قال مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) د.محمد عبدالغفار إنه كانت هناك اختلافات في الرؤى بين البحرين والولايات المتحدة، حول بعض التنظيمات، ومنها السرية التي تنتشر شبكاتها في بعض دول مجلس التعاون امتداداً إلى إيران ولبنان والعراق، إذ رأت المنامة أن هذه حركات ثيوقراطية ذات نزعة طائفية تستغل أجواء الانفتاح وحرية التعبير وحرية التظاهر، لتنفيذ أجنداتها وليس لتطوير الحركة الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعميقها.
وأشار د.محمد عبدالغفار، في حوار نشرته أمس صحيفة «الحياة» اللندنية، رداً على تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ«أن الأحداث في البحرين نتيجة لتوترات طائفية»، إلى أنه «رغم طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البحرين والولايات المتحدة التي تتخذ مستويات عدة، فإن البحرين أكدت دائماً أن المشروع الإصلاحي الذي بادر به حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى هو حركة إصلاحية سياسية، وذلك قبل أن تبدأ المشكلات العالمية التي غيرت من التوازنات الاستراتيجية، خصوصاً أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001»، مضيفاً أنه «ومنذ بدء عملية الإصلاح والبحرين تقوم دائماً بمراجعة العملية السياسية وتطويرها، إذ أدى حوار التوافق الوطني الأول إلى تعديلات دستورية من شأنها تعميق الإصلاحات السياسية».
وأكد د.محمد عبدالغفار، أن «أهم التحديات التي تواجه منطقة الخليج العربي تتمثل في تنامي دور الجماعات الإسلامية إقليمياً»، مشيراً إلى أن «نجاح إيران في تطوير التكنولوجيا اللازمة لتطوير أسلحة دمار شامل هو ما يثير المخاوف الخليجية»، وأن «ثمة تكريساً لإحداث خلل في توازن القوى الإقليمية وفرض معادلة جديدة على دول الخليج، بخاصة تلك التي لديها مشكلات خلافية مع إيران».
وشدد على أن «التدخلات الإيرانية في شؤون البحرين ودول مجلس التعاون، بخاصة بعد 2011، هي محاولة إيرانية للفت الأنظار عن أزمتها النووية»، داعياً إلى «حسن قراءة» موقف واشنطن.
سايكس - بيكو خليجي؟
وقلل الدكتور محمد عبدالغفار من أهمية «الكتابات الغربية التي تتحدث عن تقسيم بعض دول الخليج»، وإمكان تنفيذ «سايكس - بيكو جديد»، وقال: «ليس الأمر بهذه الصورة، لكن التحدي الحقيقي أمام الدول العربية هو كيفية الخروج برؤية سياسية تعالج إشكالية الإثنيات والمذاهب والهويات الضيقة، وكيف تستطيع بناء هوية وطنية تصهر في بوتقتها جميع المكونات في الدول العربية»، داعياً إلى بحث تنامي الانتماءات الجهوية والطائفية في شكل جدي، خاصة أنه بدأ في تهديد وحدة الدول العربية وسيادتها.
وحول حال عدم الاستقرار الإقليمي المزمنة، قال: إن «تنامي دور الجماعات دون الدول، ومحاولة بعض الأطراف الإقليمية توظيف تحولات العالم العربي لتعزيز سياسات الهيمنة على المنطقة العربية عموماً، ودول مجلس التعاون على نحو خاص، من أهم التحديات التي تواجه منطقة الخليج العربي، فضلاً عن استمرار أزمة البرنامج النووي الإيراني بلا حل، إذ إن ما يثير مخاوف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو إمكان نجاح إيران في تطوير التكنولوجيا اللازمة لتطوير أسلحة دمار شامل، ومن ثم فإن المسألة لن تكون سوى مجرد وقت، وهو ما من شأنه تكريس الخلل في توازن القوى الإقليمية وفرض معادلة إقليمية جديدة على دول المجلس التي لا يزال لديها مشكلات خلافية مع إيران، ومن الأهمية بمكان الدعوة إلى أن تكون منطقة الشرق الأوسط برمتها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل».
إيران وخلط الأوراق
شدد عبدالغفار على أن «إيران تتعمد انتهاج سياسة خلط الأوراق»، موضحاً أن «مجلس التعاون الخليجي وصف اقتراحاً إيرانياً بمناقشة الاضطرابات في البحرين في محادثات نووية بين القوى العالمية الست وطهران بأنه تدخل في شؤون البحرين والتفاف على محادثات طهران في شأن ملفها النووي»، وقال: «طالبت إيران بإقحام البحرين في مفاوضاتها النووية خلال جولتي موسكو وكازاخستان كإحدى القضايا الإقليمية غير النووية، وذلك انتهاك واضح للقوانين والأعراف كافة التي تنص على سيادة الدول واستقلالها، وهو الأمر الذي لقي استنكاراً إقليمياً ودولياً على حد سواء».
وعن رأيه في ضرورة مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في المحادثات التي تجرى بين الحين والآخر بين القوى العالمية الست وإيران حول ملف طهران النووي، أكد أن «مجلس التعاون الخليجي هو أحد أضلاع معادلة التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي، وعلى رغم أنه ليس طرفاً مباشراً في تلك المحادثات إلا أنه معني بها بالدرجة الأولى، إذ إن ما تؤول إليه تلك المفاوضات سيكون له بلا شك تأثير في أمن دوله، فدول الخليج العربي عانت ويلات حروب ثلاث، كانت سبباً رئيساً في إزهاق آلاف الأرواح واستنزاف موارد المنطقة، ويتعين أن تكون دول مجلس التعاون على دراية بمجريات المحادثات النووية بين إيران والدول الغربية، فقد لوحظ أن دور دول المجلس تجاه تلك المفاوضات في البداية كان سلبياً، ولم يكن هناك اهتمام جدي من جانبها بالمشاركة فيها، إلا أنه مع تطور المفاوضات وعدم توصل طرفيها إلى نتيجة ما بدأت دول مجلس التعاون تطالب بأن يكون لها دور في تلك المفاوضات على اعتبار أنها مكون رئيس من مكونات الأمن الإقليمي».
وحول تأكيد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في كلمته أمام الأمم المتحدة في 25 أيلول الماضي، حرص بلاده على أمن البحرين واستقرارها، قال عبدالغفار: «البحرين عانت طويلاً - وما زالت - من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية، فعلى سبيل المثل تتعدد القنوات التي تدخل في عداد النفوذ الإيراني، إضافة إلى عدد من الإذاعات والصحف والمؤسسات الإعلامية التابعة لها، وبصفة عامة تكمن مشكلة إيران في أنها لا تريد أن تنسجم ولو بنسب متفاوتة مع حقائق السياسة وضروراتها في البيئة الإقليمية والدولية وفقاً للمنظور الذي شكله النظام الإيراني للعالم».
ودعا عبدالغفار إلى ضرورة أن «نحسن قراءة ما يجري في واشنطن حتى ندرك هل المواقف الأميركية الحالية نابعة من تطورات آنية أم إنها سياسات جديدة للولايات المتحدة تجاه المنطقة؟».
وقال: «في اعتقادي توجد مسارات ثلاثة يتعين السير فيها لتجاوز سلبيات توتر العلاقات حول البحرين، أولها: دعم الجبهة الداخلية للحفاظ على نسيج الوطن الواحد، وثانيها: المضي في دعم مقترح الاتحاد الخليجي من أجل موازنة الأدوار الإقليمية الصاعدة، وثالثها: تنويع علاقاتها الدولية».
منظومة أمنية
وطالب عبدالغفار دول الخليج بـ«منظومة أمنية خليجية – عربية» تتوافق رؤاها في ما بينها»، مؤكداً أن «ذلك الموضوع أضحى ضرورة مصيرية لدول مجلس التعاون ودول عربية أخرى تتوافق معها في الرؤى».
وأوضح رداً على وجود تنسيق وتعاون أمني خليجي عربي قائم بالفعل، أن «الموضوع لم يعد موضوع تنسيق عادي، إذ إن قوى التفتيت في بعض المجتمعات العربية، خصوصاً تلك التي تتعاون مع قوى أجنبية بدأت تضرب في هذه الدول أين ما وجدت فرصة تتيح لها ذلك، فالمنظومة الأمنية لم تعد خياراً نأخذه أو نتخلى عنه، بل ضرورة ملحة لحماية المكتسبات التي حصلت في العقود الماضية».
وأكد عبدالغفار، أن «البحرين اتخذت الكثير من الإجراءات، سواء على المستوى المحلي، أم بالتنسيق مع دول مجلس التعاون للحفاظ على أمنها واستقرارها، وتكللت تلك الجهود بالكشف عن الكثير من الخلايا النائمة التي كانت تستهدف تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد»، مضيفاً أن «المجتمعات الخليجية مجتمعات مسلمة ومحافظة تعتز بإسلامها وعقيدتها، ومعظمها لا يرتاح لاستغلال البعض الدينَ الإسلامي الحنيف لأغراض شخصية أو فئوية».
وأوضح أن «البحرين هي إحدى دول منطقة الخليج العربي التي كانت ولا تزال ساحة للصراع والتنافس الإقليمي والدولي على حد سواء، ومكمن الخطورة في محاولة توظيف بعض القوى الإقليمية الورقةَ الطائفية في البحرين، الأمر الذي يعد معوقاً رئيساً أمام أية جهود للتحديث والتغيير».
وحذر عبدالغفار من خطورة «الازدواجية السياسية» التي تتبناها عواصم إقليمية تجاه الملفات العربية، ودعمها جماعات متطرفة في بعض الدول العربية ومن بينها البحرين وقال: «كلا الأمرين له تأثير، إلا أن دعم بعض العواصم الإقليمية الجماعات المتطرفة التي تستخدم العنف والإرهاب يعني رغبتها في زعزعة استقرار الدول ووحدتها، ومن بينها البحرين، إذ تكمن خطورة تلك الجماعات في أنها عابرة للحدود، وترتبط بدول إقليمية وجماعات مماثلة لها على أسس أيديولوجية، ولا تعترف بأسس الدولة الحديثة والمصالح الوطنية».
وأشار عبدالغفار إلى أن جلالة الملك حمد بن عـــيسى أكد في كلمته أمام المجلس الوطني، أنه ماض في طريق الإصلاح، وأن البحرين لــن تستوحي توجهاتها من أي مصدر غريب عنها، موضحاً أن الملك حمد يدرك أن الـبحــرين منـــذ أن بدأت تضع اللبنات الأولى للدولة المدنيـــة في عشرينات القرن الماضي ليست في حاجـــة لاستنساخ تجارب توماس جيفرسون أو ثيوقراطية لا يقبلها العصر، خصوصاً أن النظام السياسي البحريني يتميز بالانفتاح وقبول التطور، مشيراً إلى أن حوار التوافق الوطني الأول في 2011 توصل إلى توصيات بتطوير دور السلطة التشريعية، وهو ما تم بالفعل.