أكد شيوخ وعلماء دين أن «دعوة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما هدفها وحدة المسلمين وبناء المجتمعات والأوطان بنبذ الكراهية والبغضاء والأحقاد»، موضحين أن «الإمام الحسين يريد القلوب البيضاء وليس اللافتات السوداء، فالإمام الحسين لا يريد أكفاً تلطم الصدور، وإنما يريد أكفاً تتصافح، ونفوساً تتسامح، وصفوفاً تتوحد».
وذكروا أن «الإيمان بقضاء الله وقدره والاحتساب عند المولى والصبر على البلاء والمحن والشدائد من أهم الدروس المستفادة في ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين»، لافتين إلى أن «المنهج فيما حدث ما قاله الله الحق سبحانه وتعالى: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون».
من جهته، قال سماحة العلامة السيد علي الأمين إن «من يريد أن يتبع الإمام الحسين عليه أن يحمل الأهداف التي انطلق من أجلها، وهي الإصلاح في الأمة، وأن يرفض الظلم والجور والعدوان، وأن يحقق العدالة، في مجتمعه وشعبه، وفي وطنه، وأن يحقق تلك القيم، التي انطلق من أجلها الإمام الحسين، فهو يريد القلوب البيضاء وليس اللافتات السوداء».
وتساءل العلامة علي الأمين «ما الجدوى في أن يرتدي الإنسان الزي الأسود لكي يتقرب من الحسين رضي الله عنه، وهو لا يسلم على جاره وابن طائفته لكونه يختلف معه سياسياً؟»، مضيفاً أن «الإمام الحسين يريد للأمة الإسلامية أن تتوحد من أجل الأهداف التي انطلق من أجلها، فلا يريد الإمام الحسين أكفاً تلطم الصدور، وإنما يريد أكفاً تتصافح ونفوساً تتسامح، وصفوفاً تتوحد، فلا يمكننا أن نبني مجتمعاً ووطناً من خلال الكراهية والبغضاء والأحقاد، ولا يمكننا أن نصنع هذا المجتمع وهذا الوطن إلا بقواعد المحبة التي تشكل البذرة الصالحة لتحقيق العدالة في هذا الوطن».
سيدا شباب الجنة
من جانبه، قال الشيخ خالد السعدون إن «الحسين بن علي رضي الله عنهما هو حسيننا، فلتأتنا الأمم بمثله، فهو الحسين بن علي بن أبي طالب، وأبوه منارة الإسلام في زمانه، وأمارة الإيمان عند أصحابه، كما صح بذلك الخبر عن خير الأنام صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلمٌ في صحيحه عن علي أنه قال مفتخراً -وحق لابن أبي طالب أن يفتخر- قال: «والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي، أن لا يحبني إلا مؤمنٌ، ولا يبغضني إلا منافق».
وتابع الشيخ السعدون فالوالد عليٌ، سيد الأنبياء قد رباه، فكان وأصحابه وإياه: «كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار»، فالناس في ابني العم اثنان، محبٌ يسر بما يسمع منهما أو يراه، وآخر جاحدٌ يغيضه خيرهما وذكراه، ومن فضل علي أن الله قد زكاه، حين قال رسوله صلى الله عليه وسلم فيه يوم خيبر بأنه: «يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، وأما أمه، فهي كما قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما عرفها أبوها المصطفى «فاطمة بضعةٌ مني، فمن أغضبها أغضبني». وأضاف الشيخ السعدون فحسب الحسين فخراً أن كانت له فاطمة أماً، فهي سيدة نساء أهل الجنة، وسيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء هذه الأمة، فعند البخاري ومسلم عن عائشة وهي تنقل بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة، حين قال لها: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين» وفي رواية لهما: «سيدة نساء هذه الأمة، وأما جده فما جده؟! فهو سيد الأنبياء والمرسلين، والحسين سبطه، بل هو ريحانته، وكذا أخوه ريحانةٌ مثله»، وروى البخاري عن ابن أبي نعم، قال: «كنت شاهداً لابن عمر، وسأله رجلٌ عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق! قال: انظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا». وقد دعا لهما في حديث آخر فقال: «اللهم إني أحبهما فأحبهما».
وقال الشيخ السعدون فحبٌ في الأرض قد وافق حباً في السماء فآتى أكله، فصار السبطان سادةً لجنان لا موت فيها ولا شقاء، وذاك وحي السنة وحكمه: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خيرٌ منهما».
استشهاد الحسين
وتحـــدث الشــيخ السعـــــدون عــن استشهاد الحسين قائلاً «قد تقدم في حديث ابن عمر آنفاً أن أهل العراق هم الذين قتلوا حسيناً رضي الله عنه، فبعد ما كاتبوه وبايعوه، فلما جاءهم على أعقابهم نكصوا وعنه تفرقوا، ولعهودهم نكثوا، وبأهل بيته معه غدروا فقتلوا، وإنا لله وإنا إليه راجعون».
واستشهد الشيخ السعدون بما ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية «وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق يطلبون منه أن يقدم إليهم ليبايعوه بالخلافة، وكثر تواتر الكتب عليه من العامة ومن ابن عمه مسلم بن عقيل، فلما ظهر على ذلك عبيدالله بن زياد نائب العراق ليزيد بن معاوية، فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق، ولم يشعر بما وقع، فتحمل بأهله ومن أطاعه، وقد نهاه عن ذلك جماعةٌ من الصحابة، منهم أبو سعيد، وجابرٌ، وابن عباس، وابن عمر»، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده، قال: سمعت الشعبي يقول: «كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، قال: أين تريد؟ قال: العراق ومعه طوامير وكتبٌ، فقال: لا تأتهم، فأبى وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل».
ثم قال رحمه الله: «فالتقوا بمكان يقال له كربلاء بالطف، وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث: إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده في يده، فيحكم فيه بما شاء، فأبوا عليه واحدةً منهن، وقالوا: لابد من قدومك على عبيدالله بن زياد فيرى فيك رأيه، فأبى أن يقدم عليه أبداً، وقاتلهم دون ذلك».
وذكر الشيخ السعدون أن «ممن استشهد مع الحسين بن علي في معركته أبو بكر بن علي بن أبي طالب، وعمر بن علي بن أبي طالب، وعثمان بن علي بن أبي طالب، «وهؤلاء هم إخوة الحسين رضي الله عنهم أجمعين»، وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وعمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، «وهذان أبناء الحسن رضي الله عنهم أجمعين، والملاحظ أن أهل بيت النبوة، يحيون حبهم للصحابة بتسمية أبنائهم بأسماء وزراء أبيهم صلى الله عليه وسلم».
ورأى الشيخ السعدون أن المبدأ حين تذكر تلك المصيبة والرزية، فيما يقوله الحق سبحانه وتعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون)، فالمنهج في هذه المصيبة، هو أن نسترجع قائلين: «إنا لله وإنا إليه راجعون» ليتحصل لنا وعد ربنا: «أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون»، ثم نتذكر ما هو أعظم منها، وهو وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي أعظم المصائب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب عنده».
وتطرق الشيخ السعدون لعقيدة أهل السنة والجماعة في مقتل الحسين، موضحاً أن «أجمل ما يجليها للناس هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حين قال في مجموع الفتاوى: (وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)، وأما العبرة من هذه الذكرى، فهي أن الذي رفع الحسين هو صدقه وإخلاصه، وجهاده في سبيل الله، فقد سأل الجهاد في سبيل الله آخر حياته».
وبشأن كيفية إثبات حبنا للحسين رضي الله عنه، فهذا لا يكون بالكلام، وإنما بالسير على أثره، وآثار آبائه وأجداده، والاقتداء به، ذلكم بأن الحسين ما صار حسيناً، وكذا من قبل الحسن ما صار حسناً، بل قل وعلي وفاطمة، ومعهم سيد البشر، ما صاروا كما صاروا إلا بالعمل، وصدق الله حين أرشد نبيه معلماً، بعد إذ ذكر أنبيائه ورسله، فقال: «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين»، وأيضاً فإن الله عز وجل قد بين شرط المحبة في كتابه الكريم، فقال: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيمٌ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين»، فالصادق في حبه لأولئك الكبار في أنفسهم، الكرام في خلقهم، العظام في عبوديتهم لله ربهم، عليه بآثارهم ينجو، وفي الدرجات عند الله يسمو.