كتب - جعفر الديري:
تعكس لوحات الفنان السوري زياد دلول شغفاً عظيماً بالأشياء في بساطتها. ورغم استقراره في باريس، ورغبته في الولوج بالفـــن التشكيلي إلى آفاق أرحب؛ محــــاذراً السكون إلى ما هو سائد، طوّع دلول علاقته بالأرض التي ولد عليها وبالأرض التي انتقل إلى العيش فيها، إلى حال توازن بين الذاكرة وبين الخبرة في لحظات إبداعية تلبست حيناً بالضوء وأحياناً بالظل. يقول الشاعر أدونيس عن تجربة دلول «إن الأمكنة التي تعكسها أعمال زياد دَلول ليست لغة في الجغرافية، وإنما هي لغة في التخيل والحنين والتذكر، لغة أحلام وأعماق ومشاعر، والتجربة هنا هي الأساس، لا المنهج. المنهج خارجي، والتجربة داخلية. بالمنهج نفكر، وبالتجربة نعيش، ونلمس، ونرى، ونتذّوق».
والفنان الذي ولدت العام 1953 في مدينة السويداء جنوب سورية وانتقل إلى الجزائر، ومن ثم إلى باريس منذ العام 1984 مـــازال يبحث عن دفء الحياة، وقد أفاده ذلك على عدم الوقوف عند حدود المرئي والمتخيل بل على اكتساب لغة خلاقة خاصة به، وفي ذلك يقول دلول «إن المنظر الداخلي هو اختصار لمجموعة من المناظر، وتركيب اختزالي لهذه المناظر، واختزال إذا صح التعبير لمفهوم المنظر بمعناه الفلسفي الواسع. أي ماذا تعني الطبيعة بالنسبة إلى الفنان. إن الأسئلة التي أطرحها أو يطرحها غيري من المهتمين بكينونة الإنسان على هذه الأرض» ما الحياة وما البشرية ضمن المنظر الطبيعي. فالمنظر الطبيعي العام الذي نظر إليه الفلاسفة قروناً طويلة هو في الطبيعة كعدو للإنسان أو بالأحرى نقيض للإنسان، بمعنى أنه يجب أن يتغلب الإنسان على الطبيعة ويسخرها لغاياته ومعيشته بأن تكون مطواعة بين يديه، فإذا كانت الفلسفة خلال فترة طويلة تعتبر الطبيعة مجالاً للعمل لتطويعها لصالح الإنسان العادي. فالفلسفة أيضاً كما أظن لم تعن طويلاً أن يكون المنظر الطبيعي مجالاً حيوياً ليس بالمعنى الآيكلوجي بل بالمعنى الفيزيائي حالياً. فنحن الآن في القرن الواحد والعشرين نشعر بأن من الهموم الأساسية المحافظة على الطبيعة. وبالنسبة إلــــيّ، الطبيعة هي مجال للتأمل. ومن خلال هذا التأمل أطرح الأسئلة الأساسية عن الوجود الإنساني، وباعتبارها مجالاً للتأمل فمن الشيء الطبيعي أن تكون مادة داخلية».
وتبدو ثيمة الضوء والمادة حاضرة في لوحات دلول، ولاتزال لوحاته تدين بالفضل لهما، وحسب تصريحه فإن للوحة عناصر أساسية غير مختلف عليها، «نقول مثلاً اللون والخط والمادة، لكن هناك عنصر رابع مهم جداً وهو الضوء. الضوء ليس بمعنى أن نرسم الأشياء في ثلاثة أبعاد للإيحاء بالكتلة، الضوء كعنصر فيزيائي وكيف يمكن أن ننقله إلى اللوحة، إذ إن هناك عناصر من الصعب نقلها إلا بالإيحاء، فالموسيقى مثلاً يمكـن أن نعمل لها ترجمات، ولكن الضوء في بحث ما بتركيب الألوان والأشياء وفي تركيب الجزء العام للوحة، يمكن أن تشع أو تمتص الضوء وهو ليس في الحقيقة بشيء جديد، إذ إن كل الفنانين لهم اهتمامات بالضوء، ولكن الضوء يمكن أن يحمل بعض الجوانب التعبيرية والنفسية، فإذا كانت هناك لغة في أعمالي تهتم بإبراز الضوء أو الإيحاء في الضوء، فذلــك أمر مهم لأنه واحد من هموم اللوحة الأساسية. وإذا كانت الطبيعة الصامتة أو المنظر هي مثيرات بصرية لهذا العالم البديل أو الموازي فلا بأس، لأنني لا أعتقد أنه بوسعنا أن نخلق فناً من دون الاعتماد علـــى الواقع أو على الأشياء الملموســـة أو الصور. إذاً، ليس هناك فن، وحتى ما يسمى بالفن الذهني الصرف تظل له علاقته من قريب أو من بعيد بالواقع. أما في ما يتعلق بعلاقة المنظر والطبيعة الصامتة، فهو موضوع أعمل عليه منذ أكثر 15 عاماً، في محاولة لنقل الخارج العالم الكبير إلى عالمنا الداخلي داخل الجدران أو داخل الشخص، إذ إن الحوار بين الداخل والخارج هو ثنائية لا نهائية، لها إسقاطاتها على كل الأشكال كما على الأفكار، فهذا هو منطلق البحث الحقيقي تأليفاً لمنظر طبيعي على أساس أنه يمكن أن يكون هناك لغز في أجزاء منه، فهل هو جزء من الطبيعة أم هو جزء من أشياء داخلية سواء كانت موجودة على الطاولة أو على الحائط أو في غرفة النوم أو غرف المعيشة أو خاصة بالمرسم».