التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمرة الأولى العاهل المغربي محمد السادس بالمكتب البيضاوي، وأجرى معه محادثات مخصصة بنوع خاص للأمن والاقتصاد. وهي أول زيارة يقوم بها العاهل المغربي إلى البيت الأبيض منذ 2004 في عهد الرئيس جورج بوش.
وقبل اللقاء، أكد البيت الأبيض أن خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء الغربية هي في نظره «جدية وواقعية وذات مصداقية».
وأجرى أوباما في مايو الماضي محادثة هاتفية مع العاهل المغربي دعاه خلالها إلى زيارة واشنطن، بحسب ما أعلن في حينه البيت الأبيض الذي أوضح أن الرجلين «تحدثا عن أهمية تعميق علاقاتنا الثنائية خصوصاً في الملفات الأمنية ذات الاهتمام المشترك».
وفي الرباط أعلن القصر الملكي يومها أن المحادثة الهاتفية جرت بعد «تبادل رسائل» بين الزعيمين بشأن ملف الصحراء الغربية.
والصحراء الغربية هي مستعمرة إسبانية سابقة ضمها المغرب في 1975 وهو يعرض على الصحراويين، المدعومين من الجزائر، حكما ذاتيا واسعا في كنف المملكة لكن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب «بوليساريو» ترفض الاقتراح وتطالب باستفتاء لتقرير المصير.
وكانت الوزيرة المغربية المنتدبة للشؤون الخارجية مباركة بوعيدة اعتبرت قبل وصول العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الولايات المتحدة، أن الخروقات لحقوق الإنسان التي تسجل في المغرب تبقى حالات معزولة.
وكررت المسؤولة المغربية معارضة الرباط لتوسيع مهمة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، حيث تؤكد السلطات المغربية وجود ناشطين انفصاليين لهم ارتباطات بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
من جهته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني «خلال هذه الزيارة، سيبحث أوباما مع العاهل المغربي في مكافحة العنف المتطرف ودعم عمليات الانتقال الديمقراطي وتعزيز التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط وأفريقيا».
وأضاف «هذه الزيارة ستعزز الصداقة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والمغرب، وستعزز شراكتنا الاستراتيجية، وسيتطرق أوباما أيضاً مع الملك إلى الدعم الأمريكي للإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية في المغرب».
وفي هذا الإطار، يقول مراقبون غربيون إن زيارة العمل هذه تأتي بعد حدثين مهمين. الأول، اعتراض المغرب على مشروع قرار أمريكي وضع لدى الأمم المتحدة لتوسيع صلاحية البعثة الأممية إلى الصحراء الغربية، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، وانتهى بسحبه بعد مكالمة حاسمة بين قائدي البلدين. والثاني، الخطاب الملكي الأخير الذي كان صارمًا مع الحلفاء والخصوم بخصوص قضية الصحراء الغربية، ولذلك سيكون اللقاء مواتيًا لمكاشفة صريحة بين البلدين.
وأضاف المراقبون أن استقبال أوباما للعاهل المغربي يبرز الشراكة العريقة القائمة بين الولايات المتحدة والمغرب، وتلخصها متابعة الحوار الاستراتيجي، الذي أطلق في سبتمبر 2012، والذي يشمل القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والتربية والتعليم.
وكانت الإدارة الأمريكية أكدت مراراً أن الإصلاحات في المغرب تشكل نموذجاً يحتذى به، «وتحمل الكثير من الوعود بالنسبة للشعب المغربي في محيط إقليمي تسوده الاضطرابات».
وكتبت المجلة الأمريكية نصف الشهرية «ناشيونال إنتريست»، المختصة في القضايا الاستراتيجية أن الدور المركزي الذي يلعبه الملك دوليًا والثقة التي يحظى بها لدى أطراف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن أن يكون لها عمق استراتيجي يساعد على التوصل إلى حل هذا النزاع.
ولاحظت «ناشيونال إنتريست» أن القطاع المصرفي المغربي حاضر بقوة في القارة الأفريقية، وهناك جيل جديد من المقاولين المغاربة الذين استثمروا في جميع القطاعات بالقارة، انطلاقاً من الكهرباء القروية إلى الصناعة الصيدلانية، مروراً بالنسيج وقطاعات أخرى.
وأضافت «يمكن الولايات المتحدة أن تستفيد من تجربة المملكة بالقارة، في إطار تعاون ثلاثي الأطراف يوفر بيئة ملائمة للأعمال بالاعتماد على الخبرة المغربية والدعم الأمريكي، وزيارة الملك لواشنطن بدعوة من أوباما تشكل فرصة تاريخية لزعيمي البلدين لتجاوز الرؤى الضيقة التي طبعت الاستراتيجيات الدولية خلال القرن الماضي».
ويرى مراقبون أن المباحثات بين الزعيمين تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات الأخوية، يعود عهدها إلى قرنين من الزمن، إذ كان المغرب أول دولة تعترف رسمياً بالولايات المتحدة الأمريكية، وأول دولة تتفاوض معها حول معاهدة رسمية للتجارة والصداقة وقعت في 1786. والمغرب وقف بجانب أمريكا وحلفائها في الحربين العالميتين، وحين تعرضت الولايات المتحدة لهجمات سبتمبر 2001، بادر المغرب إلى المشاركة في الحرب على الإرهاب.
وأوضح المراقبون أن «الشراكة التي تزين جلسات الملك والرئيس، خصوصاً والمنطقة العربية في مهب ربيع تحول نسيمه العليل إلى إعصار دام، متنقل بين مصر وليبيا وسوريا، وحده المغرب يبقى نموذجاً حياً بعيون الأمريكيين للتحول السلمي الإصلاحي الديمقراطي والتغيير في أجواء من الاستقرار، بدلاً من التغيير الثوري في ظل انعدام الاستقرار».
وأضاف المراقبون أن «الأمريكيين معجبون بسياسات محمد السادس، لأنها ترسي معها جذور الهدوء، الذي يجب أن يتسم به المغرب. فأمريكا تعلق عليه آمالاً كبيرة ليعينها في تدبير المنزلين الشرق أوسطي والشمال أفريقي. فالمغرب صديق للجميع، أي يجمع مجد لم شمل الأضداد من كل أطرافها. فكيف لا يكون جسراً مكيناً لأمريكا إلى منطقة تبدو فيها إيران وروسيا، مع ما يحصل في سوريا، وكأنهما تستعيدان أمجاد الامبراطورية الفارسية والاتحاد السوفيتي البائدة؟!
والعاهل المغربي حريص على نشر التسامح الإسلامي في بلاده، نقيضًا لمشاريع الإخوان المسلمين في تونس، والجهاديين في مالي، والقاعدة في المشرق العربي الملتهب، وهو حريص أيضاً على قيادة شعبه ضد التطرف، من خلال برامج دينية وثقافية تمنع انزلاق الشباب المغربي نحو التطرف العنيف، وله في الرباط شبكة محمد السادس للقرآن الكريم التلفزيونية، هدفها نشر اسلام منفتح ومتسامح، يحترم الأديان الأخرى.
كل هذه السمات دفعت بالولايات المتحدة إلى فتح حوار استراتيجي مع المغرب، في 13 سبتمبر 2012، ليشكل إطاراً رسمياً للعلاقة بين البلدين، يوفر وسيلة لتعميق التعاون الثنائي بشأن قضايا استراتيجية وأهداف ذات أولوية عليا، ويؤمن استدامة العلاقة بمعزل عن أي تغييرات قيادية. كل ذلك على طاولة البحث بين الرئيس الأمريكي والملك المغربي، إلى جانب مسألة الصحراء الغربية العالقة منذ زمن، وتداعياتها على العلاقة بين المغرب والجزائر، وكلاهما حليف لأمريكا، لا تريد خسارة أي منهما.
«إيلاف - فرانس برس»