أكد حقوقيـــون ومحامـــون أن «المحكمـــة العربية لحقوق الإنسان» ستسهم في تطوير التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان في الدول الأعضاء، لافتين إلى أن القضايا التـــي ستنظرها المحكمة تختص بقضايـــا التعذيب والتمييز.
وقال الحقوقيون إن إقرار النظام الأساسي للمحكمة سيجيب على تساؤلات عدة ومنها آليات اختيار القضاة، لافتين إلى أن الإلزام الوحيد بالنسبة لقضايا حقوق الإنسان أدبي فقط.
وأضاف الحقوقيون أن بعض الدول قد ترفض الانضمام للمحكمة، لكن للأفراد والمؤسسات رفع دعاوى أمام المحكمة العربية، وللمواطن العربي اللجوء للمحكمة حال رفضت قضيته المحاكم داخل دولته، وعليه استنفاذ كافة مراحل التقاضي في دولته.
جاء ذلك خلال ندوة نظمتها وكالة أنباء البحرين حول المحكمة العربية لحقوق الإنسان، التي ستنشأ بناء على مقترح كريم من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى العام 2011، حيث تم خلال أعمال القمة العربية بالدوحة الموافقة على إنشاء المحكمة، فيما أقر خلال اجتماع لجامعة الدول العربية في سبتمبر 2013 إقرار احتضان «المنامة» لمقر المحكمة.
وطرحت الندوة مجموعة من المحاور حول قوانين المحكمة ونظامها الأساسي، والاختصاص القضائي للمحكمة، وإجراءات رفع الدعوى، وصلاحيات الأحكام الصادرة منها، ومدى إلزامية الأحكام الصادرة للدول الأعضاء، وآليات تنفيذها.
وألقت الندوة الضوء على المحاكم المماثلة وما جرى فيها من محاكمات، ومدى إسهام المحكمة في تعزيز حقوق الإنسان، ومهمة منظمات حقوق الإنسان في دعم المحكمة وحماية الشاكين.
دور مهم للمحكمة
وأوضـــح نائب رئيس المؤسسة الوطنيـــة لحقوق الإنسان ورئيس لجنة الشكاوى والرصد والمتابعة بالمؤسسة عبدالله الـــدرازي أن المحكمــــة العربيــة لحقـــوق الإنسان ليست المحكمة الإقليمية الأولى مــن نوعها حيث توجد المحكمة الأوروبيــة لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، والمحكمة الأفريقية في أروشا (تنزانيا)، والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، مشدداً على أن المحكمة عندما يعد نظامها الأساسي ستلعب دوراً مهماً في تعزيز حقوق الإنسان في المنطقة.
وفـــي رد على سؤال حول كيفية لجـــوء المواطنين في الدول العربية إلى هذه المحكمة أوضح الدرازي أنه يجب أن يكون في البداية التقاضي أمام القضاء المحلي داخل الدولة، وأنه في حال شعور المواطن العربي بالغبن أمام القضاء المحلي سواء في حال شعوره بأن الحكم لم ينصفه أو أن المحاكم المحلية لم تقبل قضيته من الأساس فسيكون باستطاعته اللجوء إلى محكمة العدل العربية، مشيراً إلى أنه تم حتى الآن إقامة نحو 12 ألف قضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وعن إمكان لجوء المواطن العربي إلى المحكمة حتى قبل انتهاء درجات التقاضي داخل دولته، بين الدرازي أنه إذا رفضت المحاكم قضيته فيستطيع اللجوء مباشرة إلى محكمة العدل العربية، كما يمكنه اللجوء إليها في حال شعوره بأن القضاء الوطني عبر مراحل التقاضي المختلفة وصولاً إلى محاكم «النقض أو التمييز» بمسمياتها المختلفة في الدول العربية لم تنصفه، مبيناً أن القضايا التي ستنظر فيها المحكمة العربية لحقوق الإنسان ستكون خاصة بقضايا التعذيب والتمييــز، وذلــك بحسب الاتفاقات الدولية المنصوص عليها في اتفاقات حقوق الإنسان.
حماية الحقوق
من جهته قال رئيس جمعية الحقوقيين البحرينية المحامي عبدالرحمن غنيم إن مبادرة جلالة الملك المفدى بإنشاء المحكمة ستعزز بشكل قطعي مجال حقوق الإنسان في الدول العربية والتي نحن في أمس الحاجة إليها خاصة في ظل الظروف التي تمر بها دول المنطقة. وعن صلاحيات المحكمة العربية لحقوق الإنسان قال غنيم إنه رغم أن التوقيت سابق لأوانه في الحديث عن صلاحيات المحكمة إلا أنها ستركز بشكل أساسي على حماية حقوق الإنسان المتعلقة بالمواطن العربي المنصوص عليها في الميثاق العربي لحقوق الإنسان أو في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وشدد على أهمية وجود قواعد وأسس تقوم على أساسها المحكمة العربية لحقوق الإنسان بأن تحدد طبيعة القضايا التي ستنظر بها، داعياً إلى الاستفادة من تجارب المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان مثل المحكمة الأوروبية والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان لاسيما في ما يتعلق بمدى إلزامية ونفاذ الحكم، مشيراً في هذا الصدد إلى عدم وجود نص في المحكمة الأوروبية أو الأمريكية يلزم الدول بتطبيق الحكم الصادر منها بطريقة «جبرية» غير أن تنفيذ تلك الأحكام يتم بطريقة «أدبية» بناء على احترام الدول لميثاق حقوق الإنسان.
ودعا غنيم إلى أن يكون هناك نص صريح يلزم الدول التي يصدر عليها أحكام من المحكمة العربية لحقوق الإنسان بأن تنفذ هذه الأحكام كما تنفذ أحكامها الصادرة من محاكم وطنية حتى يكون هناك إلزام حقيقي فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام، ولا يترك ذلك كما هو الحال في المحكمة الأوروبية أو الأمريكية لحقوق الإنسان.
دفعة خليجية
من جانبه أشاد الحقوقي والمحامي الأستاذ فريد غازي عضو مجلس النواب السابق بإقرار إنشاء محكمة حقوق الإنسان العربية والتي جاءت نتيجة مبادرة واقتراح من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، مشيراً إلى أن استضافة المنامة لمقر هذه المحكمة سيعطي دفعة في الوطن العربي بشكل عام ومملكة البحرين بشكل خاص في مجال حقوق الإنسان.
ودعا إلى أهمية الاقتداء بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة عن محكمة حقوق الإنسان العربية، مشيراً إلى أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان لم تعرض عليها بعد أية قضايا، كما إن عدد القضايا المعروضة على المحكمة الأمريكية قليل مقارنة بعدد القضايا المعروضة على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ونوه إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تلزم بدفع تعويضات للمتضررين من قضايا التعذيب، والوفاة نتيجة التعذيب وقد تم صرف هذه التعويضات لمستحقيها، كما إن لها وظيفة أخرى مهمة وهي إعطاء رأي استشاري للدول الأوروبية في مجال حقوق الإنسان، وهو ما ينبغي أن يكون من بين مهام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وطالب بأن تلتزم هذه المحكمة بميثاق جامعة الدول العربية، سواء عن طريق توقيع الدول العربية على بروتوكول خاص تلتزم به هذه الدول في مجال حقوق الإنسان، وكذلك الالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والعهد الدولي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأوضح أنه من المنتظر أن تكون هناك عدة آليات ومنها آلية اختيار قضاة المحكمة العربية لحقوق الإنسان والتي يجب أن يتفق عليها، مشيراً في هذا الصدد أن اختيار 47 قضية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يأتي بالانتخاب من الجنسين.
ورداً على سؤال حول إلزامية الأحكام الصادرة عن المحكمة العربية لحقوق الإنسان على الدول العربية الأعضاء بها، قال المحامي فريد غازي إنها تتعلق بشكل مباشر بالاختصاص، مضيفاً أن المبادئ العامة تفيد بأنه على المتقاضي أن يستنفذ جميع مراحل التقاضي في دولته حتى يرفع دعوى أمام المحكمة العربية، ما يتطلب تحديد كيف تقبل الدعوى من الناحية الشكلية، وهل ستقبل بشكل مباشر من الأفراد، أو من خلال المؤسسات المعتمدة العاملة في مجال حقوق الإنسان.
ونوه إلى وجود إشكالية أخرى وهى تحديد مدى صلاحية الدعوى المرفوعة إلى المحكمة العربية لحقوق الإنسان بأن تقبل في المحكمة أو لا تقبل من الأساس، مبيناً أنه في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هناك لجنة مختصة بالنظر في القضايا قبل عرضها على المحكمة.
الحق للأفراد والجماعات
وعن التصورات حول كيفية رفع الدعوى أمام المحكمة العربية لحقوق الإنسان أوضح الحقوقي عبدالله الدرازي أنه سيكون الحق للأفراد والمؤسسات برفع دعاوى أمام المحكمة العربية، مشيراً في هذا الصدد إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تتلقى القضايا من ثلاث مصادر وهي مجلس الأمن، أو الادعاء العام، أو عن طريق فرد مباشرة أو مؤسسة تقدم عنه دعواه ثم تقرر المحكمة أن تنظرها.
ودعا الدرازي إلى ضرورة توفير الحماية سواء للمشتكي أو الشهود في القضايا التي ستنظر أمام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، مبيناً أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وكذلك المحكمة الأمريكية لديهما جهاز خاص لحماية الشهود، وأوضح أن التحديات التي تواجه المحكمة هي نوعية القضايا وقبولها وتحديد القضاة وحماية الشهود.
لجنة تابعة
من جهته أكد المحامي عبدالرحمن غنيم أن مبادرة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى بإنشاء المحكمة تأتي في المقام الأول للمحافظة على حقوق المواطن العربي، مضيفاً أنه لا توجد دول تتضرر من حقوق الإنسان بينما المتضرر هو المواطن، ودعا إلى تشكيل لجنة تابعة للمحكمة العربية لحقوق الإنسان لتلقي الشكاوى المقدمة ودراسة طبيعتها وأدلتها للبت فيها قبل نظر هذه الدعاوى أمام المحكمة.
واختلف غنيم في الرأي مع غازي بشأن ربط رفع الدعاوى أمام محكمة حقوق الإنسان العربية باستنفاذ جميع درجات التقاضي المحلية داخل الدول العربية حتى لا يصبح ذلك عائقاً شديداً أمام المتقاضي.
وحول شكل وطبيعة القوانين التي ستستند عليها المحكمة العربية لحقوق الإنسان لفت المحامي فريد غازي إلى أنه يجب في المقام الأول إقرار النظام الأساسي للمحكمة والذي سيحتوي على إجابات للكثير من التساؤلات حول آلية العمل داخل المحكمة، مشيراً إلى طبيعة المحاكم المعنية بحقوق الإنسان التي تطبق المواثيق الدولية والبروتوكولات المتفق عليها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
العقوبة دفع تعويضات
وعن طبيعة العقوبات التي ستصدرها المحكمة العربية لحقوق الإنسان أوضح الدرازي أن العقوبات التي يتم إصدارها من محاكم حقوق الإنسان الإقليمية تكون في الأساس عبارة عن دفع تعويضات، مشيراً إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قامت بالبت في نحو 11 ألف قضية كانت الغالبية منها دفع تعويضات، فيما دعا إلى فرض إلزامية التعويضات الذي ستحكم بها المحكمة العربية. وبين الدرازي أن القضايا التي تقدم أمام المحاكم الإقليمية لا تكون من فرد ضد فرد آخر بل تكون مرفوعة ضد دولة أو إحدى مؤسساتها، أو شخص مسؤول في هذه الدولة، مشيراً إلى أهمية إقرار «نظام المنامة» الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان.
وعن العقوبات «الأدبية والمعنوية» على الدول التي تنتهك حقوق بعض مواطنيها قال غنيم إن التقرير الذي سيصدر من المحكمة العربية لحقوق الإنسان بإدانة هذه الانتهاكات وصدور أحكام بحقها يعتبر في حد ذاته عقوبة شديدة ، مضيفاً بأن رفع الدعاوى أمام المحكمة لا يستهدف مجرد التعويض المادي لصاحبها، بل الحفاظ على كرامة الإنسان، فيما لفت عبدالله الدرازي إلى أن الدول الغربية عادة ما تسارع بحل القضايا المرفوعة ضدها قبل أن تبدأ إجراءات التقاضي.
وأشار الدرازي إلى أن عملية اختيار القضاة ستكون من ضمن بنود النظام الأساسي الذي سيوضع للمحكمة وكذلك ما يتوافق عليه الدول الأعضاء المنضمين للمحكمة، ولفت إلى احتمالية رفض بعض الدول للانضمام للمحكمة، وقال إن مهمة منظمات حقوق الإنسان في تلك الدول الضغط على حكوماتها للانضمام.
أثر كبير
وأوضح المحامي فريد غازي أن المحكمة ستسهم بحماية حقوق الإنسان، وتطوير التشريعات في الدول الأعضاء الخاصة بحقوق الإنسان، وأكد أن كل الدول ستنضم إلى المحكمة بل وستسارع للانضمام وتحاول حل القضايا المفترضة قبل أن تصل إلى محكمة حقوق الإنسان، وطالب بالبحث عن الآليات لتفعيل المحكمة لأن هدفها ساميا ونبيلا، وقال إن الدعوة عندما انطلقت من قبل جلالة الملك المفدى سبقتها سلسلة من التجارب كان أبرزها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق والتي عملت بحرية تامة للوصول إلى الحقائق، وكانت منطلقاً لفكرة المحكمة العربية لحقوق الإنسان.
وحول استقلالية القضاة في المحكمة قال المحامي عبدالرحمن غنيم إنه من المفترض في القضاء بصفة عامة استقلاليته فضلاً عن الأحكام الصادرة من المحكمة العربية لحقوق الإنسان أنها ستكون محط أنظار ومتابعة عالمية وليست عربية فقط ، كما لفت غنيم إلى انتهاكات حقوق الإنسان في العراق خلال الغزو الأمريكي والذي لا يمكن للمواطن العراقي تقديم شكوى أمام المحكمة الأمريكية أو الأوروبية كونه ليس من أعضاء دولها، بينما سيتمكن الآن ومن خلال المحكمة العربية لحقوق الإنسان أن يقدم شكواه، خاصة وأن دعاوى التعذيب لا تسقط بالتقادم، ونوه الدرازي إلى أن الشكوى لإقامتها يجب أن تكون الدولة عضواً في المحكمة أو أن تقع الجريمة على أرضها من قبل دولة أخرى ليست عضواً وهو ما حدث في العراق كمثال.
إلزام أدبي
وأكـــد الحقوقي عبدالله الدرازي أن الإلـــزام الوحيد بالنسبة لقضايا حقوق الإنسان هو إلزام أدبي فقط، إلا ما جاء في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فيما دعا الحقوقي والمحامي عبدالرحمن غنيم إلى إدراج نص يلزم بتنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة العربية لحقوق الإنسان كإلزامية الأحكام الوطنية لكل دولة.
وحول تقديم الدعوى والبحث عن الدليل والمنوط به في المحاكم الوطنية الادعاء العام قال المحامي والحقوقي فريد غازي أن البحرين استفادت من إدارة الدعوى بالنسبة للقضايا العمالية أو إدارة المنازعات التجارية، أما في حالة الشق الجنائي فإنه يتوجب إنشاء جهاز معاون للمحكمة يستطيع أن ينظر ويبحث في تقديم الأدلة للمحكمة، أو تنتدب المحكمة أحد قضاتها في هذا الشأن، وهنا تبرز أهمية استنفاذ درجات التقاضي بالنسبة للدعاوى أمام القضاء الطبيعي.
وأوضح الحقوقي عبدالله الدرازي دور المؤسسات الحقوقية في متابعة القضايا الخاصة بحقوق الإنسان، والأفكار المطروحة والخاصة بضرورة إنشاء قسم خاص لجمع الأدلة وإجراء التحقيقات وأن تسمح الدول الأعضاء لأعضاء القسم بحرية التنقل والبحث والتحري، وكذلك حرية التنقل للشاكين بحيث يسمح لهم بالدخول إلى الدولة التي بها المحكمة، أو أن يتم إنشاء مكاتب للمحكمة في الدول الأعضاء لتقديم الشكوى، وأن يدرج كل ذلك ضمن النظام الأساسي للمحكمة، كما اقترح أن يتم إنشاء مفوضية عربية لحقوق الإنسان لمتابعة الأحكام الصادرة من المحكمة وإصدار تقارير بشأنها وأن يكون هناك مفوض عربي لمتابعة إجراءات المحكمة والأحكام الصادرة عنها وتطبيق المعايير.