كتب- علي الشرقاوي:
منذ تعاملي والصحافة لأكثر من أربعة عقود، وأنا واحد من الحالمين، بقراءة سيرة بابكو، ومنذ عملي في جريدة الوطن تحت إدارة تحرير الصديق الراحل محمد البنكي، وأنا أتناقش معه يومياً، بضرورة الكتابة عن بابكو، لأنني أرى في بابكو هي الجذر الذي أثمر التنمية الاقتصادية الحديثة، أو الخطوة الأولى التي أوصلتنا إلى العالم، إضافةً إلى كوني واحداً من الذين استفادوا من هذه الشركة، كون أخي حسين الذي عمل فيها إلى فترة تقاعده، وأخي يوسف اشتغل فيها بعض الوقت. والكثير من أهلي مارسوا عملاً له علاقة ما بإنتاج هذه الشركة، سواء في البحر أو البر.
من هنا، فإن الباحث الكبير بدر عبدالملك، إن كان قد حقق كتاباً هاماً في تاريخ البحرين، فإنه حقق أيضاً حلمي الشخصي في أن أرى بابكو الشامخة مجسدة في كتاب «بابكو..سيمفونية البحرين الكبرى».
وقد جاءت تسمية بابكو بالسيمفونية تجسداً حقيقياً، للعمل العظيم، حيث إن السيمفونية تعني التكامل في الآلات التي تتجه بأنغامها، لإعطاء صورة لحنية كاملة عن قضية ما أو موقف ما، وكتاب بابكو، هو محاولة لإعطاء صورة لإنتاج الذهب والعلاقات بين الآلة وما ينتجه العامل على هذه الآلة، والعلاقة بين العمال وأصحاب العمل.
كلنا أبناء بابكو
كلنا أبناء أو أحفاد العمال الذين ساهموا في تحويل البحرين من العمل البحري إلى العمل البري، كلنا تربينا على نعمة الأرض التي أدارتها شركة بابكو وكلنا تعلمنا من الضوء الذي نشرته بابكو في كل مدن وقرى البحرين. وكلنا عرف الآن أن البحرين كانت على موعد مع التاريخ، تاريخ النفط، خاصة بعد صفع اللؤلؤ الطبيعي باللؤلؤ الصناعي وأبعده عن الساحة.
كتاب الباحث البحريني الكبير بدر عبد الملك شخصياً أعتبره أهم الكتب التي تتكلم عن بابكو، حيث العلاقات العامة لهذه الشركة لم تستطع أن تعطي بابكو المكانة التي تستحقها، يقول الباحث في الإهداء
« أهدي هذا الكتاب إلى عمال بابكو وموظفيها من كل الأجيال. لكل حبة عرق نزفت، ولكل تضحية بذلت كي تبقى شعلة هذا الصرح الكبير مستمرة وكي آمل أن تظل تلك السيمفونية البحرينية تعزف نبضها الإنساني الحي بلا توقف لأنها سيمفونية يستحقها شعب البحرين الكادح والطيب»
بدر عبدالملك في كتابه المرجع، كتابه الطارق على جدران المسكوت عنه، يأخذنا في رحلة تتعدد مساراتها، وتعرجاتها
والتواءاتها غير المطروقة، ويقرأ خبايا مركونة في تجاويف الذاكرة البحرينية. الذاكرة التي ماتزال تحتاج يومياً إلى من يشحذها وبدر عبدالملك فعل ذلك.
محاولة تطعيم الكتاب بروح المعلومة البحثية مع نوع من السرد الأدبي المرتهن بذاكرة شعبي.
يقول الباحث بدر عبد الملك في كتابه المرجع:
راودتني فكرة الكتابة عن شركة بابكو منذ وقت طويل، غير أن الفكرة ظلت تطفو فترة على السطح مثل أية فكرة تحركها الحماسة، ثم تدفعها الظروف نحو التراجع ثم الخمول، فتغوص إلى قاع الذاكرة لتنام حتى إشعار آخر، وهكذا ظلت تلازمني تلك الشركة النفطية وموضوعها وسحرها، وهي التي حرّكت شرايين الحياة في دم البحرين، وضخّت فيه النبض والحركة، فصارت بابكو معلماً مهماً في تطوّر البحرين وتنميتها، وقامت على جوانبها وأطرافها وتفاصيلها كل الأنغام الجميلة لمجتمع نهض بعدها من رماد الماضي إلى مجتمع الحداثة والتقدم.
استيقظت تلك الفكرة المختمرة بقوّة في عزاء شقيقي عمار، حيث كنت أرى أمامي طابوراً من المعزّين الذين ينتمون للرعيل الثاني من جيل بابكو، وكان هناك الأخ علي ربيعة، وفاروق محمد صالح ومبارك مرزوق وعيد إبراهيم الحسيني، وعبدا لواحد سديهي، ويوسف عبدالرحمن بوجيري، وبدر أحمد صليبيخ وإبراهيم جمعة ديتو وعلي مراغي، ويوسف الصباغ، والعديد غيرهم، فهؤلاء كلهم طحنتهم الآلة الرأسمالية الجديدة في بلدنا، وسلبتهم عزّ شبابهم، لكنها في الوقت ذاته قدّمت لهم من الجانب الآخر حياة جديدة، وتعلّموا من خلالها معنى الحياة والتضحية والعمل والانضباط، فكانت بابكو مدرسة للجميع، ولحناً سيمفونياً كبيراً للوطن لابد أن نكتب جزءاً من مشاعرنا نحوه نحن الذين كبرنا على وقع موسيقى أوتاره ونغماته، فكنا نشاهد تلك الشركة من خلال أناسها، وحكاياتهم اليومية، وملابسهم الكاكية المبقّعة بزيت النفط، والتي تفوح منها روائح عالقة في الذاكرة، وأحذيتهم الجلدية الثقيلة، ويومها لم يكن بيتاً في البحرين تخلو سُفرته وجدرانه من بشر عملوا في تلك الشركة الجهنمية.
بابكو.. هي ذاكرة كل بيت بحريني منذ الثلاثينات وحتى هذه اللحظة، فقد نبعت حولها ومن خلالها حياة كاملة لشعبنا الذي عاصر هموم تحديات التنمية والتطور ضد مجتمع تقليدي كان عليه أن يهجر البحر والغوص وفلاحة الأرض، ليعانق علاقات إنتاج رأسمالية تقوم على أساس العمل المأجور، ونمطاً من العلاقات مهما كانت مرهقة إلا أنها ظلّت الخطوة الأولى التي حطمت نظام السخرة والتخلف والعبودية، وبعثت في حياة الناس وعياً جديداً بذلك العالم المزدهر زمن الآلة والاكتشافات الكبرى، وقد كان النفط أحد أهم الإنجازات العظيمة التي ساهمت في نقل حضارة القرن العشرين نحو آفاق التقدم بسرعة مذهلة وبرخاء كبير في شتى مناحي الحياة، ويعتبر النفط أعظم انقلاب كوني، ويضاهي كل الاكتشافات الكبرى التي عرفها الإنسان منذ اكتشاف الفحم والطاقة والعلوم الميكانيكية وعلم البيولوجيا والفيزياء والجيولوجيا ونمو واتساع المدن الجديدة المزدانة بضجيج الأضواء والكهرباء، فبعد منتصف القرن العشرين غزا الإنسان الفضاء وقاع المحيطات واليابسة بحثاً عن كل جديد في عالم المعرفة المتواصل، وذلك في سباق مع الزمن المليء بالدهشة وبالانبهار.
لعلّ الإبحار السردي المبسّط في كون بابكو جميلاً، ويستفزّ الذاكرة وحنينها كلما لمسنا نبض الإيقاعات اليومية لحياة الكادحين وهم يتنفسون معاً ضمن علاقاتهم الإنسانية، ويشكّلون وحدة شعب عجنته الآلة الإنتاجية الجديدة في عالم الذهب الأسود.
ولأنني لست بصدد دراسة بحثية حول بابكو وتاريخها ودورها في نقل البحرين من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى، ومن وضع إلى وضع جديد في سلّم التقدم، وذلك كحدث انقلابي في حياة المجتمع البحريني نتج عنه ميلاد المارد الأسود، وإبرازه أوضاعاً مدهشة عجائبية تناسب بروز ظواهر جديدة في العقد الثالث من القرن العشرين، فلن أنبش في تقارير تلك المرحلة، وفي دفاتر الشركة لإحصاء عدد العمال والموظفين وجنسياتهم، وكم كانت أجورهم، وكيف كانت أنماط معيشتهم ومساكنهم، والقرى والأحياء التي قدموا منها، وأدوات ووسائل الإنتاج والمواصلات التي كانت متاحة لهم من مواقع العمل إلى مواقع السكن القريبة والبعيدة، وكيف تطورت وتوسعت بشكل تدريجي منشآت ذلك المارد، وتضخمت الأعداد البشرية مع نمو وتدفق الذهب الأسود من قاع الأرض إلى شرايين الحياة اليومية في جزيرة دلمون وخارجها، والذي وضع خارطة البحرين على الخارطة العالمية، بعد أن كان اللؤلؤ عنواناً لشهرتها في العقود السابقة لمرحلة ما قبل النفط.
ما أقوم به هو محاولة تطعيم الكتاب بروح المعلومة البحثية مع نوع من السرد الأدبي المرتهن بذاكرة شعبي محفورة في كل بيت بحريني منح لآلهة ولمعبد بابكو الذهبي الجميل ابناً باراً لذلك الكدح الإنساني، كي يصبح قرباناً للإله النفطي الجديد في المنطقة قبل أي بلد خليجي آخر.
نبوءة النبهاني وحلم هولمز
يبدأ الباحث بدر عبدالملك كتابه بنبوءة النبهاني وحلم هولمز بأن العلامة الشيخ خليفة بن حمد النبهاني أشار في كتابه (التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة) في بابين من الكتاب إلى مفردة النفط، وهما باب المعادن وقال: يوجد في البحرين معدن الجص والنفط والقير عند جبل الدخان، وباب المدينة الرابعة الرفاع كتب فيه: ولم تخل أرض الصخير من المعادن لاسيما النفط والقير والجص عند قرب جبل الدخان. عرفت المنطقة العربية وفارس النفط منذ القدم، حيث كانت هناك ينابيع قار في مناطق مختلفة مثل مسجد سليمان في إيران وكركوك والموصل والبصرة بالعراق والبحرين والظهران، فقد استعمله السومريون كمادة لاصقة ومادة مانعة لتسرب المياه في استخداماتهم في صناعة السفن، كما قام السومريون بتقطير النفط أو الزفت والاستفادة من المقدرات الخفيفة في عملية الإضاءة، أما في البحرين فكان القار يجلب من عين القارة التي تقع جنوب البحرين غربي شجرة الحياة بما يقرب ميل ونصف الميل. واستخدم الدلمونيون القار الذي يجلب من عين القارة كمادة مانعة للتسرب.
وإذا كان النبهاني قد تنبأ بوجود النفط فإن النيوزلندي فرانك هولمز هو الذي اكتشف النفط، ولأن الشيخ حمد بن عيسى بن علي كان مهتماً بتوفير المياه لشعبه في كل مناطق البحرين، تم حفر أول بئر للماء بكلفة قدرها 15 ألف دولار للبئر الواحدة. و في 1926م تم حفر سبع وسبع للمنامة وفي نهاية 1928 بلغت 55 بئرا.
يقول الباحث. ستبقى شخصية هولمز الهولندي موزع المياه الحلوة على بيوت البحرين ومكتشف النفط شخصية حيوية في ذاكرة التاريخ البحريني المعاصر، بسبب ما حققه من إنجاز عظيم لعب دوراً كبيراً في مسارها الحضاري والتنموي
14 آنه هندية أجرة العامل بالبداية
كأن البحرين تلتقي قدرها، فما أن مرت البحرين بتجربة مؤلمة بعد اكتشاف اللؤلؤ الصناعي الياباني الذي طرد تجارة الغوص من مكانها المرموق وكسدت تجارته، حتى منحها الله النفط بديلاً على صبرها، يقول الباحث بدر عبدالملك. عندما اكتشف النفط هجر الكثير من البحارة عملهم في الغوص، وتسبب بأزمة للتجار ونقص العمل، خاصة وأن بابكو كانت تدفع للعامل البحريني أجر روبية واحدة في اليوم، فيما كان التجار يدفعون للبحريني 12 آنه وبعد تدخل الحكومة والمساومة وصل الطرفان التجار وبباكو وبحضور الحكومة بتسوية مرضية للأجر إلى 14 آنه وبهذا الموقف من الحكومة وبباكو يكون التجار هم الأسوأ في موقفهم من الغواصين وعمال بابكو الجدد.
بيت سكينر
ذكر عبد الملك شيئاً عن بيت سكينر بالنسبة لنا نحن الذين بدأنا الدراسة مع افتتاح مدرسة القضيبية للبنين عام 1954م وماذا يعني سيكسنر ومن يكون صاحب البيت. الأسئلة التي تسألها الباحث، تساءلتها أيضاً، وحاولت البحث عن سيكنر حتى فترة قريبة، وطلبت من إحدى موظفي العلاقات العامة في بابكو، إعطائي نبذة عن هذا البيت. ولكن كل جهودي انتهت بالفشل.
بدر عبدالملك أعطاني رداً بسيطاً على الأسئلة سألت، فعرفت منه
أن صاحب البيت الكبير الغامض هو إدوارد سكينر، الجيولوجي الأمريكي الذي وصل البحرين مع فريق عمل أمريكي مكون من أربعة أشخاص، بعثتهم شركة سوكال للحفر في أول مايو 1931. تسلم منصب الممثل التنفيذي المحلي لباكو في 14 سبتمبر 1933م، عاد إلى البحرين بعد 1937م وعاد إليها في أوائل الخمسينات كممثل مقيم للشركة وغادرها في منتصف 1957م حيث وافته المنية في العام نفسه.
صبية ابرنتيس
يقول الباحث بدر عبدالملك عن التعليم في بابكو إنه في المرحلة الأسبق كانت الشركة تقبل طلبة الصفين الرابع والخامس ابتدائي للعمل فيها، ولكنها صارت ترفع المرحلة الدراسية المقبولة لديها كلما تطور التعليم في البحرين، وكلما زاد عدد خريجي المرحلة الابتدائية، وهكذا تستبدل شروط قبول أولئك الصبية الذين لم تكن شوارب بعضهم قد خطت بقدر ما كانت زغباً ناعمة مرتسمة تحت أنوفهم، فمدرسة البرنتيس التي وضع أساسها في منتصف الخمسينات (1955م) أخذت تتطور تدريجياً حتى صارت رمزاً متقدماً للتدريب المهني مع شقيقتها في مركز التدريب المهني بباكو المتخصص في مجالات مختلفة عن ابرنتيس، مثل الإدارة المحاسبة والدراسات الصناعية.
واعتماداً إلى ما أشار عدد النجمة «9 يناير 1957م عن بعثة بابكو لإنجلترا، يقول الباحث عبدالملك:
ومن ثمار الأحداث السياسية في البحرين بعثت بابكو عام 1960م 14 بحرينياً من الشركة للدراسات الخاصة في بريطانيا وبتلك البعثة يكون العدد قد وصل إلى 46 شخصاً منذ أن بدأت الشركة في ابتعاث موظفيها عام 1956م
وبرى الباحث أن مدرسة إبرنتيس تشكل مدرستين في نفس الوقت، المدرسة الأولى مدرسة العمل والمهارات لمسارات التنمية والتحديث، والثانية مدرسة سياسية ونضالية منحت الحركة الوطنية خيرة أبنائها.
ولهذا نرى أن أغلب العناصر الوطنية خريجة شركة بابكو، عاشت معايشة حقيقية لما يعانيه العمال، تحت شروط لا تتوفر فيها السلامة، من هنا كانت المطالب الدائمة هي مطالب عمالية مهتمة كل الاهتمام، لما يريده العمل من ضمانات حياتية تتيح له إنتاج أفضل في العمل الذي يقوم. وهناك العديد من الأسماء الوطنية المؤثرة في مسار حركتنا الوطنية، منهم من رحلوا إلى العالم الآخر ومنهم مازال يتذكر أحلام الشباب في مجتمع أكثر حرية وأكثر عدالة, ومن هذه الأسماء التي يطرحها بدر عبدالملك، علي مدان وحسن نظام وإبراهيم ديتو وحسين القائد وعلي ربيعة وأحمد زينل وراشد القطان ومحمد بونفور ومحمد صالح الدلال وغيرهم.
بابكو صهرت الجميع في بوتقة الوطن
يقول بدر عبدالملك تحت هذا الباب «توحدت الطوائف وتداخلت الأعراق في منطقة السوق وفي موسم الغوص، إذا كان القرويون يأتون من قراهم لبيع منتجاتهم في الأسواق الشعبية، فيلتحمون مع السكان في علاقات البيع والشراء، ثم ينفصلون عن بعضهم عائدين إلى مناطق سكناهم وعيشهم بسلام، لتنعزل من جديد الطائفة أو العرق في الفيتو الخاص بكل واحد منهما، ومن خلال التلاحم الذي خلقه العمل الإنتاجي الجديد والمدارس الحكومية الوطنية التي أزاحت عالم الانغلاق المذهبي والقبلي وتشرذم مجتمع الطوائف، تم كسر هذا الفيتو التاريخي في البحرين، وقد توالت عملية الدمج في مناطق ومدن رئيسة من خلال الأندية الرياضية، ومن خلال نهوض المجتمع المدني الحديث، حيث إن الأحزاب الوطنية والقومية والماركسية كانت أول من صهر الطوائف البحرينية، وأعراقها داخل بوتقة العمل السياسي الوطني الموحد، وهناك وبشكل تلقائي تربعت أولوية الأهداف الوطنية على الأفق المذهبي والفكر العرقي الشوفيني».
سينما بابكو
يرى الباحث بدر عبدالملك أننا لو تأملنا في شريط الماضي فإننا سنجد أنه كان لدى بابكو نوعان من السينما «افتتحت دار سينما بابكو سنة 1937م»، إحداهما متحركة والأخرى ثابتة، ولكل واحدة منهما خاصيتها، فبالنسبة للأطفال الصغار من أمثالي حينها بدأ تعرفنا على السينما وجهازها السحري في المنامة والمحرق القرى البعيدة، عندما كانت إدارة المدرسة تطلب من الشركة عرض أفلامها فتخبر الطلاب عن أن شركة بابكو ستعرض في الليلة الفلانية فيلماً سينمائياً «وثائقياً»، فتدب في أرواحنا الصغيرة الأحلام والسعادة لأننا سنرى ذلك الجهاز وتلك الشاشة البيضاء القماشية المنصوبة في حوش مدرسة القضيبية، وقد مارست تلك السينما العجيبة ثقافتها الأولى، من خلال سينما بوابة سترة وسينما حي العمال بالرفاع إلى جانب مسرح وسينما الوالي في بابكو والسينما المتنقلة والتي سيكون خليفة شاهين ابن المحرق القادم من أزقتها كأول بحريني في الشركة يحملها على كتفه ويقوم بتشغيلها في الساحات عبر سيارة الفان وهو يتجول في كل يوم من أيام الأسبوع في قرى ومدارس وأحياء البحرين وأنديتها ضمن برنامج سينمائي تعليمي لينشر ثقافة عالم السينما كجزء من حلم يكتمل حتى الآن.
ستارة لم تسدل
في نهاية كتابه الممتع والثري بالمعلومات التاريخية والتساؤلات العميقة التي يطرحها، يقول الباحث بدر عبد الملك إن سيمفونية بابكو لحن لم يكتب، لكن إيقاعاته ظلت في الروح والوجدان، فمشعل بابكو توارثه جيل بعد جيل، حيث تستمر الأنغام تصدح في فضاء الآلات، وفي القبعات البلاستكية البيضاء، وفي الملابس العمالية الملونة من دون توقف.
كل صفحة من صفحات الكتاب دعوة لأن يكتب كل واحد من الذين شاركوا في فترة من فترات حياتهم في أحد مجالات هذه الشركة المصدر لكل خيرات البحرين، وبالذات في التعليم ـ فمن خلال بابكو تطور التعليم وخطى خطوات جبارة للأمام.
ولابد لنا ونحن نختتم هذا الحديث السريع عن كتاب «بباكو.. سيمفونية البحرين الكبرى - 39» أن نشد على يد القائمين على نشر كتاب البحرين الثقافية الذين ساهموا ومازالوا يساهمون في رفد المكتبة البحرينية بمثل هذه الدرر، ونقول لهم بكل بحب إننا ننتظر الكثير من الكتابات التي تعرفنا على الأرض التي نسكن والشعب الذي نحيا في ظلال تجاربه الثرية وأحلامه التي لا تحدها حدود. إن كتاب «بابكو.. سيمفونية البحرين الكبرى» مرجع هام تحتاجه مكتبات البحرين ومكتبات الجامعات البحرينية وغير البحرينية وتحتاجه مكتبات المدارس والمعاهد. وتحتاجه مكتبة كل بيت، بل أقول يحتاجه كل بحريني. حتى يعرف كيف عزف أجداده العمال على آلات هذه السيمفونية العظيمة.