بقلم - علي الريس:
يذكر لنا التاريخ أن من جملة التغييرات التي بدأ بها صلاح الدين الأيوبي عندما فتح مصر وأراد تثبيت أركان الدولة هو تغيير الخطباء وأئمة المساجد والقضاة، وقد كانت خطوة حازمة تحسب للأيوبي الذي كان مدركاً لمدى خطورة وأهمية الخطباء باعتبارهم قنوات التغيير وأدوات فاعلة في تشكيل الرأي العام والتأثير فيه.
ليتنا نستفيد مما استفاد منه صلاح الدين، ولكننا على ما يبدو أمة مولعة بالوقوف على أمجاد الماضي والبكاء على أطلاله! إذ كلنا يدرك خطورة وأهمية الدور الذي يقوم به «الحقل الديني» بشكل عام و«لمنابر» بشكل خاص في التأثير على الرأي العام، وكلنا يعلم أن المنبر قد أسيء استغلاله من خلال تسييسه والترويج لأفكار تسعى لتقويض دعائم المجتمع وتعمل على نشر العنف والفوضى وبث الكراهية وإثارة الطائفية.
يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله «إذا أتى الخطيب بموعظة ملينة للقلوب فقد أتى بالخطبة»، وهؤلاء استغلوا سلطتهم الدينية وتأثيرهم في الناس فأصبحوا يروجون لبضاعتهم من خلال خلط الأوراق وإيهام الناس أن حزبهم هو الدين، وشتان بين «الحزب الذي يسمي نفسه إسلامي» وبين «حزب الإسلام»!
تجد الخطيب منهم يتخذ من منبـــر رســــول الله صلــــى الله عليه وآله وسلم وسيلة لتهييج الناس، فيدخلون في نفق مظلم لا يبصرون نهايته، حيث يحضر المصلي ليستمع إلى خطبة تفقهه في أمور دينه ودنياه، فلا يجد منها سوى الشحن والتجييش والتهييج!
تخيل الشاب وهو في مقتبل العمر يستمع إلى مثل هذا الخطاب المشحون ليل نهار، ماذا ستكون نهايته إذا لم توضع له منهجية ترشيد الهيجان الذي سيحصل له؟ سيتحول إلى قنبلة موقوتة لا أقول تنفجر في المعتدي ولا أقول تنفجر في المحتل، بل تنفجر في نفسه وفيمن حوله!
وحتى ترجع الأمور إلى نصابها الصحيح، أعتقد أنه لابد من وقف فوري لخطاب التعبئة والتجييش والتهييج بمنع هؤلاء المتطرفين من اعتلاء المنابر، لينتقل الخطاب من التطرف إلى الواقعية والإيجابية، من خطاب ذي اتجاه واحد لا يرى ولا يسمع سوى نفسه وفكره وتياره إلى خطاب منفتح مع الآخر، من خطاب التأزيم وغسل الأدمغة إلى خطاب البحث عن الحلول والآليات، ومن خطاب الكراهية إلى خطاب الحب والسلام والعودة إلى التأصيل الشرعي الوسطي، والعودة إلى قوله تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».