كتبت- زهراء حبيب:حسمت المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة أمس قضية وفاة الطفل راشد، بحبس سائق الحافلة سنتين، ومدرسة الفصل سنة، و6 أشهر لكل من مالكة المدرسة ومالك الحافلة والمشرفة «عاملة النظافة الآسيوية» ومسؤولة المواصلات، فيما قضت ببراءة مدير المدرسة «أجنبي» والمتعاقد معها.وقال رئيس نيابة المحافظة الشمالية حسين البوعلي، إن المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة أصدرت أمس حكمها بقضية وفاة الطفل راشد في حافلة مدرسة الروابي بالحبس سنتين للمتهم الأول سائق الحافلة، وسنة لمدرسة الفصل لعدم تبليغها أسرة الطفل في الميعاد المحدد لتغيبه، و6 أشهر لكل من مالكة المدرسة ومالك الحافلة والمشرفة عليها ومسؤولة المواصلات بالمدرسة عما نسب إليهم جميعاً من اتهامات بتسببهم بخطئهم المشترك بطريق مباشر وغير مباشر في موت الطفل. وأضاف أن إهمال المتهمين وإخلالهم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم ومهنتهم واللوائح والتعليمات الإدارية، وما ترتب على هذه الأخطاء جميعها من عدم التعامل مع الطفل في رحلة إيصاله من منزله إلى المدرسة، بما يضمن حفظ سلامته وعدم التحقق من خروجه من الحافلة مع باقي الأطفال، وتركه بداخلها لفترة تجاوزت 3 ساعات مع إحكام إغلاقها وتحت درجة حرارة مرتفعة تجاوزت 53 درجة مئوية، ما تسبب في إصابته بسخونة واختناق أدى لوفاته. وقضت المحكمة ببراءة متهمين اثنين، مدير المدرسة نظراً لحداثة عمله بالمدرسة حيث لم تتجاوز الأسبوعين، والمتعاقد مع المدرسة لما ثبت للمحكمة من وجوده خارج البحرين خلال فترة العقد وهو ما لم يقرره أمام النيابة العامة.ولفت البوعلي إلى أن النيابة العامة أفردت للقضية اهتماماً خاصاً منذ بداية علمها بها، وخلال التحقيقات فيها ومتابعتها بالجلسات وتقديم المرافعات اللازمة وتفنيد دفاع المتهمين حتى صدور الحكم، نظراً لكونها إحدى حالات الإهمال واللامبالاة في أبرز صورها. وأردف «ما يميز القضية ويزيد من وطأتها أن المتهمين فيها ممن لا يحتمل منهم خطأ أو هفوة بحكم وظائفهم، باعتبارهم من المؤتمنين على أطفال ويضع الجميع فيهم ثقته ويفترض فيهم حفظ الأمانة، وما أعظمها من أمانة حينما يكون محلها أطفال مازالوا بعد في عمر زهور لم تتفتح بعد، ولضمان أن يكون الحكم الرادع في القضية رسالة طمأنينة وأمان لأولياء الأمور على أبنائهم، وردع وتحذير لكل من يقصر بحق أطفالنا مستقبلاً».وقالت النيابة إن الحكم واجب النفاذ، وينفذ على المتهمين والمحبوسين بالفعل على ذمة القضية، حتى مع استئناف المتهمين.وذكرت المحكمة أنها استندت في حيثيات حكمها على قضية حظيت باهتمام الجهات المعنية والرأي العام المحلي، على اعترافات المتهم الأول «سائق الحافلة»، بأنه أوصل الطلبة بتكليف من المتهم السابع «صاحب الحافلة»، دون أن يملك رخصة تخوله نقل الطلبة الواجب الحصول عليها بعد اجتيازه دورة تدريبية عن آلية التعامل مع الطلبة وحفظ سلامتهم، والتعرف على الإجراءات الخاصة بصعود الطلبة ونزولهم من الحافلة، وطريقة عبورهم للطريق، والتأكد من جلوسهم في مقاعدهم بشكل آمن، والتأكد من نزول جميع الطلبة من الحافلة، وعدم وجود أي طالب داخلها. وقالت المحكمة إن سائق الحافلة قاد برخصة سياقة خاصة لا تجيزه قيادة حافلة مدرسية، ولم يتأكد من خلو الحافلة من جميع الطلبة خاصة الأطفال ممن يتعذر رؤيتهم في المرآة الخاصة بالسائق.وفيما يخص المتهمة الثانية «عاملة النظافة الآسيوية»، ذكرت المحكمة أنها كلفت بالعمل مشرفة للباص، دون توفير الاشتراطات المقتضى توفيرها في الموظفة المنوط بها مهمة الإشراف على الطلبة، منها عدم إجادة اللغة العربية وهي لغة التعامل مع الأطفال، وعدم تأكدها من نزول جميع الطلبة من الحافلة، فالظاهر أن عدد الطلبة ضمن الحافلة 12، والمدرسة أعطتها كشفاً بالأسماء، وهي شاهدت المجني عليه الطفل راشد يلتحق بالحافلة مع شقيقه التوأم، إضافة إلى أنها لم تفتش الحافلة رغم أن الطلبة معتادون على النوم يومياً - وفق كلامها - وأن يوم الحادثة نام طفلان بالحافلة.وأشارت المحكمة فيما يخص مسؤولة المواصلات أنه كان من المفترض عليها مراجعة سريان الاتفاقية بين المتهم السابع «مالك الحافلة» والمدرسة، وكان يجب عليها التأكد من المستندات الثبوتية لسائق الحافلة، إن كان حاصلاً على رخصة تخوله قيادة حافلة مدرسية أم لا، وأن الحافلة مرخصة لنقل الطلبة. وكشفت المحكمة في حيثيات حكمها أن الاتفاقية بين الجانبين غير سارية المفعول، بدليل أن المتهمة طلبت من صاحب الحافلة توقيع عقد جديد بعد الحادثة، ولما كان خارج البحرين طلب من المتهم الثامن التوقيع على العقد بدلاً عنه. وأكدت المحكمة أن المتهمة أخطأت عندما اختارت عاملة النظافة لتكون مشرفة الحافلة، مع علمها أنها لا تتوفر فيها الشروط والمواصفات الملائمة لشغل الوظيفة. وقالت إنها أرست بحكمها مبدأ إجرائياً حول مسؤولة مدرسة الفصل «المتهمة السادسة»، حول مسؤوليتها عن الاتصال بولي الأمر هاتفياً تعلمهم بتغيب طفلهم عن المدرسة، وهي المنوط بها المهمة وأولياء الأمور يدفعون رسوماً لقاء الخدمة، وكان يتوجب عليها الاتصال بولي الأمر الثامنة صباحاً كحد أقصى للاستفسار عن غياب ابنهم والاطمئنان عليه، لكي تتأكد من عدم وقوع خطأ ما، رغم أنها علمت من الشقيق التوأم للمجني عليه أن الأخير مصاب بوعكة صحية لكنها لم تبادر بالاتصال والاطمئنان على الطالب، ولو اتصلت لكان أمكن تدارك الأمر وحفظ حياة الطفل، لكن عدم الاتصال كان سبباً لوقوع الوفاة.وعقبت المحكمة على ما أثاره الدفاع عن مرض الطفل يوم وفاته، أنها لم تطمئن إلى الدفع، خاصة بعد وروده على لسان شاهد النفي والمتهمة السادسة، منوهة إلى أن الطبيب الشرعي أكد خلو المجني عليه من أيه أعراض مرضية تسببت بوفاته.وأوضحت في أسباب حكمها الخاصة بإدانة مالكة المدرسة «المتهمة الخامسة»، أن الأوراق وأقوال المتهمة أثبتت أنها رئيسة مجلس الإدارة والمكلفة بترؤس الاجتماعات، ومتابعة تنفيذ القوانين الصادرة عن وزارة التربية والتعليم. وقالت المتهمة في أقوالها إن حادثة مشابهة وقعت قبل فترة بنسيان طفل مدة 5 دقائق في حافلة المدرسة، وخصمت حينها ـ كإجراء تأديبي ـ يومين من مرتب الشخص المسؤول عن الخطأ، وهو أمر يجزم بأنها كانت تدير المدرسة، وعليه فهي المسؤولة عن خطأ وفاة الطفل راشد. وبينت أن مالك الحافلة «المتهم السابع» ثبت في حقه الخطأ في ترك المجال للمتهم الأول بقيادة الحافلة مع علمه بعدم توفر الشروط المطلوبة لديه، منها رخصة خاصة بقيادة حافلة مدرسية. وبررت المحكمة قرارها بتبرئة مدير المدرسة المتهم الرابع والموقع على التعاقد بشأن حافلة المدرسة «المتهم الثامن»، بأن المدير عين قبل 10 أيام من الواقعة وهي مدة غير كافية لتحمل مسؤولياته، وإقرار مالكة المدرسة بعدم مسؤوليته عن الحادثة.وبالنسبة للموقع على التعاقد «المتهم الثامن» نبهت المحكمة إلى أن المتهم السابع اتصل بـ»الثامن» للتوقيع على العقد كون «السابع» مسافراً خارج البحرين، وبناء على طلبه وقع العقد وهو يجهل الأمر، وعليه يكون التوقيع تم بعد وقوع الحادثة. وفي السياق ذاته أشار عبدالرحمن غنيم محامي المدير في مذكرته الدفاعية، إلى أن موكله «المتهم الرابع» نسب إليه تهمة الاشتراك في القتل الخطأ على سند أنه و»المتهمة الخامسة» مالكة المدرسة بصفتهما مسؤولين عن إدارة المدرسة بالسماح للمتهمة الثالثة، باختيار المتهمة الثانية للعمل كمشرفة باص رغم أنها عاملة نظافة وبلا دراية في مجال الإشراف، على خلاف ما تفرضه عليهم أصول وظائفهم وما تلزمهم به أحكام التعميم رقم (9) الصادر عن إدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم. وقال إن الثابت من المستندات أن موكله التحق بالعمل بموجب عقد العمل المؤرخ في الأول من سبتمبر 2012، كمدرس للغة الإنجليزية بالمدرسة حتى تاريخ وقوع الحادثة، وأضيف له بعض المهام الإدارية بداية العام الدراسي 2013 ـ 2014 مطلع سبتمبر 2013، لكنه لم يصدر ثمة قرار إداري مكتوب أو تعميم من مالكة المدرسة «المتهمة الخامسة» لكافة إدارات المدرسة أن المتهم الرابع أصبح مديراً للمدرسة.وتطرق إلى أنه لم يصدر عن وزارة التربية والتعليم قرار رسمي بالموافقة على تعيين المتهم الرابع مديراً للمدرسة عملاً بنص المادة (11) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1998 بشأن المؤسسات التعليمية والتدريبية الخاصة التي استوجبت الفقرة (3) منها أن «موافقة وزارة التربية والتعليم على تعين المدير يصدر بموجب موافقة من الوزارة وتجدد كل سنتين لغير البحرينيين»، وحيث إنه ومنذ بدء العام الدراسي لمدرسة الروابي في 1 سبتمبر 2013 وحتى وقوع الحادثة محل الاتهام بتاريخ 19 سبتمبر 2013 أي خلال (19 يوماً) لم يمارس المتهم الرابع مهام الأعمال الإدارية للمدرسة، بل استمر العمل الإداري بالمدرسة في يد مالكتها ونائبة المدير ورؤساء الأقسام ومنهم رئيسة قسم الروضة، وهذا ما أكده كافة الشهود بالمدرسة، بعدم مسؤولية المتهم الرابع عن أعمال المدرسة أو الروضة. وثبت من واقع الأوراق أنه وخلال فترة بسيطة تولى فيها المتهم الرابع بعض المهام الإدارية االمتعلقة بإدارة المناهج، أنه لم يصل لعلمه التعميم رقم (9) للعام الدراسي 2013 - 2014 الخاص بالحافلات المدرسية وسلامة الطلبة، ولا مجموعة التعاميم الإدارية الدورية الصادرة عن إدارة التعليم الخاص إلى المدارس الخاصة. وأكد أن عمل المتهم الرابع لا يتصل به طبقاً للتعميم رقم (28) الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2012 والذي نص صراحة «في إطار جهود وزارة التربية والتعليم لخلق بيئة تعليمية صالحة لأبنائنا الطلبة، ومن منطلق الحرص على سلامة أبنائنا الطلبة في المدارس الخاصة والحفاظ عليهم، فإن إدارة التعليم الخاص ترجو من إدارات المدارس الخاصة ضرورة الفصل بين قسم الحضانة عن قسم الروضة وبقية المدرسة، والمراحل الدراسية، فصلاً تاماً وكل قسم له خصوصيته من مرافق الهيئة الإدارية والتعليمية والخدمات العامة حسبما نص عليه مواد المرسوم بقانون رقم (25) لسنة 1998 بشأن المؤسسات التعليمية والتدريبية الخاصة». ولفت إلى أن التعميم قطع أن كل قسم من أقسام المدرسة سواء قسم الحضانة أو الروضة أو المراحل الدراسية لا بد الفصل بينهم فصلاً تاماً ولكل قسم منهم مرافقه الخاصة، بما فيها الهيئة الإدارية والتعليمية والخدمات العامة، وحيث إن المتهم الرابع لم يكن مسؤولاً عن أعمال قسم الروضة ولا الإشراف عليه، ومن ثم لا يسأل عن وفاة الطفل راشد، حيث إنه لم يسهم بأي فعل إيجابي أو سلبي أو إخلال بما تفرضه عليه أصول مهنته أو مخالفة لوائح قد تكون اتصلت لعلمه ولم يطبقها حيال واقعة الوفاة.عقدت الجلسة برئاسة القاضي جابر الجزار وأمانة سر حسين حماد.
970x90
970x90