أوضح بحث قام به عدد من الاساتذة في معهد “مصدر” الإماراتي وأخرون من جامعات ومعاهد حول العالم، أن وسائل التواصل الاجتماعي فعالة للغاية في القيام بالحشد الجماهيري وفي وقت قياسي.
ويعرف البحث مصطلح “الحشد الجماهيري” بالقدرة على تعبئة الناس بشكل سريع لمواجهة تحديات في حالات الكوارث أو المساعدة في العثور على طفل مفقود، ويشير البحث إلى قدرة شبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص على القيام بهذا الحشد رغم استخدامها المحدود في هذا المقال.
ويقدم البحث تحليلاً لنتائج مسابقة “تحدي البالون الأحمر” Red Balloon Challenge التي نظمتها وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة (داربا) في عام 2009، حيث تم رصد جائزة قيمتها 40.000 دولار للمسابقة؛ وتهدف المسابقة لقياس مدى قدرة وسائل الإعلام الاجتماعية على التواصل بين الناس بأقصى سرعة، وتتطلب من الفرق المتنافسة تحديد إحداثيات المواقع GPS لـ 10 بالونات رصد جوي موزعة عشوائياً في أماكن غير معلنة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نجح فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في العثور على جميع البالونات في غضون 8 ساعات و52 دقيقة عن طريق حشد المتطوعين بالاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على الحشد الجماهيري السريع بشكل ملحوظ، دون الحاجة للدور التكميلي لوسائل الإعلام الأخرى، وتشير المحاكاة الحاسوبية إلى إمكانية تكرار ما جرى في مسابقة “البالون الأحمر” بنسبة نجاح تصل إلى 90%، لكن الوصول إلى هذه النتيجة بنجاح يحتاج إلى أن تكون جميع الظروف مثالية كونها تتأثر بعدة عوامل رئيسية مختلفة، وهذا التأثر يفرض حدودًا على قوة وسائل التواصل الاجتماعية في الاستجابة السريعة.
وأظهر البحث أن نجاح وسائل الاعلام الاجتماعية في الحشد يعتمد بشكل كبير على تواصل الأفراد بفعالية، وعلى سرعة الاستجابة والقدرة على حشد الناس في أماكن بعيدة.
ويبقى احتمال عدم النجاح في البحث كبيراً حتى في ظل هذه الظروف المواتية، حيث يتطلب النجاح عدداً كبيراً من المشاركين السلبيين، وهم أولئك الذين لا يشاركون بالضرورة في تعبئة الآخرين، ولكن قد يساعدوا إذا ما شاهدوا في السماء بالوناً أحمر.
وحمل البحث عنوان “حدود الحشد الجماهيري” واستغرق في اتمامه عامين من الأبحاث العلمية المكثفة في مختبر الحوسبة الاجتماعية والذكاء الاصطناعي، بقيادة الدكتور إياد رهوان الأستاذ المساعد ورئيس قسم علوم الحوسبة والمعلومات في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا.
ويعد المؤلف الأول للورقة البحثية هو الدكتور أليكس روثرفورد، أستاذ مساعد في معهد مصدر وعضو في مختبر الدكتور رهوان، وشارك في العمل أيضاً كل من البروفيسور اليكس بنتلاند من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، والدكتور مانويل سيبريان من المؤسسة الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أستراليا، وسوهان دي سوزا من معهد مصدر، والأستاذ استيبان مورو من جامعة كارلوس الثالث في مدريد.
وقال الدكتور إياد رهوان: “أول نتيجة توصلنا إليها هي تحديد أسس لتحقيق مهمة البحث في الوقت المحدد وبتوزيع فعال دون أي استخدام لوسائل الإعلام التقليدية. وفي أعقاب مسابقة البالون الأحمر لوكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة (داربا)، لم يكن واضحاً إذا ما كان يمكن الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي فقط لتحقيق هذه المهمة دون الاعتماد على وسائل الإعلام، وقد أظهرنا أن هذا أمر ممكن بالفعل، ووجدنا أيضاً أن التحدي يكمن في مدى قدرة الإنسان على المشاركة، وأن جميع شروط النجاح تتوفر في نطاق ما نعرفه عن شبكات التواصل الاجتماعية وسرعة التفاعل بينها، وبدون ذلك يكون احتمال عدم النجاح كبير”.
وعلق الدكتور مانويل سيبريان، الأستاذ المشارك في إعداد الورقة البحثية وأحد أعضاء الفريق الفائز من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، على نتائج البحث بالقول: “في الأساس، لا يمكننا العثور على 20 بالوناً خلال تسع ساعات، ولا نستطيع أن نجد 10 بالونات في وقت أقل مما استغرقناه”.
وفي تعليقه على نشر الورقة البحثية، قال الدكتور فريد موفنزاده، رئيس معهد مصدر: “تعتبر الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المرموقة فرصاً ثمينة تدعم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعرض خبراتنا في التحليل المتقدم والأبحاث. وفي ظل دعم القيادة الرشيدة لدولة الإمارات، قام معهد مصدر بنشر عدة أوراق بحثية علمية متميزة في المجلات العالمية مما عزز مكانته كجامعة بحثية عالمية. ونتوقع أن يقدم أعضاء هيئة التدريس في المعهد الكثير المزيد من الأوراق البحثية المماثلة في الشهور القادمة، مما يعكس مساهمتنا الفاعلة في تحقيق أهداف تنمية رأس المال البشري في أبوظبي”.
يذكر أن معهد مصدر، الذي تم تأسيسه بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يوفر لطلابه فرصاً مميزة في شتى ميادين البحوث العلمية، بدءاً بالبحوث النظرية ثم التطبيقية وانتهاءً بمرحلة التسويق التجاري، ويهدف المعهد إلى الإسهام في دعم التنوع الاقتصادي في دولة الإمارات من خلال تطوير الابتكارات التقنية وإعداد الموارد البشرية اللازمة، كما يلتزم المعهد عبر كادره التدريسي وطلابه، بإيجاد حلول لتحديات الطاقة النظيفة والتغير المناخي.