من بعيد، من إيطاليا، وبالتحديد في بلدة بيستوم الأثرية، تقلدت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة جائزة البيستوم للآثار من قبل «بورصة البحر المتوسط للسياحة الأثرية»، لتضيف اعترافاً آخر بجهودها في الحفاظ على تراث مملكة البحرين، وعملها المستمر لخدمة الإنسانية عبر تعزيز التواصل بين الشعوب باستخدام الثقافة.
الشيخة مي تنتصر اليوم للمنامة التي بقلبها، للعالم الذي كانت تصنعه بشغف حميم واشتغال متواصل تحقق فيه ما قالته يوما: «مهمة الثقافة ليست أقل أهمية وزارة الدفاع، ففيما تقوم الأخيرة بالدفاع عن حدود الأوطان والبلدان، فإن الثّقافة تدافع عن هوية هذه الأوطان وشعوبها»، وهي تواصل اليوم اكتشاف الأمر نفسه، وتعرف أيضًا أنّ الثقافة صوتُ الأشياء في خارج أماكنها، الثقافة منجزُ الأوطان للحياةِ، لذا فالمنامة اليوم القلب الأثري للعالم، والمنجز الفريد والحقيقي للسياحة الأثرية.
ومن منطلق اعتقادها أن الثقافة هي الذاكرة الأجمل والأكثر فعالية لاستيعاب التراث الإنساني، كان فعل الذاكرة متمثلاً في الأمكنة والعمران التي تستلهم كل ما تصل إليه من موروثات ومتلازمات حضارية وتاريخية وتعيد إطلاقها من قلب المنامة وبرفقة أهاليها وناسها، وبصوتها تسترجع وزيرة الثقافة هذا الشغف قائلةً: «كنتُ في قلقٍ دائمٍ أن تُستبدَل هذه الموروثات والهوية، أخشى مع مرور الوقت أن تتحول إلى وقفِ تأمل أو يتآكلها النسيان أو ربما تجرفها العولمة، لذا كانت الثقافة هي الطريقة الملحة لاسترداد هذا التاريخ الجميل ورهافة الإنسان القديم. للثقافة قدرة على التخاطب مع الموجودات التراثية وتملك العمق الكافي لاستيعاب حقيقته وجوهره». وتعلق: «المعتقدات، الإرث الجماعي الذي كرسته الحضارات المتعاقبة، الفعل الإنساني وأثر المكان كلها كانت تلوح بنداءاتها لئلا تندثر، وكنت في كل واحدٍ منها أراقب مشروعًا ما، ولإنقاذه كنت أجد أن العمارة والمعارض والآداب والفكر وغيرها من الأدوات الثقافية هي المنفذ الأجمل الذي يمكن من خلاله الإنقاذ».
ومنذ تلك اللحظة، كان شغفًا ما يتواءم مع كل ما تراه، لذا كان منجز المنامة يحدث تِباعًا، بأعوامٍ أخيرةٍ كانت غنية بالأحداث والفعاليات، بمنجزِ إدراج موقعي (قلعة البحرين) وطريق اللؤلؤ على قائمة التراث الإنساني العالمي لليونيسكو، تأسيس المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالمي، اختيار المنامة عاصمة للثقافة العربية 2012 واختيارها مجددًا عاصمة للسياحة العربية في العام 2013، وغيرها من المنجزات التراثية والثقافية التي لامست ملامح الوطن العربي بهدف تشكيل بنية تحتية مشتركة تستوعب الفعل الجماعي الحضاري بكل عصوره، وتستذكر الشيخة مي بنت محمد آل خليفة خارطة مشاريعها وطموحاتها، «أفكر بالبحرين وبوطني العربي الأكبر، لذا كان موجودًا معنا دائمًا وصنعنا معًا في عاصمة السياحة مؤخرًا الكثير من المنجزات، كما كان شريكنا في الفرح والأمل. الوطن الذي ترسمه الوقائع بصورةٍ يائسة أحيانًا كان لصيقًا بالحلم معنا، وتقاسمنا إياه ما نفعل، وكان يفعل بالمثل».
فعليًّا كانت الأوطان العربيّة حاضرة في العديد من المشاريع والطّموحات، وجزءًا من فعاليّاتها ومؤتمراتها العديدة التي انعقدت حول العديد من المواضيع الجوهريّة، إلى جانب المشاريع العمرانية، التي تشير إليها وزيرة الثقافة بالقول: «ما تسعى إليه المنامة عاصمة السياحة العربية للعام 2013 يتجاوز فكرة النّشاط العابر أو الفصل المؤقت، بل تبحث عن مشاريع مستمرة ودائمة، لذا فهي تتجه إلى العمران باعتباره أداة حفاظية ومختبرًا إنسانيًّا ينهمك في مشاريعه وأحلامه، وتتعاقب عليه الأجيال من أجل صياغة معطياتها وأفكارها».
المنامة تحتفي اليوم بمنجزاتها جميعًا من خلال جائزة البيستوم للآثار التي حصدتها وزيرة الثّقافة في بورصة البحر المتوسط للسياحة الأثرية، وبشأن ذلك تقول الشيخة مي إن هذه الجائزة تشير إلى تراث المنامة والمملكة باعتباره قادرًا على المقاومة والبقاء بهويّته وإنسانيّاته وشعوبه، وجديرًا بالتأمل والتعرف والمعايشة في الوقت الذي تنجز فيه مملكة البحرين عامها كعاصمة للسياحة العربية، مما يفصح عن قدرة الأوطان العربية على توضيب تفاصيلها وجعلها مفهومة وواضحة، كما أنها إشارة للمؤهلات التي تختصّ بها هويتها التراثية والثقافية. مردفةً أن «جائزة البيستوم إشارة للجهة الأعمق من المنامة، تعريفٌ بها على مستوى العالم، ولفتة أولى باتجاه تبادل ثقافي وسياحي ما بين البحرين وإيطاليا، ومنها إلى أوروبا والعالم».