كتبت ـ زينب أحمد:فتاة عانس فقدت الأمل بشريك العمر، وثانية متزوجة قاربت سن اليأس ولم تهدهد طفلاً بين يديها، وثالثة تخشى أن يهجرها زوجها ويقترن بأخرى أصبى وأجمل..اجتمعن مع كثير نساء اخريات في مشاكل الحياة، وأختلفن في مستوى الإيمان بالله وتصاريف الزرق للعباد.. لجأن إلى الشعوذة والدجل، في محاولة يائسة لـ «فك النحس وتحسين الطالع»،. علقن الخرزات الزرق، ربطن خيوطاً خضراء على معاصمهن، نذرن النذور وقدمن القرابين.يلجأن مدفوعات بقلة الحيلة إلى عدة وسائل، بينها قراءة الفنجان التي انتشرت مؤخرا كعادة دخيلة على المجتمع البحريني.ويقول علماء النفس إن «الغيب حالة طبيعية تعيشها المرأة يومياً، وهذه حالة نفسية مؤلمة لأنها لا تعرف متى ومن أين ستأتيها المشكلة، وعدم معرفة الخطر الآتي يزيد القلق ومع القلق يقل التفكير العقلاني».وأضافوا أن «هذه القراءات تتعلق بصفة نفسية في سرعة التصديق واستهواء الشيء، أو وجود أمل في حدوث شيء أو هاجس لا يشبعه إلى تأكيده من خلال قراءات غيبية يفترض للمسلم أن لا يصدق أن أحداً يقدرها إلا الله».وأشاروا إلى أن علم النفس لم يفسر حتى الآن قدرات هؤلاء الأشخاص وحتى الباراسيكولوجي لم يصل إلى براهين علمية لتمتع بعض الناس بالظواهر الخارقة «على سبيل المثال يصاب الرجل بآلام في بطنه وتقلصات عند ولادة زوجته التي تضع مولودها في بلد آخر، ماهو الاتصال بينهما؟فيما يبرز الرأي الشرعي في هذه المسألة بوضوح وصراحة، في الحديث «من أتى كاهناً فصدقه كفر بما أنزل على محمد». والقول المشهور «كذب المنجمون ولو صدقوا»طلاق الزوجة «م . ع» امرأة متزوجة (36 سنة)، بدأت تشك في زوجها أنه على علاقة بأخرى، فهو يصل البيت متأخراً دوماً، وأحياناً يضطر للسفر المفاجئ بحجة عمل طارئ، لكن هذه الأمور زرعت الشك والوسواس في قلبها.صديقتها نصحتها باللجوء إلى قارئ فنجان، اتصلت به وضربت موعداً «طرت من الفرحة لربما هي الطريقة الوحيدة لتعقب زوجي ومعرفة سكناته وحركاته».وبعد مرور الأيام والشهور كانت على اتصال دائم مع قارئ الفنجان «حتى قراراتي لا أستطيع اتخاذها إلا بمساعدته، ولكن بالمقابل ازدادت طلباته وارتفعت أسعاره بحجة أن مشكلة زوجي معقدة، ويحتاج الأمر إلى كثير من النقود لتصنيع الأدوية والمعوذات وما شابه من أمور، ما اضطرني لبيع مجوهراتي وسرقة نقود ومجوهرات والدتي والاستدانة من زميلاتي». قارئ الفنجان أخبرها في نهاية القصة أن زوجها على علاقة بفتاة أخرى، وهو يرزح تحت تأثير السحر المعمول له «كل يوم يزداد تعلقه بها، ما يضطره أحياناً دون أسباب مبررة، أن يفتعل المشاكل معي ويتركني ويخرج من المنزل ويذهب إليها».صعقت الزوجة من الخبر وأصيبت بنوبات من الجنون والشك وازدادت حياتها تعقيداً واضطراباً «في كل يوم يمر وأنا تتنازعني الشكوك، وكل جلسة يعطيني القارئ الفنجان بخوراً وأوراقاً مكتوباً عليها رموزاً وأشكالاً وطلاسم، بحجة أنها أدعية قرآنية تخلص زوجي من السحر ويبطل مفعوله، وينصحني بوضعها تحت وسادته وتبخير ملابسه كل يوم وأحياناً مزجها بالماء كي يشربها».وتضيف «في إحدى المرات نسيت الأوراق مرمية في خزانة الملابس فرآها زوجي صدفة، فاشتدت مشاجرة بيننا انتهت بالطلاق، وعرفت أمي بموضوع المجوهرات وازدادت الديون المتراكمة علي، وها أنا اليوم وحيدة مطلقة مسجونة بسبب خزعبلات لا تمت للحقيقة بصلة». قراءة الأوهامتعرف قراءة فنجان القهوة باسم «تاسيوغرافي»، ولهذا «الفن» جذور قديمة جداً، بدأ في الصين بقراءة أوراق الشاي، ومارسها حتى رجال الدين، وانتقل إلى الشرق الأوسط، حيث حلت القهوة بدلاً من الشاي.ليلى الزوجة والموظفة والأم (25 سنة) تقول إنها قرأت الفنجان مرة واحدة في حياتها، عندما كانت تعاني مشاكل عائلية وزوجية دفعتها للحصول على أية معلومة علها تساعدها في التغلب على حيرتها «كنت أشك في أمر ما يخص زوجي، وودت التأكد من كونه متزوجاً من أخرى أم لا». وتضيف «كثيراً ما سمعت عن أشخاص يقرؤون الفنجان، فكرت أني قد أجد إجابات عندهم على تساؤلاتي»، وهي تعتقد أن قلقها حيال حياتها الزوجية دفعها إلى قراءة الفنجان. بعد تفكير اكتشفت ليلى أن قراءة الفنجان لم تساعدها في شيء «قارئة الفنجان لم تعرف حقيقة ما أمر به، وإنما بنت كلامها على شكلي الخارجي وشخصيتي العامة».تسليةأم عبدالله ربة منزل (35 سنة) تبحث عمن يقرأ لها فنجانها للتسلية وتقطيع الوقت «لكن غالباً أجد أن القراءة تتحقق على أرض الواقع، وأحياناً أصدق، ولكن أعود لأستغفر ربي».وتقول أم عبدالله إن قراءة الفنجان اليوم باتت في طي النسيان بعد انتشار عادة قراءة الأبراج مضيفةً «حفيداتي يعتبرن قراءة الفنجان هراء، ولكنهن يتفاءلن بقراءة أبراج اليوم، وأحياناً متابعة بعض البرامج الصباحية التي تتحدث عنها». افتخار الحجيري (36 عاماً) وأم لأربعة أطفال، تقول إنها تقرأ الفنجان للتسلية ورغبة منها في معرفة أمور معينة «بعض القارئات يكن متمكنات ويعرفن الكثير من التفاصيل تظهر أمامهن في الفنجان في شكل رسوم واضحة، ووصفت لي إحداهن رجلاً متزوجاً يتقدم لخطبتي وأعطتني الحرف الأول من اسم ابنه، فأي صدفة ستمكنها أن تعرف أن هناك رجلاً متزوجاً له ولد اسمه كذا ويرغب في الزواج مني؟ أمور كهذه تحدث، لا أستطيع أن أفسر هذه القدرة ولكني أعتقد أنها تظهر من خلال الرسوم في الفنجان».أهل الدجل أم روان (32 سنة) تمارس قراءة الفنجان كهواية، تقول إن هناك ما يسمى بعلم العرافة، وهناك كتب تعلم التبصير وأشخاص مختصون ويتم تناقل هذا «العلم» من شخص لآخر، مشيرة إلى أن البعض يحبون قراءة الفنجان ويمارسونها بالفطرة، ويسألون عنها المطلعين على الموضوع.ولفتت إلى أن أمها كانت تمارس هذه الهواية للتسلية، وأحبت قراءة الفنجان بالفطرة وسألت عن الموضوع للاستيضاح أكثر، مؤكدة أنها تقرأ في عيني الشخص الذي تقرأ فنجانه أكثر مما تقرأ في الفنجان. وتقول أم روان إن «هناك شخصيات كبيرة تأتي لقراءة الفنجان وبعضهم من الرجال يأتون بمفردهم وخفية، وإذا لزم الأمر أذهب إليهم بنفسي، وغالباً ما يسأل الرجال عن مستقبلهم المادي والوظيفي وأوجههم بدوري وأنصحهم للالتحاق بعمل ما».بعض الرجال يستشيرونها للدخول في مشروع ما أو وضع أموالهم في الأسهم ودخول البورصة، وهناك من الرجال من يستمعون نصيحتها، والبعض الآخر لا يأخذون بكلامها «هناك رجل نصحته بعدم الدخول والمتاجرة في مشروع ما، ولكنه رفض تصديقي وباع منزله وأملاكه، وكانت النتيجة أنه خسر أمواله». وتضيف «رجل نصحته بعدم وضع أمواله في البورصة فقد تنبأت بالأزمة الاقتصادية الأخيرة، وتسببت في إفلاس العديد من الأشخاص، وجاءني وأهداني طقم ألماس مكافأة على النصيحة».«فضاوة وقت»«أقرأ الفنجان فضاوة وقت»، هكذا علق الشاب جمال العزيز (25 سنة) ، وهو أخبرنا أن نقص الوسائل المفيدة أو حتى البرامج التلفزيونية، تجبر على متابعة أي شيء يشغل وقته، ومنها «متابعة برامج الحظ والسحر وغيرها». ووافقه الرأي نجيب بشير (46 سنة) وأضاف على حديثه «نعرف أن تفسير الإنسان للغيبيات لا يمكن أن يكون صحيحاً، وذلك لأن الغيب بيد الله، ولكن هي فضاوة وقت».فيما قال الطالب بجامعة البحرين حميد حسين (19 سنة)، إن قراءة الفنجان يعارض مبادئ الدين الحنيف ويستدرك «لكن للأسف فهذه العادة منتشرة بشدة بين النساء خصوصاً، ما يمنحهم شعوراً بالشغف لمعرفة المستقبل، ويؤدي بالمحصلة إلى الشرك بالله». حقائق ودراساتومن أكثر المترددات على الدجالين هن النساء المتزوجات، اللاتي يعتقدن أن المشعوذين لديهم القدرة على حل المشكلات وهذا يرجع إلى عدة أسباب أهمها حالة الجهل الثقافي والديني والسياسي والاجتماعي وعدم الفهم الحقيقي لأسباب الأمور أو تقبل أن بعض الأشياء لا يمكن التخلص منها نهائياً، بل تحتاج إلى علاج لمدة طويلة.وكل هذه الأسباب تدفع النساء خاصة، إلى الاستعانة بالدجالين والمشعوذين والسحرة، لمعاونتهن على التغلب على صعاب الحياة، ومن المعروف أنه كلما قلت ثقة الإنسان كان ذلك مصحوباً بعدم معرفة كيفية حل المشكلات، وذهبت دراسة أجرتها د.سامية الساعاتي إلى أن 94% يقرؤون الفنجان من باب التسلية مقابل 6% للحصول على معلومة.ويرى د.توفيق عبد المنعم أستاذ علم النفس في جامعة البحرين، أن الإنسان لا يقرأ الفنجان أو برج اليوم خوفاً من مستقبله، وإنما «بسبب عدم وضوح الحاضر لديه».ويضيف «بعض الفتيات يذهبن إلى قارئات الفنجان كي تخبرهن عن عريس المستقبل أو ما ينتظرهن من رزق وعيال»، ويتابع «هذه القراءات تتعلق بصفة نفسية في سرعة التصديق واستهواء الشيء، أو وجود أمل في حدوث شيء أو هاجس لا يشبعه إلى تأكيده من خلال قراءات غيبية يفترض للمسلم أن لا يصدق أن أحداً يقدرها إلا الله».ويشير إلى أن الكثير من الأشخاص المثقفين يشاركون في قراءة الفنجان ليس من باب الإيمان بها إنما من باب التسلية، وعن خطرها على الصحة النفسية للمرء بين أنها تدفع صاحبها للعيش في عالم الخيال والانتظار.شخصية قارئ الفنجان ومن جانب آخر يؤكد عبدالمنعم، أن قارئ الفنجان يتمتع بذكاء خارق حيث يستطيع تشخيص شخصية الفرد ويعرف نقاط القوة والضعف لديه، ويركز على نقاط الضعف بشكل أكبر كي يجعل الفرد يعيش ويستمر في القلق والتوتر واللجوء إليه وربما يحاول وعده بوعد جميل، ويجعل الفرد في حالة الترقب والاستمرار في التواصل معه، وكذلك فيه الكثير من استنزاف المال.والذين يعتمدون على قراءة الفنجان والتنجيم نجد أنهم قلقون ويشغلون أذهانهم بفكرة أو مجموعة أفكار فيها الكثير من الخوف والتشاؤم، ما يجعلهم في حالة ارتباك وخوف من القيام بأي عمل خوفاً من الفشل ومحاسبة الذات. وهناك من يكون نمط حياتهم يسير ببطء وخالية من الكثير من الإثارة والتحدي، وهناك من تكون حياتهم سلبية وفيها الهروب من الواقع وتفسر جميع سلوكياتهم بالقسمة والنصيب، «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». وهناك من يبرر أن حظه رديء وتنطوي على فشل لا ينتهي، وهذا يعني أن تقييم الإنسان لنفسه يكون سلبياً، وانطباعاته وأفكاره عن نفسه فيها الكثير من السلبية، ويقارن نفسه إما بطريقة واعية أو غير واعية مع الآخرين، ويجد نفسه أقل منهم شأناً، وأنهم أحسن منه، وهناك من تسيطر عليه النظرة التشاؤمية حيث يرى نفسه أنه إنسان لا حول له ولا قوة ويستمر على ذلك، بحيث يلجأ إلى قراءة الفنجان لاعتقاده أنه سيحصل على بعض الأمل أو تأكيد السلبية ويسعى لحماية نفسه من الآخرين باستخدام مبرر غير منطقي. القلق والفراغويرجع د.سعد أحمد جلال أستاذ علم النفس بجامعة البحرين عن أسباب لجوء النساء خصيصاً إلى البصارات والعرافات، إلى ضغوطات الحياة والفراغ والقلق من عوامل تدفع بالنساء إلى قراءة الطالع والتعلق بالغيبيات، خاصة أن القلق والاكتئاب يرتفعان بين النساء أكثر من الرجال. وأضاف أن الثقافة الاجتماعية في كثير من الأحيان تضع مستقبل المرأة في يد الرجل، وقال «الغيب حالة طبيعية تعيشها المرأة يومياً، وهذه حالة نفسية مؤلمة لأنها لا تعرف متى ومن أين ستأتيها المشكلة، وعدم معرفة الخطر الآتي يزيد القلق ومع القلق يقل التفكير العقلاني».العلم والمنطقويقول جلال إن البصارات وقارئات الطالع والفنجان لديهن سرعة بديهة وذكاء بما تمكنهن من قراءة احتياجات الشخص الذي يطلب منهم القراءة، فيتحدثن بكلام عام يصيب أو يخطئ. وأشار إلى أن ميل الناس لتصديق هذه الأمور يرجع إلى ما هو معروف في علم النفس ببارنوم إيفيكت BARNUM EFFECT وهو ميل بعض الأشخاص إلى قبول وصف ومعلومات عامة وغامضة عن أنفسهم وتصديقها، كما في قراءة الأبراج والحظ والطالع والفنجان وغيرها من الأمور. وأضاف «القلق من المسببات الأساسية الدافعة للناس لمعرفة الغيب وقراءة المستقبل عن طريق الفنجان أو غيره، إضافة إلى الوازع الديني وقوته وثقافة الشخص وخلفيته الاجتماعية.ويشير أيضاً إلى أن علم النفس لم يفسر حتى الآن قدرات هؤلاء الأشخاص وحتى الباراسيكولوجي لم يصل إلى براهين علمية لتمتع بعض الناس بالظواهر الخارقة «على سبيل المثال يصاب الرجل بآلام في بطنه وتقلصات عند ولادة زوجته التي تضع مولودها في بلد آخر، ماهو الاتصال بينهما؟ لا أحد يستطيع أن يفسر ذلك حتى الآن، ولكنه يعرف بكوفات سيندروم COVAT SYNDROME وكل هذه الأمور وغيرها من الأمثلة تدخل في الباراسيكولوجي ولا تفسير لها حتى الآن».رأي الدينفيما قال د.أحمد بخيت الأستاذ المشارك بالدراسات الإسلامية بجامعة البحرين وأستاذ الفقه المقارن بجامعة بني سويف بمصر «حقيقة ما هو منتشر في مجتمعاتنا الآن من الانشغال بالقضايا الغيبية ينبغي العزوف عنها وتركها لله تعالى، وفي ذلك الهدوء والراحة النفسية لهم»، مستدركاً «لكن الناس على أية حال يقعون في الخطأ، ووقوعهم هذا يأتي على خلاف الآداب الإسلامية الداعية إلى التفاؤل وقال الرسول (ص) «لا طير وخيرها الفال»، وأعمال التنجيم ينبغي البعد عنها ، والقول المأثور (كذب المنجمون ولوا صدقوا)».ويضيف «من التنجيم الذي لا معنى له ما يسمى بقراءة الفنجان، والمنشغلون بهذه القضية عادة يحاولون تبرير مخاوفهم بإيجاد ستار يتعلقون به أو بدواء يداوون به أخطاءهم، بدلاً أن ينشغلوا بحل المشكلة وإذا بهم يعقدونها، وبالنتيجة تتطور وتزداد تعقيداً وينتهي الأمر في العلاقات الزوجية إلى الطلاق وخراب البيوت وتفكيك الأسر». ويلفت إلى أن حقيقة خداع قارئ الفنجان للناس واضح وظاهر لا يرقى أن يقع تحت درجة جريمة النصب والاحتيال المنصوص عليه في القانون، وأن القانون لم يبذل جهده لوضع حد لمثل هذه الجرائم.
970x90
970x90