قال البروفيسور د. صلاح فضل أن دستور مصر 2012 احتوى على تشويهات عميقة في عدة مواد، كانت كفيلة بتحويل مصر إلى دولة دينية مع خفض سقف الحريات ووضع مؤسسات الدولة في يد الجماعة التي استغلت أول طفرة للديمقراطية للتعامل مع تلك المؤسسات كملك لها. وأضاف د. فضل -خلال ندوة (كيف يكتب دستور مصر؟) احتضنها مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة الاثنين 4 نوفمبر الحالي ضمن ليالي الثقافة المصرية بحضور رئيسة المركز الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والسفير المصري لدى مملكة البحرين- إن الدستور سيكون نموذجاً جديداً، مصر تضع دستورها بذاتها، وما تصل إليه من حلول قد يكون نموذجاً جيداً للعديد من بلدان الوطن العربي. عام الظلام وأشار د. فضل لعلاقته الحقيقية بكتابة الدستور وبدايتها في العام الماضي، الذي وصفه بعام الظلام، وأطلق عليه تسمية (الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه مصر) والذي صححته في 30 يونيو، لافتاً إلى أنه خلال تلك الفترة كان من بين الذين اختيروا لصياغة الدستور، وخلال مراجعة المواد وإعادة تحريرها انتهى مع المجموعة إلى ضرورة تعديل 66 مادة معيبة في دستور 2012، لكنها وضعت جانباً آنذاك، قائلاً: «كانت هنالك تشويهات عميقة في عدة مواد، وقد كانت كفيلة بتحويل مصر إلى دولة دينية مع خفض سقف الحريات ووضع مؤسسات الدولة في يد الجماعة التي استغلت أول طفرة للديمقراطية للتعامل مع تلك المؤسسات كملك لها». وعرج خلال حديثه إلى دستور 2012، مشيراًبالتحديد إلى المادة 219 التي تضيف الأحكام الفقهية كمصدر أيضاً وبذلك ينتقل التفسير إلى الفقهاء لا السياسيين. وشرح د. فضل «كان التوجه واضحاً، فقد أصروا على حذف كلمة مدنية من المادة الأولى في الدستور المصري وصارت مواد الدستور ملغمة بعبارات شديدة الدهاء والخطورة، والتي تفتح الباب لشرور كثيرة». لكن ثورة 30 يونيو كانت مكملاً لما قامت به 25 يناير. واستعرض د. صلاح العديد من الإشكاليات الأساسية والتفاصيل التي واجهت لجنة الخمسين في تشكيلها وصياغتها لمواد الدستور، منها ما كان متصلاً بالعلاقة ما بين الدين والدولة، سقف الحريات والحقوق المدنية ونظام الحكم في جمهورية مصر العربية، مركزاًفي سياق شرحه على أهم الحلول التي يقدمها الدستور المصري الذي تتم صياغته حالياًعبر لجنة الخمسين التي تختص بدراسة مشروع التعديلات الوارد إليها من لجنة الخبراء العشرة، مشيراًإلى تأجيل 7 من المواد الدستورية، حيث لا بد من إحداث الوفاق حولها قبل فتح الجدل العام. لجنة الخمسينولفت إلى بعض المواد التي أثارت العديد من الاختلافات والإشكاليات داخل لجنة الخمسين قبل الانتهاء إلى صيغة توافقية، من أهمها ما يختص بتعريف الدولة المدنية (وذات الجدل حول التعريف قد حصل في العام الماضي) والتي تم تلخيصها في كلمات ثلاث هي: ديمقراطية، دستورية وحديثة. بالإضافة إلى المادة 219 والمادة التي تتعلق بتأسيس دور العبادة والتي انتهى فيها الطرح والنقاش إلى رأي مندوب الأزهر بالسماح بكون العقيدة حرية مطلقة ولكن يسمح بإنشاء دور ومنشآت العبادة لأتباع الأديان السماوية فقط، حيث يمكن للقرارات الأخرى والتي تسمح لغير أتباع الديانات السماوية أن تثير الجدل والفتنة في ظل الظروف الراهنة. كما تم تعديل العديد من المواد التي تتعلق بقوانين المرأة وأخرى خاصة بالعدالة الاجتماعية، حيث يهتم الأخير بجودة التعليم من خلال رفع سن التعليم الإلزامي حتى المرحلة الثانوية، تخصيص جزء من الدخل القومي لدعم التعليم عموماً، مع تخصيص نسب للتعليم الجامعي والبحث العلمي مع كفل مجانية التعليم. كما أضيف كفل الرعاية الصحية لجميع المواطنين، حيث تم الإلزام بتوفير نظام للرعاية الصحية يشترك فيه المواطنون بحسب قدراتهم الاقتصادية، مشيراً إلى أن هنالك بعض المواد التي لم تحل بعد وهي تختص بالمؤسسة العسكرية والمادة الدستورية الخاصة بوزير الدفاع، إلى جانب بعض المشكلات المتعلقة بالهيئات القضائية والمطالب الفئوية الخاصة. المولد في مصر من جانبه قال الفقيه القانوني د. يحيى الجمل: ولدت الدساتير في مصر قبل أن تولد في الكثير من دول أوروبا»، وقد شهد العديد من التغيرات والتعديلات خلال مراحله الزمنية، حيث أن الدستور الأول وضع العام 1923 بعد ثورة 1919م المطالبة بالاستقلال عن الإنجليز ووضع الدستور، حيث استند في مراحله الأولى على الدستور البلجيكي الملكي، وقد كره الملك فؤاد في تلك الفترة تلك النصوص بسبب تقييدها لسلطاته. واستعاد د. الجمل حقبة السادات ودستور 71، مشيراًإلى إمكانية إعادة تعديل وصياغة بعض المواد وفق رؤية الرئيس، مردفاً: رغم علاقتي الشخصية به، لكننا كنا في اختلاف فيما يتعلق بالجانب السياسي والدستوري. لقد كان السادات ذكياً جداً، فحينما أراد استبدال المادة المتعلقة بعدم تجاوز الفترات الرئاسية لمرتين، تمكن من فعل ذلك ولكن من خلال تبديل مادة أخرى وتعديلها لتكون فيها الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع»، مشيراً إلى أن مثـــل هذه التشويهات الصغيرة واستخدام الصياغات اللفظية المحكمة قد ترتبت عليها نتائج لاحقة بالنسبة للمواد الأخرى، حيث كانت طريقة للانزلاق والمرور إلى ثغرات تتلاءم مع تطلعات الرئيس، وكذلك الأمر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك حيث طالت الدستور تشويهات كثيرة.مرحلة جديدة وكشف د. الجمل عن جانب من تجربته الشخصية التي تلت 25 يناير، ففي أول تشكيل وزاري بعد هذه المحطة التاريخية، اختاره المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقرراً لمؤتمر الوفاق القومي الذي لم يعين فيه أحد، وتم تشكيله على أساس مخاطبة كافة النقابات، الأندية الرياضية والأحزاب على اختلافها لإرسال مندوبين وممثلين عنها، وقد تجاوبت جميع الأطراف باستثناء حزب الحرية والعدالة الذي رفض المشاركة. وبعد أن قطع المؤتمر شوطاًفوجئ د. الجمل باتصال هاتفي من د. عصام العريان أحد تلامذته يستنكر فيه أن يكون مؤتمر الوفاق القومي هو من سيضع الدستور، ومشيراً إلى أن الإخوان المسلمين سيأخذون الأغلبية ومجلس الشعب لوضع الدستور، وهو ما حدث لاحقاًبالفعل! وعلق د. الجمل «للأسف الشديد تمكنوا من التحشيد ونجحوا في ذلك. لقد نجحوا في تكوين دستور مشوه يحصن قرارات رئيس الجمهورية». وعقب حول الثورة المصرية: «عن نفسي أقول إن 25 يناير ويتبعها 30 يونيو، مرحلتان أوجدتا دولة جديدة في مصر». مشيراًإلى لقائه مع لجنة العشرة (اللجنة الفنية) المشكلة سابقاً وتأكيده لهم على ضرورة وجود نص واضح وصريح يمنع قيام أحزاب دينية أو بمرجعية دينية. كما تناول في حديثه جهود لجنة الخمسين، معلقًا: «أعتقد أنها تعمل عملاً أكثر من جيد، وجهداً أكثر من الجهد الاعتيادي»، مشيراً إلى أن الإعلام في الوقت ذاته يقوم بدوره ويتابع بشكل حقيقي كل المناقشات والمجريات التي كانت لها بيئتها الثرية والخصبة في الأوساط الصحفية.
970x90
970x90