عواصم - (وكالات): توصلت القوى الكبرى وطهران إلى أول اتفاق تاريخي لاحتواء البرنامج النووي الإيراني أمس في جنيف يحمل أملاً بالخروج من أزمة مستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، مع التأكيد بأنه «خطوة أولى» تم اجتيازها. وبعد 5 أيام من المفاوضات الصعبة، أعلنت القوى الكبرى وإيران التوصل إلى اتفاق تقبل بموجبه إيران بالحد من برنامجها النووي مقابل تخفيف محدود من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ما يمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من المفاوضات المعمقة لمدة 6 أشهر. ورحب العالم بالاتفاق باعتباره خطوة أولى نحو تسوية شاملة.
في المقابل وحدها إسرائيل التي تشتبه في أن البرنامج النووي الإيراني يخفي شقاً عسكرياً رغم نفي طهران المتكرر لذلك، نددت بالاتفاق واعتبرته «خطأ تاريخياً» مؤكدة حقها في الدفاع عن النفس. ووصف المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي الاتفاق بأنه «نجاح»، فيما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه «مرحلة أولى مهمة». وأضاف خامنئي «لا بد من شكر فريق المفاوضين النوويين على هذا المكسب»، مضيفاً أن «العناية الإلهية والصلوات ودعم الشعب هي بالتأكيد وراء هذا النجاح».
وعلى غرار أوباما، رأى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الاتفاق «مرحلة نحو وقف البرنامج النووي الإيراني». أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فاعتبر الاتفاق «بداية اتفاق تاريخي لشعوب وأمم الشرق الأوسط وأبعد من الشرق الأوسط».
من جهته، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «اختراقاً تحقق، إلا أنه يبقى خطوة أولى في طريق طويلة وصعبة». وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «الجميع ربحوا»، في حين اعتبر نظيره البريطاني وليام هيغ أن الاتفاق «جيد للعالم أجمع».
أما وزير الخارجية الصيني وانغ يي فقال إن «هذا الاتفاق سيساهم في إبقاء البرنامج الدولي لعدم الانتشار النووي». ويرى خبراء أن هذا الاتفاق يشكل تقدماً لأنه ينص على حزمة أكبر من القيود والتحقيقات حول برنامج إيران النووي. وقال برونو ترتري من مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس «إنه تقدم لا جدال فيه»، مضيفاً «سيتيح هذا الاتفاق كسب الوقت لأن قسماً كبيراً من البرنامج النووي الإيراني سيجمد لستة أشهر». إلا أن نص الاتفاق يبقي على بعض الغموض ما يتيح تفسيرات مختلفة. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني «في الاتفاق، تم قبول حق تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وهيكلية العقوبات بدأت تتصدع».
وأضاف الرئيس الإيراني «لكل طرف تفسيره الخاص، لكن حق إيران في التخصيب مذكور بوضوح في النص». وتابع «أقول للأمة إن أنشطة التخصيب ستتواصل كما في السابق في نطنز وفوردو واصفهان».
لكن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عبر عن موقف مختلف قائلاً إن الاتفاق «لا ينص على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، مهما جاء في بعض التعليقات حول تفسيره».
وقام وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بتفسير هذه النقطة الخلافية قائلاً إن «ما تقوله الوثيقة هو أنه في إطار حل شامل، إذا ما بلغنا المرحلة التالية من هذا الحل الشامل، سيكون في وسع إيران إن تتمتع بحقوقها الأساسية وتمتلك الطاقة النووية لغايات سلمية، وهذا ما يشمل ما نسميه برنامجاً للتخصيب يتم تحديده بشكل متبادل ويقتصر على الحاجات العملية». وتلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون فجر أمس محاطة بجميع الوزراء الذين شاركوا في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، في مقر الأمم المتحدة في جنيف بياناً مشتركاً يعلن التوصل إلى «اتفاق حول خطة عمل».
وقالت آشتون «توصلنا إلى اتفاق على خطة عمل»، وإلى جانبها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وبعدها تصافح وزراء خارجية دول مجموعة 5+1 «الولايات المتحدة، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا وألمانيا» مع ظريف للتهنئة بالاتفاق.
وقالت اشتون «سعينا إلى الرد على مخاوف المجتمع الدولي والتحرك بشكل يحترم الحكومة والشعب الإيرانيين».
وكانت دول مجموعة 5+1 بدأت التفاوض منذ الأربعاء الماضي مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاق تمهيدي لمدة 6 أشهر يقدم ضمانات حول الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف «محدود» للعقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني. وانضم وزراء خارجية دول مجموعة الست إلى المفاوضات أمس الأول. وكانت المحادثات تعرقلت في الساعات الأخيرة حول مسألة «حق» إيران في تخصيب اليورانيوم.
وهذه المسألة كانت في صلب قلق الدول الغربية وإسرائيل التي تخشى أن يستخدم اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق 20% للحصول على يورانيوم مخصب بنسبة 90% للاستخدام العسكري رغم نفي إيران المتكرر لذلك. واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف «نتيجة مهمة لكنه ليس إلا خطوة أولى». وقال ظريف في مؤتمر صحافي «لقد أنشأنا لجنة مشتركة لمراقبة تطبيق اتفاقنا. آمل في أن يتمكن الطرفان من التقدم بطريقة تسمح بإعادة الثقة». وأضاف ظريف أمام الصحافيين أن الاتفاق يتضمن «إشارة واضحة مفادها أن التخصيب سيستمر» في إيران، وهي مسألة لطالما اعتبرت حجر العثرة الرئيس في المفاوضات. وفي ردود الفعل، اعتبر الرئيس الأمريكي أن الاتفاق يمثل «خطوة أولى مهمة»، مشيراً في الوقت عينه إلى استمرار وجود «صعوبات هائلة» في هذا الملف. وقال اوباما أن الاتفاق «يقفل الطريق الأوضح» أمام طهران لتصنيع قنبلة نووية، معتبراً أن العقوبات «الأقسى ستبقى مطبقة»، مجدداً دعوة الكونغرس إلى عدم التصويت على عقوبات جديدة على إيران. من جهته، اعتبر كيري أن الاتفاق «سيجعل العالم أكثر أمناً، وإسرائيل وشركاءنا في المنطقة أكثر أمناً». وقال كيري إن الاتفاق الذي وقع مع إيران في جنيف يشكل «خطوة أولى». وأشاد رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي بـ «الشجاعة» التي أبدتها إيران والقوى الكبرى للحد من البرنامج النووي الإيراني لكنه أكد أن المهم هو تطبيقه «في المهل المحددة». من جانبها، قالت وكالة أنباء الإمارات إن الإمارات العربية المتحدة رحبت باتفاق إيران النووي مع القوى العالمية لكبح برنامج طهران النووي. كما رحبت دمشق بالاتفاق الذي ابرم بين طهران والقوى الكبرى واعتبرته «تاريخياً».
كما أعرب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن ترحيب بلاده بالاتفاق واعتبره «خطوة كبيرة على صعيد أمن واستقرار المنطقة».
ورحب الفلسطينيون بالاتفاق ورأوا أنه يؤكد لإسرائيل أن «السلام هو الخيار الوحيد في الشرق الأوسط».
كما رحب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو بـ «خطوة جديدة مهمة» في سياق الاتفاق المبرم بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران في 11 نوفمبر الجاري في طهران، مشيراً إلى استعداد الوكالة للاضطلاع بدورها من خلال التحقق من تطبيق التدابير التي تقررت في اتفاق جنيف. واشاد المجلس الوطني للثورة الإيرانية بـ «التراجع الذي فرض» على إيران «في مجال صنع القنبلة النووية» في إطار اتفاق جنيف. في المقابل، نددت إسرائيل بالاتفاق معتبرة أن طهران حصلت على «ما كانت تريده»، وأكدت مجدداً حقها في الدفاع عن النفس.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق بانه «خطأ تاريخي واتفاق سيء يقدم لإيران ما كانت تريده: رفع جزء من العقوبات والإبقاء على جزء أساس من برنامجها النووي». إلا أن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز اعتبر أن الاتفاق هو مجرد إجراء «مؤقت» يجب الحكم عليه بناء «على نتائجه». وفي وقت لاحق، أعلن عدد من النواب الأمريكيين أن على الكونغرس الأمريكي أن يبقى على موقفه ويتبنى قراراً بتشديد العقوبات الأمريكية الحالية المفروضة على إيران، لكن هذه العقوبات الجديدة لن تدخل حيز التطبيق إلا إذا أخلت طهران باحترام الاتفاق النووي.