حذر الأكاديمي في القانون الدستوري والعلوم السياسية المستشار محمد آل بن علي من خطورة الدعاية الانتخابية تحت قبة البرلمان، لافتاً إلى أنها تهدد السلم الأهلي السياسي بحيث يفقد المواطن ثقته في الحكومة ظلماً ويشكك في نزاهتها وخدماتها لمصالحه، وربما تصل إلي الأمن الاجتماعي سياسياً أي اختلاف العامة من الشعب بسبب سلوك النائب مما يتطلب إعادة بناء الحراك الاجتماعي بعد تبلور فئات المجتمع وتأسيس مفهوم الوطنية والانتماء للوطن وخصوصاً مع الحكومة.
ولم يستبعد المستشار أن تمتد آثار الدعاية الانتخابية تحت قبة البرلمان إلى السلم الأمني، مشيراً إلى أنه قد تحدث مصادمات بين مواطنين مؤيدين يخلون بالأمن العام وقوات الأمن الحكومية، مبيناً أن الدعاية الانتخابية تحت قبة البرلمان لا تقل خطورة عن العمل الديمقراطي الذي لا يرجح كفة المواءمة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في العمل السياسي.
وأضاف بن علي مخاطباً النواب: إن الدعاية الانتخابية لها وقتها وفق القانون ولكم في هذه الفترة أن تقولوا ما تقولون من أجل فوزكم بمقعد في البرلمان، لكن حافظوا على استقرار أوطانكم السياسية دون دغدغة المشاعر في مقترحات أنتم تعلمون استحالة تنفيذها مالياً أو زمنياً، المهم أن ندرك خطورة الدعاية الانتخابية تحت قبة البرلمان على المشروع الديمقراطي في أوطاننا العربية الناشئة سياسياً وديمقراطياً في تطبيق هذا العمل الأيديولوجي الغربي.
وأوضح المستشار أن الديمقراطية في فكرتها العامة مشاركة سياسية فعالة للشعب في صنع القرار من خلال ممثلين لهم في البرلمانات، أي منهج حكم وتقنية معاصرة للمشاركة السياسية، وليست وصفة جاهزة لحل مشكلات المجتمع، وعلينا أن نفهم كذلك أن الديمقراطية الدستورية في مشروعها تستهدف قبل فكرة المشاركة السياسية الفعالة للشعب في صنع القرار وبعد ذلك ضبط الصراع السياسي وتوزيع القوى والسلطات وصولاً للسلم الأهلي، وتأسيس مفهوم المواطنة والوطنية بين فئات المجتمع بعضهم البعض وبين المجتمع والسلطات الحاكمة – التشريعية والتنفيذية والقضائية – وأيضاً مفهوم كذلك أن الديمقراطية أيديولوجية غربية وتحقيق التلاؤم معها ومع الدهنيات والمعطيات السائدة لدى شعوب البلاد العربية يثير الكثير من التحديات نحو الحداثة والتحديث، كما أنها تشكل في الوقت نفسه خطراً على السلم الأهلي لدى الشعوب العربية إذا فقدت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية القدرة والكفاءة السياسية على التعامل مع الديمقراطية بصورة أعم وعلى ترجيح كفة المواءمة في العمل السياسي والذي يقوم أساساً على التعاون بينهم.
ولفت بن علي الى انه بسبب الذهنيات ومعطيات العقيدة السائدة للديمقراطية وحضارات شعوب البلدان العربية، فإن المشكلة الحقيقية للديمقراطية الدستورية في البلدان العربية ليس تحديات الحداثة بين الشرق والغرب كما يقال من أجل تطويرها وتنميتها، بل في القدرة والكفاءة السياسية على ترجيح المواءمة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في العمل السياسي الديمقراطي في برلمانات البلدان العربية.
وواصل المستشار: إن التاريخ المعاصر للعمل السياسي أثبت لنا بجلاء أن الديمقراطية الدستورية في البلدان العربية تتراجع أو تقف مكانها بسب فقدان القدرة والكفاءة السياسية على العمل والتعامل مع الديمقراطية بصورة أعم وأشمل خصوصاً من قبل البرلمانات في ترجيح كفة المواءمة مع الحكومات، ولكم في ذاك أمثله حية (مصر وتونس) حيث ترجيح كفة المواءمة السياسية بين أطراف القوى السياسية في التعامل مع الديمقراطية، وهذا هدد ثم ضرب السلم والأمن الأهليين. ونستطيع أن نقول هنا (ما بين الديمقراطية في البلدان العربية والفوضى جدار شفاف) لا يمكن لأي مشروع ديمقراطي دستوري أن يحقق تطلعات شعوب هذه الدول مادام العمل الديمقراطي يفتقد القدرة والكفاءة على ترجيح كفة المواءمة السياسية بين السلطة التشريعية والتنفيذية.
وأكد بن علي أن ما لا يفهمه كثير من النواب والقانونين الدستوريين والسياسيين والمثقفين موضوع الدعاية الانتخابية تحت قبة البرلمان وخطورتها على السلم الأهلي، لافتاً إلى أن هناك ظاهرة فريدة من نوعها في العمل السياسي الديمقراطي قاصرة على البرلمانات العربية لا مثيل لها في العالم الغربي صاحب فكرة النظام السياسي الديمقراطي، وللأسف فإن المواطن العربي يدركها في بداية دور الانعقاد الأول والثاني والثالث وينساها في دورة الانعقاد الأخير للفصل التشريعي للبرلمان، وهي اتهام النواب في تلك الفترة بالتقصير في تنفيذ وعودهم الانتخاب التي أعلنوا عنها في برامجهم الانتخابية وأن هؤلاء النواب الذين فاز وفي الانتخابات البرلمانية يعملون بعد فوزهم على تحقيق مصالحهم الخاصة وأقاربهم وأصدقائهم المغربين أولاً وأخيراً، لكن نواب الشعب العربي على ذكاء ودهاء سياسي لا نضير له عند نواب الدول الغربية، فالنائب العربي يختار دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي ليضرب عصافير بحجر واحد فيعمل على طرح اقتراحات بقانون ورغبات تدغدغ مشاعر المواطن ويسترجع شعبيته التي فقدها في دور الانعقاد الأول والثاني والثالث ويظهر وطنيته وإخلاصه لتحقيق تطلعت ناخبيه وغيرهم وشجاعته وجرائه وتسجيلها في سجل بطولاته الوطنية كممثل لشعب ومجاهد لنيل حقوقه من السلطة التنفيذية الظالمة للشعب.. و..و..و عصافير سياسية لا تحصى.
وتساءل المستشار: ماذا يستهدف هذا النائب العربي في البرلمان في هذا التوقيت لآخر من عمرة وعمر البرلمان؟ الإجابة التي لا يفهمها الكثيرون هي دعاية انتخابية تحت قبة البرلمان مجانية تنقل عن كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. والسؤال الثاني كيف نحدد هؤلاء النواب العرب الذين يدغدغون مشاعر المواطنين؟ الإجابة سهلة الغاية، فان أكثر شيء يدغدغ مشاعر المواطن العربي المطالبة بتحسين وضعة المعيشي في زيادة دخلة المالي الدائم كالزيادة في الرواتب أو المكافآت أو العلاوات الشهرية أو الدعم المالي السنوي للمواطن أو الأسرة بمناسبة مثلاً يعيد العمال أو يعيد الأم أو رأس السنة أو مولود جديد أو العيد الوطني أو..أو..
وأضاف بن علي: إن المناسبات كثيرة في الوطن العربي تتيح لنائب فرصة كبيرة في طرح المقترحات والرغبات على الحكومة. وهؤلاء هم النواب المغنين الذي يدغدغون مشاعر المواطنين. والسؤال الأخير: كيف نميز الاقتراحات والرغبات التي يطرحها النواب العرب التي تستهدف الدعاية الانتخابية له وليس المواطن؟ الإجابة سهلة كذلك، توافر أمرين، الأمر الأول أن يكون الموضوع في الاقتراح برغبة مالي بحت يتصل تنفيذه بالميزانية العامة للدولة مباشرة ولم يدرج له باب في الميزانية عند إقرارها من قبل البرلمان وان كانت الميزانية تسمح بالوفاء المالي لذلك المقرح برغبة بترحيل مبالغ مالية فائضة من باب إلى باب آخر. الأمر الثاني أن يطرح النائب الاقتراح برغبة في دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي لأن دور الانعقاد الأخير في مدته الزمنية لا يكفي لتنفيذ الاقتراحات برغبة المالية المتصلة الميزانية خصوصاً إن كان الدعم المالي شهرياً أو سنوياً وليس لمرة واحدة.. فتحقق هذين الأمرين دليل قاطع على أن النائب يمارس عمل الدعاية الانتخابية المجانية تحت قبة البرلمان وليس من أجل مصلحة المواطن، ويجب على المواطن العربي أن ينتبه لذلك.