كتب - أمين صالح: لا يزال كلود ليلوش، المخرج الفرنسي، يتذكر الرأي النقدي السلبي، القاسي جداً، الذي نشرته المجلة الفرنسية الشهيرة «كاييه دو سينما» (دفاتر السينما) عن فيلمه الأول «حق الرجل» The Right of Man أو Le Propre de l'Homme الذي حققه في العام 1960، ومثل فيه، وكان آنذاك في الثانية والعشرين من العمر. عن شاب وفتاة يقضيان يوماً ربيعياً في جولة حول باريس.هذا النقد خلق لديه إحساساً بالانقباض والكآبة، والذي تضاعف مع فشل الفيلم جماهيرياً. وقد أدى به هذا الفشل إلى تدمير كل نسخ الفيلم حتى السالبة.بعدها قدم أربعة أفلام لم تحقق نجاحاً أيضاً، لكن مع فيلمه الرومانسي الشهير «رجل وامرأة» A Man and A woman أو Un Homme et Une Femme (1966)، عن قصة حب دافئة بين أرملة شابة (أنوك إيميه) وبطل في سباق السيارات (جان لوي ترينتينان).. تذوق ليلوش طعم النجاح الساحق، جماهيريا، حيث كان واحداً من أكثر الأفلام نجاحاً في تاريخ السينما الفرنسية.. وفنياً، حيث فاز الفيلم بالجائزة الكبرى في مهرجان كان مناصفة مع الفيلم الإيطالي «سيداتي وسادتي» للمخرج بيترو جيرمي، وفاز بجائزتي أوسكار كأفضل فيلم أجنبي وأفضل سيناريو، وعرض في الصالات الأمريكية لأكثر من عامين. وصار ليلوش واحداً من أكثر المخرجين شعبية..لقد حقق فيلمه «رجل وامرأة» في فترة صعبة وعصيبة من حياته.. يقول ليلوش: «وقتها أعطيت نفسي، كصانع فيلم، الفرصة الأخيرة، لأن كل أفلامي السابقة فشلت تجارياً. لو لم ينجح هذا الفيلم لتوقفت ربما نهائياً عن إخراج الأفلام».وفي حديثه عن بطل فيلمه جان لوي ترينتينان يقول ليلوش:«أعتقد أن جان لوي هو الممثل الذي علمني كيف أدير الممثلين. نحن حقاً وهبنا بعضنا البعض الكثير. هو غير منهجه أو طريقته في التمثيل أثناء عمله معي، وأنا بدأت أفهم حقاً ما تعنيه إدارة الممثلين أثناء عملي معه. أظن أن العلاقة بين المخرج والممثل هي ذاتها العلاقة بين الرجل والمرأة وهما يعيشان قصة حب. لا يمكنك كمخرج أن تدير ممثلاً إذا لا تكن له أو لها الحب. والممثل بدوره لا يستطيع أن يؤدي جيداً إذا لم يشعر تجاهك بالحب. نحن لا نستطيع أن نمنح شيئاً إلا إذا كنا في حالة حب حقيقي. إنه نتيجة سخاء عظيم. والمرء لا يكون سخياً إلا إذا كان يعيش تجربة حب. لذلك أعتقد أنني عشت هذا النوع من علاقات الحب مع جميع الممثلين الذين عملوا معي.. رجالاً ونساءً». ولد ليلوش في باريس، 30 أكتوبر 1937. بعد أن عاش تجربة مرعبة في طفولته، تحت الاحتلال الألماني لفرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية..يقول ليلوش: «أنا وأمي، خلال الحرب، نجونا من موت محقق. مثل هذه التجربة سمحت لي بأن أقدر الأشياء بطريقة أفضل قليلاً من أي شخص آخر. بعدها شعرت بأنني أعيش في الوقت المستعار».عن خلفيته وطفولته.. يقول: «أبي كان صاحب متجر. كان يصنع الوسائد. علاوة على ذلك، هو كان مصوراً هاوياً. هو صور ولادتي بكاميرا صغيرة جداً.. لذا فإن أول فيلم شاهدته هو صورتي يوم مولدي. أبي وأمي التقيا لأول مرة في صالة سينما. بعد ثلاثين سنة استلما، بالنيابة عني، جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن (رجل وامرأة)، أليس هذا مدهشاً؟ عندما كانت أمي حبلى بي، كانت تذهب لمشاهدة الأفلام كل يوم، ولمدة تسعة شهور. لذلك كنت أستمع إلى كل تلك الأفلام وأنا في الرحم. وخلال فترة الحرب، كانت أمي تأخذني إلى صالات السينما لنختبئ هناك. عندما بلغت العاشرة، أعطاني والدي كاميرته القديمة، ومنذ ذلك الوقت، بدأت في صنع الأفلام».لقد نجا ليلوش من محنة الحرب ليدمن بشكل مسعور، كطفل ومراهق، على مشاهدة الأفلام، حتى أنه كان يتغيب عن المدرسة ليرتاد صالة السينما.يقول: «كان هناك العديد من الأفلام التي عززت عشقي للسينما، أذكر بالأخص فيلم (سنو وايت).. كان الفيلم الأول الذي أثر في وهزني بعمق، عندما ماتت البطلة. بعدها، أدركت قوة السينما. لم أذهب إلى المدرسة، كنت أذهب إلى صالات السينما كل يوم. كنت أتعرض للطرد من مختلف المدارس التي وضعوني فيها». في منتصف الخمسينيات، حقق أول أفلامه الوثائقية القصيرة. في العام 1960 أسس شركة إنتاج خاصة حيث أنتج العديد من الأفلام الموسيقية القصيرة.في مسيرته، أخرج حوالي 49 فيلماً درامياً طويلاً. أفلامه تعالج، في إطار رومانسي أو إثاري بوليسي، العلاقات بين الجنس والجريمة أو الجنس والسياسة، متبعاً في أسلوبه الخط السردي المباشر.على الرغم من ازدهار حركة الموجة الجديدة في السينما الفرنسية أوان اشتغال ليلوش بالسينما إلا أنه نأى بنفسه وبأفلامه من هذه الحركة، متخذاً موقفاً سلبياً إن لم يكن عدائياً منها.. وعنها يقول ساخراً: «لا أعتبر نفسي جزءاً من هذه الموجة. في الواقع، يتعين علي أن أعترف بأنني مدين بالكثير للموجة الجديدة، فقد عرضت لي كل ما لا أرغب في فعله. أنا لا أحب الأفلام الطنانة، المفرطة في الادعاء.. وأفلام الموجة هي كذلك».