كتب – أحمد الجناحي:أضحت مملكة البحرين واحة للتسامح والتعايش بين الجميع، بفضل توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وهو القائل إن «راية البحرين ستبقى عربية مسلمة خفاقة نهجها التسامح والتعايش بين الجميع». والتسامح أحد المبادئ الإنسانية التي أوصى بها الإسلام والتي تقوم الدول على دعائمها، والمملكة لها السبق بين الدول في هذا المجال. وبحسب مدرب التنمية البشرية علي الريس فإن التسامح بين الناس يعتمد بشكل مباشر على علاقة الناس ببعضهم البعض ومدى قربها، «كلما كانت العلاقة أقرب بين الشخصين المتخاصمين كلما كانت صفة التسامح أوفق وأقوى، بمعنى من الممكن أن تسامح أخاك لكن من الصعب أن تسامح شخصاً غريباً أخطأ بحقك». تسامح مختلف ويوضح الريس أن التسامح الحالي عند المجتمع البحريني مختلف عن السنوات الماضية، «في السابق كانت علاقة الناس ببعضهم البعض محدودة، أي أن سكان القرية يعرفون بعضهم البعض ولا علاقة لهم بالقرى البعيدة الأخرى، وهذا يعني أن قيمة التسامح كانت منتشرة بحكم أن علاقتهم ببعضهم البعض قوية، أما اليوم بحكم تعدد وسائل الانتشار والتنقل انخفضت نسبة التسامح فسكان الرفاع لا تربطهم علاقة حميمة وقريبة مع سكان المنامة على سبيل المثال، وهذا يعني أن نسبة التسامح والعفو في المواقف تصبح قليلة.. العفو والسامح منفصل عن النسيان وإزالة المتعلق بالقلب، وبشأن ذلك يقول الريس «أسامحك لكن لا أنسى، من الممكن أن يسامح الإنسان ولكن لا ينسى ويبقى الموضوع في نفسه، وهذا ما يبرر تذكر الناس لأخطائنا بعد مرور فترة زمنية طويلة، تتفاجأه عندما يقول لك أحدهم «تذكر الوقت الفلاني بالسنة الفلانية عندما قلت لي ...»، مضيفاً: هناك ناس تجبر على التسامح لأنها لا تلمك أي خيار آخر، فتجبر نفسها على النسيان والتغاضي من أجل استمرار الحياة، ولكن يبقى الأثر موجود، وهناك أخطاء بالنسبة للمخطئ بسيطة ولكن للآخر كبيرة وينتظر الاعتذار، لافتاً إلى أن الحكم على وجود الخطأ وحجمه أمر نسبي، قد يكون كبير لك وصغير للآخر والعكس صحيح.وشخصياً يعترف الريس أنه متسامح لكن قلبه يحتفظ بالمواقف، «تعرضت لمواقف كثيرة في حياتي، هناك مجموعة من الناس ساعدتهم، ولكن بالمقابل لم يقدروا هذه المساعدة وانقلبوا علي وقاموا بمهاجمتي، ورغم ذلك فأنا في نفسي سامحتهم،، إن الحياة تعلمنا دروساً، وأحد أهم دروس الحياة هي هذه المواقف، نعم أسامح ولكن أتجنب التعامل معهم في المرات المقبلة، ومن الممكن أيضاً أن أسامح وبكل بساطة ولا أتحامل بقلبي لكن لا أتعامل معك مرة أخرى»، مبيناً أن كل هذا يعتمد على علاقة الإنسان بمن حوله، ويفسر ذلك بنظرية الدوائر المحيطة بالإنسان، الوالدين والزوجة والأبناء ...، ويبين أن هناك أشخاصاً يقعون بدوائر قريبة من الإنسان يجبر للعفو عنهم». علاقة أقرب بدوره يجد عبدالعزيز العريفي أن العلاقة كل ما كانت أقرب بين الأشخاص كلما كان التسامح أقل بحكم أنه لا يتوقع نوعاً من الخطأ من الناس المقربين، «نحن في مجتمع تقل فيه ثقافة الاعتذار، لأن هناك مجموعة من الناس ترى أن الاعتذار تقلل من شخصية الإنسان، غير مدركين أن ثقافة الاعتذار رفعة للإنسان». ويشير العريفي إلى أن الاعتذار مرحلة تأتي بعد الإحساس والاعتراف بالخطأ، مضيفاً: الخطوة الأولى في ثقافة الاعتذار مفقودة، فكثير من الناس يزيل نفسه من دائرة الخطأ ويرميها على الآخرين، ولهذا السبب ضاعت حلقة التسامح في المجتمع. ويرى العريفي أن التسامح في معادلة بسيطة هو «نسبة 80% يقين لدى الشخص المخطأ، بمعنى أنه متيقن بنسبة 80% أنه على خطأ ويجب عليه الاعتذار، ونسبة 20% أمل في أن يقبل الطرف الآخر الاعتذار ويسامح، والطرف الأخر يملك 20% يقيناً أن الشخص سيعتذر عن خطئه ونسبة 80% أمل في أن الخطأ لن يتكرر، لافتاً إلى أنه في حال انتشار قيمة التسامح، يقفز المجتمع قفزة نوعية، بمفهوم أن التسامح يعني عدم التحامل بالقلب ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مشيراً أن الإسلام حث على هذه الثقافة قبل أن تحث عليها قيم المجتمع، «العفو عند المقدرة أوصى بها الرسول صلى عليه وسلم وهي ثقافة موجودة بالإسلام وليست محصورة على خلق مجتمعي، حث الإسلام أيضاً على التسامح من خلال بدء السلام، سواء اعتذر المخطأ أو لم يعتذر،، أن يقول الإنسان سامحتك ولكن لن أنسى، هذا أمر غير متناسب وغير منطقي ومتناقض، كأنك تقول أريد الذهاب لليمين واليسار بأن واحد، مفهوم التسامح يعني الصفح والنسيان». قصة مؤثرة ويضيف العريفي: هناك قصتان بهذا الخصوص، «بدأت الأولى عندما كان هنــــاك صديقان يمشيان في الصحراء، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه، الرجل الذي ضرب على وجهه تألم لكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة كتب على الرمال «اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي، استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدوا واحة فقرروا أن يستحموا، الرجل الذي ضرب على وجهه علقت قدمه في الرمال المتحركة وبدأ في الغرق، ولكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق، وبعد أن نجا الصديق من الموت قام وكتب على قطعة من الصخر «اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي، الصديق الذي ضرب صديقه وأنقده من الموت سأله: لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة؟، فأجاب صديقه: عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتــب ما فعله على الرمال حيث رياح تأخذه بعيداً، وعندما يحسن إلينا نكتبها على الصخر لتبقى راسخة بالذاكرة لا تمحى». العريفي يشير أيضاً إلى أن على الإنسان أن يلتمس العذر للآخرين، ويخصص جهة مرنة يمكن التعاطي معها وفهم الأمور بمفهومها الصحيح، «أخطأ بحقي أحد الأصدقاء، وأنا من الشخصيات التي لا تحب النوم قبل أن تصفي نفسها، سامحت صديقي بيني وبين نفسي، وعندما حاول الاعتذار سهلت عليه هذه المهمة». ثقافات مؤثرة غير أن عبدالرحمن سيادي يرى أن الثقافات التي تدخل على المجتمع والمعلومات التي يتلقاها الفرد والممارسات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ترسخ مفاهيم تخالف التسامح، وتتحول من مفاهيم إلى سلوك، مضيفاً: هناك خلافات سياسية مثلاً على شبكات التواصل الاجتماعي تنعكس على سلوك الفرد وتبعده عن التسامح بينه وبين الآخرين، إلى جانب الدراما الخليجية التي تأثر في سلوكيات الأفراد. ويبين سيادي أن التسامح يعني نسيان الأخطاء وفتح صفحة جديدة، «التسامح يعني نسيان الماضي وهذا ما أوصى به الدين وذكر في الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (134) (آل عمران)، أي أنه من الضروري أن يتطهر القلب». ويوضح أن كثير من المواقف في الحياة تكون نتيجة سوء الظن، «كثير من المواقف والخلافات في الحياة سببها سوء الظن، أن يظن فيك الآخر أمر لا تقصده، وهنا يجب الاعتذار بالوقت نفسه وتبرير الموقـــف، ونحن في حاجة ماسة للتسامح في المجتمع خصوصــاً بعد الفجوة التي خلقتها الأزمـــة السياسية، لنخطوا خطوات واسعة إلى الأمام من أجل البحرين،، وقيمة التسامح مسؤول عنها الجميع، وأولها الدولة التي يقع عليها عبء كبير، وتحتاج لدراسات لتعزز قيمة التسامح في المجتمع، وهناك حملة قيمية ستنطلق على مستوى دول الخليج عن التسامح». قيمة موجودة ومن جانبها تؤكد سارة جون أن التسامـــح قيمـــة موجودة، «التسامح قيمة موجـــودة بالمجتمع البحريني، هناك حب وتسامح وصداقة بين كل أطياف المجتمع رغم ما مرت به البحرين من أزمة، علاقة الأفراد ببعضهم البعض أقوى من كل شيء». وترى سارة أن التسامح أمر مختلف عن النسيان مشيرة أن التسامح يعني فتح صفحة جديدة ولا يعني النسيان بل يعين التغاضي من أجل هدف استمرار الحياة، «أما المفهوم الذي يشمل التسامح والنسيان وطي الماضي اختصرها بالآية الكريمة (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (134) (آل عمران)، ومن يفعل ذلك يبتغي الأجر من رب العالمين، وهي الدافع الأساسي للناس من أجل النسيان والتسامح والعفو. اليوم الدولي للتسامح يصادف 16 نوفمبر اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة العام 1996 يوما دوليا للتسامح ودعت جميع أعضائها للاحتفال به كل عام، وأكد إعلان المبادئ الذي اعتمدته الجمعية العامة على أن التسامح هو وحده الذي يضمن بقاء الإنسانية طالما كان التنوع والاختلاف هو أمر ملازم للوجود الإنساني وسنة كونية لا مناص عنها. وقد حرص إعلان المبادئ على تعريف التسامح بنفي الفهم المغلوط عنه فهو لا يعني عدم المبالاة وهو لا يعني قبول كل شيء دون أي تحفظ، بل هو يعني احترام التنوع الذي يزخر به هذا العالم وقبوله والتصالح معه، وهـو فــي جوهره «اعتراف بحقوق الإنســـان للآخرين».
970x90
970x90