كتب - يوسف شويطر:
سقوط الفردوس الإسلامي عام 1492م في قبضة الإسبان وتلاشي الحضارة فيها بسبب مطرب يدعى زرياب أليس كذلك؟ هذا الذي يقال من بعض الأفواه في وقتنا الحاضر يرمون مسؤولية سقوط الأندلس على عاتق الفن.
يتحدثون وكأن الموسيقى لم تخلق في إسبانيا إلا عندما حكمها العرب، والحقيقة عكس ذلك تماماً، العزف تنبثق نغماته في شبه الجزيرة الأيبيرية من قبل حكم العرب بأعوام كثيرة ومن ثم أتى المسلمون ليضعوا بعض اللمسات الشرقية التي أتى بها زرياب من أرض العراق عندما كان عازفاً في بلاط الخليفة هارون الرشيد وامتزجت مع الإيقاعات الغربية.
(1)
والتاريخ لا ينسى مذبحة بربشتر التي كانت من أفظع وأشنع المذابح التي عرفتها الأندلس وكانت أسرة بني هود الحاكمة لمدينة سرقسطة لا يهمها سوى أطماعها، وتثبيت الملك على حساب المسلمين.
ولما شن الصليبيون حملتهم الحربية للاسترجاع وكان الصراع على سدة الحكم بين أحمد بن هود الحاكم وأخيه يوسف وعندما استنجد المسلمون بالحكام أبى أحمد مساعدتهم بسبب انتماء أهالي بربشتر وولائهم ليوسف، ومن ثم جرت الجرائم والفحش من قبل النصارى في حق أهالي المدينة.
(2)
لنتقدم بالتاريخ إلى الأمام وبالتحديد في فترة حكم ملوك بني الأحمر في غرناطة وهي آخر سلالة مسلمة حكمت الأندلس التي استمرت بما يقارب قرنين من الزمن، في بداية وجود هذه العائلة خرجت في المغرب دولة جديدة تسمى (بني مرين) يحكمها شخص يدعى يعقوب بن عبدالحق المريني وكان عابداً مجاهداً وحريصاً على نصرة الإسلام أينما وجد. وكانت الأندلس في تلك الفترة محاصرة من قبل الجيش النصراني، ولما علم المرينيون بذلك انتزعوا سيوفهم لإغاثة إخوانهم المحاصرين لكن الرد أتى لاذعاً من قبل بنو نصر فماذا فعلوا؟ تحالفوا مع جيوش العدو ضد المسلمين لكي لا ينتشر نفوذ الدولة المرينية في المستقبل وينتزع البساط من تحت أقدام الأول.
(3)
أثناء تضعضع سيادة الدولة الأموية في الأندلس وبعد مقتل عبدالرحمن شنجول الذي يعد آخر حاكم من الدولة العامرية التي حكمت بما يقل عن نصف قرن باسم الحجابة مع عزل الخليفة الأصلي هشام المؤيد بالله، بعد بطش شنجول في زمام الحكم وفشله في إدارة الأمور ثار الشعب وطالبوا برجوع الهيبة للأمويين مرة أخرى وقد تصارع اثنان من أحفاد عبدالرحمن الناصر، الأول شخص يدعى المهدي والثاني يدعى سليمان الملقب بالمستعين بالله، تقاتلا من أجل الحكم ويا للأسف حدث شيء مخجل، الأول استعان بملك برشلونة والثاني بملك قشتالة، والمعروف آنذاك بأن المملكتين كانت لهما أطماع خطيرة في الأندلس ولهما أحقاد على العرق العربي الموجود في إسبانيا باعتبارها أرضهم المحتلة ومن بعدها حدثت الفتنة القرطبية وهنا كانت بداية النهاية للمسلمين.
(4)
بعد انهيار الدولة الأموية وانتهاء الفتنة القرطبية دخلت الأندلس في دهليز مظلم اسمه ملوك الطوائف على اعتبار أن لكل مدينة حاكمها الخاص، وفي هذه الفترة حدثت المآسي ومنها تسليم مدينة طليطلة التي فتحها طارق بن زياد بكل عزم وقوة إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة بكل سهولة وضعف تحت حكم واهن من قبل عائلة ذي النون التي كانت تحكم آنذاك، ومع سكوت مستسلم من قبل حكام المدن الأخرى ما عدا المتوكل بن الأفطس الذي أرسل جيشاً ولكنه هزم بعد حصار دام حوالي تسعة أشهر لطليطلة وبعد هذه الحادثة تكون أول مدينة أندلسية مسلمة تسقط في كف النصارى. والنقطة الثانية هي احتلال المعتمد بن عباد حاكم أشبيلية لقرطبة وطمعه فيها لكونها العاصمة، هنا تكمن نقطة العيب بأن المسلمين يحاربون بعضهم البعض إلى أن بزغ نجم يوسف بن تاشفين.
(5)
خلال حكم ملوك بنو الأحمر لغرناطة آخر المعاقل الإسلامية في إسبانيا أصبح القتال دامياً وعنيفاً بين أبوعبدالله الصغيـــر (آخر حاكــم للدولـــة الأندلسيـــــة الإسلامية) وعمه الملقب بالزغل بعدما عزل الأول والده عن سدة الحكم بحكم أن الوالد أفسد وتجبر. وهنا حدثت حروب أهلية في غرناطة بين عوائلها النبيلة مثل ابن سراج والثغري والابن سراجيين تحولوا إلى الديانة النصرانية وأصبحوا من أذناب مملكة قشتالة التي كانت تتربص وتريد أن تستأسد على المدينة المسلمة، بعـــد الانشقاق النصفي ترهلت المدينة إلى أن تم تسليمها بشكل كلي.
ومضة:
عزيزي القارئ تأمل واسأل نفسك هل سقوط الدولة المسلمة في إسبانيا يعود إلى الموسيقى؟ أم إلى أخطاء سياسية فادحة أم سوء القيادة لدى الحكام أم الطمع والجاه؟ مع العلم بأن المطربين في الأندلس لم يشتهروا شهرة كافية مثل مطربي العصر الأموي والعباسي، على عكس الشعراء الذين تواجدوا في بطون الكتب والمجلدات بكثرة عن المغنين، والعلماء أيضاً كان لهم حضور مكثف. ومنها استنارت شمعة أوروبا على مدار القرون اللاحقة، وكان حضور أصحاب الغناء والجواري في الأندلس عند المؤرخين شبه منعدم.
باقة:
إلى الأستاذ محمد حداد الذي أدخلني إلى عالم الموسيقى (وأنا الحين مو عارف شلون اطلع منه).