كتب - عبدالرحمن محمد أمين:
يجمع إبراهيم محمد بوزبون في منزله ما يخطر وما لا يخطر على بال، وفي إحدى غرفه المتربة الضيقة، يضع كل ما اقتناه من مفردات التراث البحريني على مر العصور، ليظل شاهداً على تراث لم يأفل إلا ليتجدد!
راكم إبراهيم في مستودعه أدوات النجارة القديمة، وأسطوانات الغناء وراديوهات وآلات كاتبة، وسلال الخوص، وساعات ووثائق وعملات وصور لشخصيات سياسية، لكأنه يوثق لمرحلة تاريخية ذهبت وهو يرفض هذا الذهاب.
عدوى تجميع المقتنيات التراثية جاءته من صديقه، ومنه أخذ التجربة وطورها حتى صارت عشقاً وهوساً لا شفاء منه، وهو اليوم يراكم من اللقى والمفردات ما يعجز عن استيعابه مستودعه الضيق.
يأخذ إبراهيم على وزارة الثقافة عدم اهتمامها بهواة جمع التراث الشعبي، ويطالبها بمتحف يضم هذا التراث ويحفظه ويحميه، ويقول إن هؤلاء الهواة أنجزوا المهمة الأصعب، ويبقى على «الثقافة» أن تستثمر بالتراث وترعاه وتروجه.
إبراهيم بوزبون من مواليد المحرق سنة 1949، ترك الدراسة بعد السادس الابتدائي لظروف عائلية، وكانت أول مدرسة يلتحق بها يديرها الراحل محمد بوهاني والثانية عبدالرحيم بوعلاي، وهو يذكر من المدرسين مبارك بن دينة، حسن وحسين المناعي، محمد صالح، عبدالعزيز العوضي، ومن المدرسين الفلسطينيين أبو مازن وأبو أسامة وراشد مال الله.
التحق بوزبون أولاً بالمدرسة الوسطى سنة 1954، ومنها انتقل إلى المدرسة الشمالية «عمر بن الخطاب»، قبل أن يتحول إلى مدرسة عبدالرحمن بن ناصر.
ويقول «أثناء العطل كانت لي أول مشاركة بالعمل في مجال البناء (المقهى الشعبي) في سوق القيصرية، وأيضاً عملت بشركة أحمد منصور العالي حين تأسيس مدينة عيسى».
عندما ترك المدرسة سنة 1965 عين مراسلاً في البنك البريطاني، وبعدها وبفضل خاله الراحل حسن عبدالله بوطربوش حصل على وظيفة في شركة الخطوط الجوية البريطانية، وبعدها التحق بالعمل في شركة طيران الخليج.
وفي سبعينات القرن الماضي تحول إبراهيم بوزبون إلى شركة «باس» لخدمات مطار البحرين «كنت حينها أعمل سائقاً وبعدها أصبحت مسؤولاً عن السائقين، ثم تحولت إلى قسم الصحة حيث عينت مساعد مسؤول وضابط الصحة في قسم الأغذية والصيانة والتنظيفات، وأرسلتني الشركة أكثر من 25 مرة في دورات لدول منها أستراليا، ألمانيا، بريطانيا، سنغافورة، كندا، ولبنان، وابتعثت ومن معي إلى لندن مراراً في طور مواكبة تطورات العمل في الدورات التدريبية والتعليمية».
الهوس بمفردات التراث
وحول بداية تعلقه بجمع المقتنيات والمفردات التراثية، يقول بوزبون «بدأت هوايتي في جمع الآثار سنة 1965 حين تعرفت على الصديق عبدالله باقر، وكثيراً ما كان يتحدث عن الأشياء القديمة عندما أخبرته أن بحوزتي القليل من الآثار القديمة، وكان يشاركني الحديث عن هوايته».
كان بوزبون يملك «كابينة» فوق سطح منزله في المحرق وتحديداً فريج البوخميس «كنت أجمع الأشياء داخلها، وبعد أن عملت بنيت غرفتين فوق السطح، وخصصت واحدة لهذه الهواية، حيث كنت ألصق الصور على الجدران وكانت بمثابة ملتقى للأصدقاء والمعارف، وفي سنة 1975 كانت سنة زواجي وقضيت شهر العسل في سنغافورة، وحينها زرت وزوجتي شارع العرب، وكان يحوي العديد من المحلات الأثرية، واقتنيت عندها بعض الأشياء مثل راديو وبعض الساعات والأسطوانات الهندية، وأكثر مقتنياتي كانت من الهند والبحرين».
رزق إبراهيم بوزبون بمولوده الأول سنة 1977 وكانت فرحته وزوجته لا توصف «أسميته حسن، وفي سنة 1980 جاء محمد وبعده أحمد في سنة 1985، واختتمت المواليد ابنتي مريم سنة 1989 وآخر العنقود شريفة 1995».
المتحف المفقود
ويشكو بوزبون غياب الاهتمام الرسمي خصوصاً من جانب وزارة الثقافة بهوايتهم «الوزارة لا تهتم بهواة جمع الآثار ومفردات التراث القديمة، ولا يوجد أي تواصل بيننا، وعندنا المئات من هؤلاء الهواة موزعين بين مناطق البحرين المختلفة، والبعض يضع مقتنياته في غرف ضيقة أو على سطوح المنازل أو كراج السيارة، وهذه الآثار غير مؤمن عليها أصلاً، وأي حريق يفقدنا جزءاً كبيراً من تفاصيل تراثنا».
ويقترح إبراهيم بوزبون على وزارة الثقافة إيجاد مقر دائم لهؤلاء الهواة، وتخصيص متحف يجمع هذه المقتنيات النادرة والأصيلة.
مواقف حياتية
ويتذكر بوزبون جانباً من ذكرياته، ولاتزال مواقف حياتية سابقة عاشها حية لا تموت «كنت أذهب مع عمي بالسفينة برحلات بحرية مع الجيش الإنجليزي، كانوا يستأجرون البانوش من عمي الراحل حسن بوزبون، يخرجون برحلات بحرية على سواحل البحرين ومياهها الإقليمية، وكنا نرى الجيش البريطاني يحتفل بعيد الكريسمس عند «آريف» قرب مسجد العيد بالمحرق».
كان بوزبون يستمتع كثيراً بالذهاب مع أصدقائه في «الكشتات» يقول «كنا نذهب إلى النخل حيث برك السباحة، وخاصة نخل التينة ما بين الدير وسماهيج، وكانت أكثر أوقات السباحة مع الأصدقاء في بحر الجسر القديم، وهذا المكان مشهور باسم الزلاقة، ويقع قرب المستشفى القديم، وهو الشارع الرئيس بالمحرق».
إبراهيم ورفاقه كانوا يركبون الدراجات ويطوفون بـ»آريف»، والدير وسماهيج وقلالي ويعودون أدراجهم من الحد وعراد ويطوفون في طريقهم بالمطار عائدين إلى المحرق «أكثر الأوقات الممتعة كنت أقضيها مع أقربائي وأصدقائي في مجالس المحرق ونحن نشاهد التلفاز الأبيض والأسود ونذهب إلى السينما القديمة بالمحرق لمشاهدة الأفلام الهندية والمصرية وأفلام عنتر وعبلة، وبالمنامة كانت هناك العديد من صالات السينما مثل الحمراء وبن هجرس والزياني والبحرين وأوال».
المحرق بالقلب
ويجزم بوزبون أن عشقه للمحرق لا يدانيه عشق «ولدت فيها وتربيت بين الأهل والأصدقاء، والذكريات فيها لا تنسى أبداً، حتى تم إعطائي أرضاً سكنية في الرفاع من قبل (المغفور له بإذن الله) الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة سنة 1977 وبنيتها وسكنت فيها سنة 1979 بسبب عدم توفر الكهرباء في ذلك الوقت، وعرفت العديد من الناس الطيبين الشرفاء الكرماء من الرفاع، أولهم عائلة جبر بن شبيب النعيمي منهم الوالد شبيب النعيمي، والابن جبر بن شبيب والأخ ناصر بن شبيب وعبدالله بن شبيب».
كان والده الراحل محمد بوزبون يكن لكل هؤلاء معزة خاصة «إلى اليوم هم من أعز أصدقائي، لن أنساهم ما حييت، وأوجه لهم شكري الكبير ولعائلاتهم الكريمة، لكن مع ذلك تبقى المحرق عزيزة على قلبي، وأزورها دوماً وكلما سنحت الفرصة».