إلى متى سيقبل الإنسان على نفسه أن يعيش في محيط وهو عالم بظلمه؟ إلى متى سيقبل أن تهدر إنسانيته حتى يكسب رضا الناس عنه، إلى متى سيقبل أن يستقي العلم ممن لا علم له عنده على الرغم من علو مرتبته العلمية؟
كثيراً ما يقف الإنسان حائراً أمام بعض المواقف التي قد يتعرض لها أو تقابله خلال يومه سواء في محيط عمله أو محيطه الاجتماعي، قد تزرع فيه إحساساً يثقل في صدره ويتساءل أحياناً ماذا يجب علي فعله؟ هل أبادر أم أنسحب؟ هل أناقش أم أصمت؟ فيأخذه النزاع على هذه الأمور بعيداً في فكره، فيجد ذلك الموقف الذي كان أمامه قد انتهى، وهنا تبدأ المرحلة الثانية في الفكر ويبدأ نوع جديد من التساؤل لماذا لم أفعل شيئاً مما أنا مؤمن به؟ لماذا وقفت صامتاً إزاء موقف كان لابد لي من دور فيه؟ وهكذا تبدأ في حياة كل منا معركة داخلية ما بين أن نكون ما نحن عليه وما بين أن تتكون شخصية أخرى قبلت على نفسها أن تتقوقع في محيطها وترفض الإفصاح أم إعلان ما بداخلها حتى لا تتعرض لما هو أشد من ذلك.
هذه الدائرة التي أحكم غلقها وقد أصبحت كالطوق الخانق الذي منع الصوت من الوصول والحق من أن يسمع جعلت المجتمع يتراجع إلى الخلف في عطائه وإبداعه بل وحتى في أخلاقه وتعاملاته، وهذه الأمثلة عليك يا أخي القارئ أن تقرر ماذا عليك أن تفعل أو تواجه.
كثير منا فقد بشريته وأطلق العنان لنفسه للتجبر والتسلط ورفض النقاش والنقد والوقوف مع الخطأ ومحاباة الأحبة وذوي القربى، فأنشأ بذلك إنساناً ضعيفاً منافقاً غير قادر على العطاء والإبداع.
إلى متــى سيقبل الإنسان أن يفقد صحته حتى يشار إليه بالبنان؟ إلى متى سيقبل أن يوأد حلمه وطموحه وفكره وإبداعه وقدرته على العطاء والإنتاج حتى تنتهي رغبته في كل ذلك؟ إلى متى سيقف أمام كل هذه الأمور متفرجاً من دون أن يجد الحلول التي قد تعيد إليه إنسانيته وقدرته على الوقوف والمواجهة حتى يصل إلى القناعة التي آمن بها طول عمره؟
ليس هناك أحد منا لم يتعرض لموقف في حياته فرض عليه هذا النوع من الأسئلة المحيرة سواء كانت في مجملها أم بعضها، وقد يجد البعض منا الحلول فيبادر إليها وقد لا يجد غيره ذلك، فتظل هذه الأسئلة حبيسة بداخله يتعايش معها كل يوم في فكره حتى تؤدي به إلى قبول الواقع المظلم ويعيش حالة الرضا ويقنع عقله بذلك فيصبح مثل الآلة التي تعمل دون الإحساس بأي شعور.
صالح بن علي