عواصم - (وكالات): كشفت مصادر دبلوماسية في لندن أن «وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أكد لخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود خلال زيارته الأخيرة للرياض أن واشنطن ملتزمة تماماً بالأمن الإقليمي لدول الخليج العربي»، مشيراً على وجه الخصوص إلى أن «أية تغييرات في السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالشأن البحريني لن تجري ولم تطرح على ساحة البحث لدى الإدارة الأمريكية»، وفقاً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية». وأضافت المصادر أن «كيري سمع من خادم الحرمين كلاماً صريحاً حول موقف المملكة من جملة قضايا الإقليم الساخنة بما فيها الأمن الإقليمي الذي له الأولوية القصوى في الاستراتيجية السعودية». وذكرت المصادر أن «الرياض التي عبرت عن غضبها من مواقف الحليف الأمريكي بشأن عدد من القضايا الإقليمية، كانت صريحة فيما طرحته مع ضيفها الأمريكي الذي رفضت استقباله حتى يأتيها بالخبر اليقين والواضح دون لبس أو غموض»، مع تأكيد الرياض على ضرورة أن تكون الأفعال لا الأقوال هي العامل الحاسم في العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن».
وأوضحت المصادر أن «القيادة السعودية نبهت ضيفها الأمريكي إلى أن الأمن القومي جزء لا يتجزأ من سوريا إلى العراق، ومن إيران إلى لبنان، ومصر، وبالطبع الساحة الخليجية العربية». وكانت تصريحات لمسؤولين أمريكيين عن الأوضاع في البحرين، بما في ذلك خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثارت غضباً في البحرين والسعودية حين وضعت مسألة الشأن الداخلي البحريني في سلة تتشابه فيها مع كل من العراق وسوريا من حيث التوتر الطائفي.
من جهته، وصف كيري السعودية بأنها «الأخ الأكبر للجميع إقليمياً»، مؤكداً في الاتجاه ذاته أن «علاقة واشنطن بالرياض تتخطى العلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية كاملة وإقرار بدور السعودية الإقليمي».
وفي هذا الصدد، رأى محللون أن «كيري يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لكي يقنع السعودية بجهود أمريكا لحل قضايا المنطقة».
وقالت المصادر إن «الملك عبدالله عرض بكل صراحة مواقف المملكة تجاه قضايا الإقليم»، مؤكداً أنها «ملتزمة بالتعاون مع الحليف الأمريكي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وحتى ثقافياً لبناء المزيد من جسور الثقة».
وحمل كيري إلى الرياض تأكيدات حاسمة بأن العلاقات القائمة عبر شراكة استراتيجية متواصلة منذ 75 عاماً ستظل صميمية مع الاعتراف بدور المملكة القيادي في الإقليم.
ودعا كيري خلال محادثاته مع مضيفيه في الرياض إلى «ضرورة مساهمة السعودية في مواجهة الإرهاب على صعيد دولي كما واجهته بنجاح على صعيدها الداخلي».
ومع إشادته بالتوجهات والتغييرات الإصلاحية الحاصلة في المملكة، فإن وزير الخارجية الأمريكي وصف المملكة بأنها «الأخ الأكبر للجميع إقليمياً»، مؤكداً أن «علاقة واشنطن بالرياض تتخطى العلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية كاملة وإقرار بدور السعودية الإقليمي». وأثنى كيري على «قدرة القيادة السعودية كونها في الواقع اللاعب الأبرز في العالم العربي»، مشيراً إلى «قدرتها على التأثير في العديد من القضايا التي تعنينا أيضاً».
وشدد على أن «العلاقة بين بلاده والسعودية، هي علاقة استراتيجية وطويلة الأمد»، مطمئناً الجميع على «أننا نتشاطر مع السعودية مصالح أساسية تتعلق بالحرب على الإرهاب والتدفق الحر للنفط وحماية حلفائنا».
ولفتت المصادر إلى أن «كيري حين عودته إلى واشنطن بعد جولته الراهنة سينقل صورة واضحة وصريحة تحتاج إلى اهتمام الإدارة الأمريكية وقد تجبرها على مراجعة الكثير من سياساتها، خصوصاً نحو سوريا وقضايا الأمن الإقليمي». بدوره، كان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل واضحاً في مفاصل محادثاته مع نظيره الأمريكي الذي سعى إلى «تطمين الرياض حول موقف بلاده من مجمل القضايا، والتأكيد على وعي إدارته بجدية الملاحظات السعودية»، كما إنه «أقر بوجود خلاف تكتيكي وليس في الهدف الاستراتيجي بين البلدين حول تلك القضايا وخاصة بالنسبة لسوريا وإيران». وقد طمأن الأمير سعود الفيصل ضيفه الأمريكي بأن «الرياض ترى على الدوام أن العلاقات الحقيقية بين الأصدقاء لا تقوم على المجاملة»، وفي هذا كان يشير إلى «التحليلات والتعليقات والتسريبات التي أسهبت في الآونة الأخيرة في الحديث عن العلاقات السعودية الأمريكية، وذهبت إلى حد وصفها بالتدهور، ومرورها بالمرحلة الحرجة والدراماتيكية». ونبه سعود الفيصل إلى «أنه غاب عن هذه التحليلات أن العلاقة التاريخية بين البلدين كانت دائماً تقوم على الاستقلالية، والاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المشتركة، والتعاون البناء في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية خدمة للأمن والسلم الدوليين».
وأضاف» أن اعتذار المملكة عن عضوية مجلس الأمن لا يعني بأي حال من الأحوال انسحابها من الأمم المتحدة، إلا أن المشكلة تكمن في قصور المنظمة في التعامل مع القضايا والأزمات السياسية وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، والسبب عجز مجلس الأمن في التعامل معها»، داعياً مجلس الأمن إلى «العمل على حل المشاكل من جذورها وحفظ الأمن والسلم الدوليين». وقال الفيصل إن هذا القصور «واضح في القضية الفلسطينية، واختزال الأزمة السورية في نزع السلاح الكيميائي، فضلاً عن التقاعس الدولي في التعامل الحازم وتطبيق سياسة جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي». وشدد على أن «المملكة ترى أن المفاوضات لا ينبغي أن تسير إلى ما لا نهاية»، ضارباً المثل على ذلك بعدم قدرة النظام الدولي على إيقاف الحرب ضد الشعب السوري. وأكد الفيصل أن «المملكة والولايات المتحدة منهمكتان في التعامل مع هذه القضايا بكل جدية وشفافية، في سياسة لا مجال فيها للعاطفة أو الغضب، بل بتحكيم لغة العقل والمنطق، على أساس من الثقة المتبادلة في تلمس السبل الكفيلة بمعالجتها». يذكر أن الرياض غضبت من تراجع أوباما عن تهديده بتوجيه ضربة عسكرية إلى الحكومة السورية. وكان رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس الاستخبارات العامة السعودي الأمير بندر بن سلطان، قال إن «المملكة قد تراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد مواقفها المتخاذلة من الرئيس السوري». وفي هذا الصدد، يبدو أن هناك تأكيدات أمريكية قدمت للرياض من أهمها أن «لا دور للأسد في المرحلة المقبلة، وأن أي انفتاح أمريكي نحو إيران لن يكون على عاتق العلاقات الاستراتيجية مع السعودية أو الأمن القومي العربي». وقال محللون إن «كيري يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد كي يقنع السعوديين بصدق جهود واشنطن لحل قضايا المنطقة». واجتمع خادم الحرمين وكبار الأمراء في السعودية مع كيري في إشارة إلى غضب الرياض من تحركات واشنطن في الآونة الأخيرة. وقال محلل سعودي مطلع على أسلوب التفكير الرسمي «هذا يظهر موقفا موحدا ويبعث برسالة قوية مفادها الرفض».
ويخشى قادة السعودية من أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تعد تصغ إلى المملكة خاصة فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا والخلاف النووي مع إيران. وقدم كيري تطمينات للرياض قائلاً إنه يجب على الأسد أن يرحل وإنه سيتم اطلاع السعوديين على تطورات المحادثات النووية مع إيران.
ووعد كيري «بمواجهة العدوان الموجه للشركاء الخليجيين كما فعلنا للكويت في حرب الخليج». وقال الأمير سعود إن «أغلب الخلافات بين المملكة وواشنطن في الأساليب لكن كان واضحاً أن نقاط خلاف رئيسة ظهرت بين كيري والملك عبدالله الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي بأنه صديق مخلص».
من جانبه، قال السفير الأمريكي السابق في الرياض روبرت جوردان إن «حديث واشنطن عن رحيل الأسد لا يدعم بتصرفات».
ووصف مقال لغسان الإمام في عدد أمس الأول من صحيفة الشرق الأوسط المملوكة لسعوديين سياسات أوباما بأنها «كارثية» وانتقد بشدة ما وصفه «بالانهزامية» في مواجهة إيران. من جهته، قال المحلل السياسي في معهد أبحاث الخليج مصطفى العاني إنها «وجهة نظر تتبناها القيادة السعودية وتخشى ألا يشاركها أوباما القناعة بأن إيران تحاول بجرأة الهيمنة على العالم العربي».
وأشار العاني إلى «الدور الذي لعبه «حزب الله» الشيعي اللبناني في الصراع السوري».
وربما جاء أوضح تعبير عن اختلاف الأولويات في تصريح كيري بأن «التدخل الإيراني في الدول العربية أقل إلحاحاً من حل الخلاف النووي».
وذكر العاني أن «الرياض ترى أن الملف النووي الإيراني أقل إلحاحاً من التدخل الإيراني في سوريا وغيرها»، مضيفاً «الملف النووي مهم لكنه لا يقتل 200 شخص في سوريا يومياً».