كتب - وليد صبري:
بينما لم يمض أسبوع على طلب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف من الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقف الضربات من الطائرات دون طيار، خلال مباحثاتهما في واشنطن، حتى قامت الإدارة الأمريكية بانتهاك سيادة احد ابرز الدول الحليفة لها، ووجهت ضربة قاصمة لمحادثات السلام بين حكومة إسلام أباد وحركة طالبان باكستان، عندما قامت بتصفية زعيم الحركة حكيم الله محسود في غارة نفذتها طائرة أمريكية دون طيار شمال غرب باكستان، بزعم محاربة الإرهاب. وقبل إسابيع في طرابلس الليبية، اعتقلت قوة أمريكية متخصصة في مكافحة الإرهاب القيادي في تنظيم القاعدة أبو أنس الليبي والملاحق من الشرطة الفيدرالية الأمريكية منذ 15 عامأ لتورطه بتفجيري نيروبي ودار السلام في 2008. ونفذت الوحدة الأمريكية عملية اعتقال الليبي في وضح النهار ونقلته إلى حاملة طائرات أمريكية على البحر المتوسط وقامت باستجوابه ثم قامت بترحيله إلى الولايات المتحدة حيث يحاكم هناك، في انتهاك آخر لسيادة الدولة الليبية، ودون علم حكومة علي زيدان. وتشن القوات الأمريكية بين فترة وأخرى غارات بطائرات دون طيار لاستهداف ناشطين بذريعة الحرب على الإرهاب خاصة في أفغانستان وباكستان واليمن. وكشفت عملية تصفية محسود تعمد إدارة أوباما إحراج حكومات الدول الصديقة لها أمام شعوبها، ففي الوقت الذي شددت فيه إسلام أباد على ضرورة وقف الغارات الأمريكية وذكرت أنها بصدد إجراء محادثات سلام مع «طالبان»، قامت واشنطن بقتل زعيم الحركة، ما يضع نواز شريف في موقف حرج أمام شعبه الذي انتخبه رئيساً للوزراء، وظهر شريف في احد موقفين كليهما ضعيف ومرتبك ومهزوز، فإما أنه متواطئ مع الإدراة الأمريكية بإعطائها الضوء الأخضر لاغتيال محسود، أو أن الإدارة الأمريكية لم تعبأ بزيارته وطلبه وتجاهلته وانتهكت سيادة دولته حينما قامت بتصفية مواطن باكستاني في المقام الأول والأخير دون التنسيق مع السلطات الباكستانية، مثلما حدث قبل نحو سنتين ونصف حينما قامت قوات أمريكية خاصة باغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مدينة أبوت أباد شمال غرب البلاد. وفي أكتوبر 2011، أعلنت واشنطن مقتل رجل الدين الأمريكي اليمني الأصل المطلوب بتهمة الإرهاب أنور العولقي وأمريكي آخر في غارة أمريكية استهدفت موكبهما شمال شرق اليمن. والمراقب للمشهد الأخير في باكستان يلحظ أن واشنطن لا تتورع عن إحراج حلفائها أمام شعوبهم، واقرب مثال على ذلك ما يحدث في أفغانستان وباكستان واليمن وليبيا.
واتهمت واشنطن محسود بالإرهاب بعد مقتل 7 عناصر في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» في هجوم انتحاري على إحدى قواعدها المحصنة شرق أفغانستان نهاية ديسمبر 2009، في اعنف هجوم على الوكالة منذ 1983. كما رصدت واشنطن مكافأة بقيمة 5 ملايين دولار لكل من يقدم معلومات عن مكانه وأدرجت حركة «طالبان» الباكستانية على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وتولى محسود قيادة طالبان الباكستانية في أغسطس 2009 بعد مقتل بيعة الله محسود قائد الحركة التي تأسست في 2007 بهدف إطلاق «الجهاد» ضد حكومة إسلام أباد، وأعلنت الحركة ولاءها لتنظيم القاعدة لمعاقبة باكستان على دعمها «الحرب على الإرهاب» التي تشنها واشنطن.
ومنذ عام 2004 كثفت الولايات المتحدة غاراتها بالطائرات دون طيار في المناطق القبلية شمال غرب باكستان التي أوقعت آلاف القتلى بينهم مدنيون بحسب منظمات عدة.
ويرى محللون أن الهجمات بطائرات دون طيار غير قانونية وتؤدي إلى قتل آلاف المدنيين الأبرياء وتأتي بنتائج معاكسة لأنها تساهم في تأجيج عدم الاستقرار في المناطق التي تستهدفها وتغذي الشعور المعادي للأمريكيين لدى السكان المحليين. ما يطرح تساؤلاً جدياً وهو، هل ستتوقف حركة طالبان عن شن هجمات تستهدف الأمريكيين والغرب؟!
وقد قتل نائب محسود ولي الرحمن في ضربة بطائرة أمريكية شمال وزيرستان في مايو الماضي بعد أسابيع على فوز شريف في الانتخابات العامة بعدما تعهد بالسعي لإجراء محادثات مع طالبان، و حصل شريف على دعم ابرز الأحزاب السياسية لفتح حوار مع طالبان وكذلك من قائد الجيش.
وسيؤدي مقتل محسود على الأرجح إلى موجة هجمات انتقامية من قبل طالبان والى عرقلة جهود الحكومة الباكستانية لفتح محادثات سلام مع الحركة كما قال محللون.
وسمحت الغارات لأمريكا بقتل بيعة الله محسود زعيم طالبان باكستان السابق والرجل الثاني في التنظيم ولي الرحمن واحد قادة تنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي. من جانبه، قال عمران خان لاعب الكريكت السابق وزعيم حزب حركة الإنصاف التي تحكم ولاية خيبر باختونخوا الشمالية الغربية إن مقتل محسود أدى إلى «تخريب» محادثات السلام، مضيفاً «لقد أثبت الهجوم أن الأمريكيين لا يريدون السلام في باكستان».
واتهم وزير الداخلية الباكستاني شودري نثار الولايات المتحدة «بإحباط» الجهود الهادفة لفتح محادثات سلام مع طالبان عبر قتلها محسود. وقال إنه ستتم مراجعة «كل جانب» من تعاون باكستان مع واشنطن اثر الضربة الصاروخية. وأضاف موجها كلامه للأمريكيين «لقد قمتم بإحباط ذلك عشية الانطلاق، 18 ساعة قبل توجه وفد رسمي من علماء الدين المحترمين جوا إلى ميرانشاه لتسليم هذه الدعوة الرسمية».
واستدعت باكستان السفير الأمريكي في إسلام أباد ريتشارد أولسن للاحتجاج على مقتل محسود. وقال مكتب رئيس الوزراء الباكستاني إن إسلام أباد ستراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة في أعقاب مقتل محسود.
وحذر نواز شريف في أول خطاب منذ مقتل محسود، من أن طريق السلام في باكستان لا تمر عبر «نشر قوة متهورة».