الأخيرة.
وقال إن «أمتنا تواجه تحولات جذرية في الأشهر والسنوات الأخيرة في أعقاب تداعيات الربيع العربي في عدد من البلدان العربية».
وتناول الفهري في كلمته انعكاسات الأوضاع الأمنية المتردية في مالي على بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل، حيث سيطرت الجماعات الإرهابية التابعة للقاعدة على مالي واتخذتها مرتكزاً لنشر الإرهاب في المنطقة بأكملها.
وأوضح أن الوضع تفاقم في مالي بأعقاب الإطاحة بنظام القذافي في ليبيا وبدأت الأزمة تتخذ منحى الخطورة الشديدة على بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل تحديداً منذ أبريل 2012، حيث سيطرت الجماعات الإرهابية التابعة للقاعدة على مالي وبدأت بتكوين الروابط مع الحلفاء المحليين في البلدان الأخرى لنشر الفوضى والإرهاب في بلدان المنطقة.
وأضاف أنه نظراً لأهمية هذه المنطقة الاستراتيجية لدول العالم، جاء التحرك الدولي لمواجهة الإرهاب في مالي، وصدر قرار من مجلس الأمن الدولي بشن عمليات عسكرية للتصدي لهذه الجماعات الإرهابية المسلحة، وحظي هذا التحرك الدولي بتأييد كافة بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل عدا الجزائر التي رأت في هذا التدخل خطراً على أمنها وأنه يؤدي إلى انتشار هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية على أراضيها.
وقال إن بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل لم تكن وحدها من تأثرت بتفاقم الإرهاب في مالي بل العديد من الدول الأفريقية مثل السنغال وساحل العاج والكاميرون والنيجر الذين تعرضوا للعديد من المشكلات الأمنية عبر هذه الجماعات الإرهابية العابرة للحدود. ولفت إلى أن التدخل العسكري الدولي في مالي كان ضرورياً لمنع تأسيس ونشوء دولة إرهابية تقوض الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، مشيراً إلى أن العملية العسكرية كانت لها تداعياتها الأمنية الخطيرة على دول المنطقة، حيث بدأت الجماعات الإرهابية العابرة للحدود بنشر الإرهاب عبر الصحراء، ونشطت في بلدان أخرى مثل تشاد وموريتانيا وغيرها، كما بدأت جماعة بوكو حرام في نيجيريا في زيادة نشاطاتها الإرهابية وصراعها مع القوات الحكومية. ونبه إلى أن هذه الأحداث أثرت على بلدان الجوار الأخرى مثل الكاميرون، وعلى حملات مواجهة الإرهاب في تونس ودول المغرب العربي المجاورة، إضافة إلى ما شكلته منطقة جنوب ليبيا من خطورة شديدة حيث أصبحت ملاذاً للجماعات الإرهابية القادمة من مالي. وقال إن التقييم الحالي للموقف في أعقاب التدخل العسكري، يؤكد وجود حاجة ملحة لتأمين منطقة المغرب العربي والساحل من مخاطر الإرهاب بوصفها منطقة استراتيجية مهمة في أفريقيا والشرق الأوسط. ودعا الدول الأوروبية إلى مزيد من التعاون لتأمين حدود بلدان المنطقة عبر التنسيق الأمني في العمليات الاستخباراتية، وتبادل المعلومات مع بلدان المغرب العربي والساحل.
القاعدة وحزب الله
وعقد المدير العام ورئيس تحرير قناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي، مقارنة بين تنظيم القاعدة الإرهابي وحزب الله، وقال إن المنظمات السياسية العقائدية العابرة للحدود التي تشكل خطراً على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط هي ثلاث حركات، الإخوان المسلمين، والقاعدة، وحزب الله.
وأضاف أن «لكل من القاعدة وحزب الله فكر يخصها وتناضل من أجله ويميزها عن محيطها، ولكن من المهم ألا نتوقع أن أي منهما سيعلن عن فكر متطرف صارخ، وإنما نجدهم يتماهون مع بعض الفكر السائد المنتمي للتيار العريض من حولهما، مثل الدولة الإسلامية، نصرة الإسلام، الدفاع عن حقوق المسلمين، العدالة الاجتماعية والدفاع عن المستضعفين، ويبدأ الاختلاف في التفاصيل المؤدية إلى تلك الأهداف العامة، حيث يتبين أن ما لدى القاعدة أسهل مما لدى حزب الله، ممثل المدرسة السائدة لدى الشيعة فهو يعلن انتماءه وإيمانه بنظرية ولاية الفقيه النظرية الحاكمة في أكبر دولة شيعية».
وأشار خاشقجي إلى أنه وبينما يتمتع حزب الله بحرية وعلنية العمل في بعض الدول مثل لبنان التي يشارك فيها بالحكم، ولديه مؤسسات سياسية وثقافية واجتماعية، ويسعى لتأسيس نماذج له في دول أخرى مثل العراق واليمن، ويحظى باحترام في إيران، فإن القاعدة بعد خسارة «قاعدتها» قصيرة العمر في أفغانستان، لم تعد تتمتع بمثل هذه الحرية، وتعمل دوماً بسرية، وتعلم أنها مطاردة حيثما حلت فهي تفتقد إلى دولتها الإسلامية «الأم» على نقيض حزب الله الذي لديه دولته الإسلامية ويعمل بحرية على الأقل في 3 دول «لبنان، العراق، اليمن»، فإنه يعمل بسرية في غيرها حيث يؤسس خلايا سياسية واقتصادية وأحياناً عسكرية.
وقال إن أقصى ما بلغته القاعدة من تعاطف علني هو من قبل تيارات منظمة وغير منظمة تتفق معها في بعض أفكارها المتشددة خاصة الاجتماعية منها، ولكنها لا تحمل السلاح، وبالتالي تنجو من غضبة الدول ولكنها تحمل فكراً أو بعضاً من فكر القاعدة.
وعدد أوجه التشابه والاختلاف بين القاعدة وحزب الله من حيث محاولة تكوين الدولة الإسلامية كما تنتهج القاعدة، بينما حزب الله يتموضع في لبنان، ومن حيث الطائفية فإن القاعدة ضد الشيعة دوماً، لأن خلفيتها السلفية تفرض ذلك، ولكن من الموثق أنها تعاملت استخباراتياً مع إيران، ومن يتابع خطاب حزب الله يجد أنه غير طائفي ولكن مواقفه السياسية دوماً مع الشيعة، وعدائي مع ما يسميه «الوهابية».
وفي موقف المنظمتين من الديمقراطية أكد أن القاعدة ترفضها عقائدياً، بينما حزب الله يقبلها ويمارسها، وكذلك الأمر بالنسبة للدولة الحاضنة والتي فقدتها القاعدة في أفغانستان بينما يحتفظ بها حزب الله في لبنان، مشيراً إلى سياسة المنظمة العابرة للحدود والتي أوجدتها القاعدة بامتياز ولكنها تفتقد لحرية بناء المؤسسات المستقرة، وعلى الصعيد الآخر فإن حزب الله له أنصاره حول العالم ولكنه لا ينشط حول العالم مثلما تفعل القاعدة، كمال أنه مستعد أن يقدم خدماته لمشاريع الدولة الإسلامية، في البحرين، اليمن، العراق، ويكاد أن يكون «المكتب الاستشاري».
وفي مجال الإرهاب أكد خاشقجي أن القاعدة لديها قوتها وسلاحها في العمليات الانتحارية، وثقافة التوحش، والجهاد من أجل الجهاد، أما حزب الله فيمارسه ولكن وفق ما يخدم سياسته وسياسة الدولة الحاضنة، وأحياناً لا يعترف بعملياته.