الشاعرة البحرينية جمانة عواضة في مجموعتها الأخيرة «ولعشقي.. فأل زليخا» تبدو كما وصفها ناقد أدبي تتجاوز مستوى الإيقاع الخارجي لتركز على شاعرية نصوصها.
لم تعط الشاعرة في المجموعة أسماء لقصائدها التي بلغت 85 قصيدة راوحت بين قصيرة جداً وقصيرة ومتوسطة وصدرت في 124 صفحة قصيرة القطع عن دار فراديس للنشر والتوزيع في مملكة البحرين. وحمل الكتاب لوحة غلاف للفنانة سيما باقي.
كلمة الإهداء تشكل شعراً يعطي فكرة عن توجه الشاعرة في قصائدها. تقول «وجدت أكثري ذا عشق وأحرقت الباقي مني في مجامر الحرف. الكتابة حياتي المواربة أحاول من خلالها أن أريح عقلي من رحى الدوران لأكتشف في النهاية أنني أطحنني أنا. أضفر من الحرف حبلاً ممدوداً أعلقه كالأرجوحة بيني وبيني. وبينما أروح وأجيء باحثة عني أحث الخطى نحوي».
أستاذ نقد الشعر الحديث المساعد في جامعة البحرين د.خليفة بن عربي كتب مقدمة قيمة للمجموعة حملت عنوان (مدارات الشعرية: الصورة والتجربة والفلسفة. قراءة في مجموعة «ولعشقي.. فأل زليخا» لجمانة عواضة).
قال بن عربي «كل لفظ نقل عن موضوعه فهو مجاز - بهذه العبارة المبتسرة يلخص عبدالقاهر الجرجاني الفكرة الرحبة لمفهوم الشعرية التي تكمن في طريقة انتقال لغة الكلام المحكي العادي إلى مستوى أرحب في التعبير دون حصرها في ما هو موزون مقفى إذ إن الوزن العروضي على أهميته ما هو إلا إطار شكلي لا يعطي النص قيمته الشعرية إذا خلا من اللغة الشعرية الثرية.
«إن هذه الشعرية هي ما نجده متأسياً في سياق المفهوم الإجرائي في المجموعة التي بين أيدينا «ولعشقي.. فأل زليخا» لجمانة عواضة والتي تجاوزت فيها مستوى الإيقاع الخارجي للنص لتركز على شاعريته وفنيته بالدرجة الأولى».
وختم بالقول «لقد حققت جمانة في مجموعتها تلك المتعة الفنية التي مزجت بين نزهة العقل والتأثير الوجداني فقد أحسنت في توخي الشاعرية بكل آلياتها اللغوية المتمثلة في الصورة المجنحة بل المبتكرة في أحايين كثيرة والمراوغة اللغوية كما استطاعت أن تلخص لنا فلسفتها الشعرية من خلال التعبير عن عمق التجربة وصدقها».
في القصيدة التي حملت الرقم الأول نجد تلك الرمزية القائمة على مجازات دائمة الحضور ليشكل ذلك قراءة متميزة وصوراً تتسم بقدر من الفرادة والخصوصية.
تقول الشاعرة «أفرش المساءات بالشوق إليك/ أتوسد وجهك/ أغفو-مع سبق الإصرار- متدثرة بالقبلة الأخيرة/ فيصفعني النوم بهستيريا الحنين/ أهرع إلى الفجر/ متسربلة بغلالة اللهفة/ أوقظه قبل الساعة الأولى/ أعاجل فيه الخيط الأبيض/ فينتحب مطراً شفيفاً يبللني».
وفي القصيدة التي تلتها نواجه السمات السالفة الذكر مع جو عشق يصل في نهايته على رغم قوته إلى ما يشبه حالاً تصوفية. تقول «ذات تهدج في ليلة عشق تعطلت أنفاسي/ فتحشرجت حنجرة الليل بصوتي/ ازدحمت الشرايين بنبض باذخ فتعرقل دمي/ لا يا قلبي أناشدك بتعويذة القلب/ لا تشهد ضدي ولا تقل زوراً/ فإن جوهر النور يصهرني.. يوحدني/ ويخرج بي مني/ فأتحرر من جسدي إلى كينونة/ بلا حدود..وأفق لا يدرك».
وفي قصيدة تالية نحصل على صورة مركبة حافلة بالإيحاء. تقول»بالأمس أتى الغد.. ورحلا سوياً/ ألملم بقايا اليوم في حقائب الفقد/ لا غادرني/ استحضر الغياب/ ها قد حل/ احتال عليه قليلاً/ أباغته لأعانقني بشدة وأقبلني كثيراً/ أعرف..سأشتاق لي».
وفي قصيدة أخرى تقول في حزن رومانسي طاغ «كالأساطير عمري/خرافة في قمقم من بللور/ اليأس ملح يومي/ قوت أحزاني/ الفرح خطيئة والحلم شعوذة/ والحب يستجدي/ فتات الإنسانية/ وفضلات الشعور».
وترسم صوراً تتسم بالحركية والإيحاء كما في قصيدة قصيرة تقول فيها «وكان القلب/ يجر طرف ردائه خيلاء/ إلى أن أسبل الحب عباءته/ فعثر».
وفي قصيدة قصيرة أخرى تفيض عاطفة موحية تقول «كل شيء من حولي يستكين/ إلا الذكرى/ تقرع أجراسها/ ونواقيس الحنين».
وفي قصيدة قصيرة أخرى تصور حالاً من التوحد مع المحبوب تقول «تبعثرني غيرة/ فأتعلق بأستار يقيني بك/ وبي أتشبث».
وفي المجموعة عدد من القصائد القصيرة جداً. نقرأ في إحداها «أرتشف ذاتي ببطء/ احتضرت بصوت مرتفع/ فقط لكي أتأكد أني/ على قيد الحياة».
وفي واحدة أخرى أقصر منها نقرأ قول الشاعرة «المرأة لا تقترف الخيانة/ هي فقط/ تثبت قدرتها عليها».
ونقرأ واحدة أخرى أقصر منهما تشكل صورة شعرية إذ تقول فيها «متسورة سياج قلبي/ إلى فضاء الروح».
وفي «قصيدة» قصيرة جداً هي بالفعل جملة حافلة بالمجاز تقول «مات الوقت على قارعة الانتظار».
وفي ما يذكر بالشعر العذري وبمجنون ليلى والطائر الذي يخفق فيصدره نقرأ للشاعرة في قصيدة أخرى شديدة القصر «لكنه ذاك النابض الصغير دون استئذان/ يخز صدري».