كتب - أحمد الجناحي:
اتخذت الفنانة هلا آل خليفة من «القرقور» مادة صنعت منها نصباً على شكل معرض أقامته مؤخراً في بيت مطر بمحافظة المحرق، بتنظيم من مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، معبراً عن حياة الغواصين، بشواطئ خلابة وشعاب مرجانية وأسماك تسحر الرائي وشمس ذهبية تشع دفئاً وجمالاً.
والعمل المقدم عبارة عن عـمل تجهـيزي، مؤلف من قفص معدني ضخم بعلو ثـلاثة أمـتار وقـطره 6، ذي قـضـبان متـشـابـكة، عـقدت عليه شـرائط مـن القـمـاش الأســود، مـضـاء من الداخل بمصباح إنارة، ما يجعل ظلال الـشرائط السـود تنتشر وتتطاير في فضاء قاعة العرض لتغدو جزءاً لا يتجزأ من التكوين المشهدي الآسر، وعلى صوت أمواج البحر يدرك الزائر أن هذا القفص أعدّ لصيد البشر بروعته وسحره، خصوصاً وأن هناك امرأة جالسه عند الشاطئ، ترسم دائرة على الرمل تحيط القرقور، وتدفن المحار في الرمل وتربط الشرائط على أسلاك القرقور، ثم تجلس صامتة تنتظر أو تصلي شاكية أحزانها للبحر. تقول هلا آل خليفة لـ»الوطن»: جذبني تصميم «القرقور» الذكي والجميل، عندما كنت أتأمله في أماكن مختلفة على شواطئ البحر، حيث الحرفة العالية في نسيج الأسلاك كانت متقنه ومميزة، وبقي هذا الإعجاب في الذاكرة لفترة طويلة، حتى خطرت لي فكرة رسمة أولاً والتعرف أكثر على شكله من خلال التخطيط على الورق، واخترت أن أشتريه، وغمرتني السعادة وأنا أحمله في سيارتي رغم صعوبة تحميله في المركبة، حتى أصبح له بيت جديد في قلب مرسمي.
وتضيف: أصبح تفاعلي مع المجسم بشكل يومي، حتى قررت أن أصنع منه نصباً لذكرى الغواصين، واخترت أن أغطي سطحه بمئات «الشرائط» السوداء، حيث ترمز كل شريطة لأحد الغاصة الذين دخلوا البحر ولم يخرجوا منه سالمين، مشيرة إلى أن فكرة الشرائط جاءت من وحي ألوان الشرائط المختلفة التي ترمز إلى ذكرى حدث معين، أو مرض معين، كفانا الله الشر وحفظنا من كل مكروه وسوء.
وتشير الفنانة إلى أن المألوف في مجتمعنا أن الشرائط الوردية ترمز لمرض سرطان الثدي، بينما ترمز الشرائط الصفراء لمفقودي الحرب، والآن الشرائط السوداء ترمز لأحد الغاصة الذين دخلوا البحر ولم يخرجوا منه سالمين.
هلا آل خليفة تهدف من وراء هذا العمل أن تستحضر تراث البحر والغوص، إلى جانب تحويل أداة مألوفة من التراث الغني إلى عمل فني معاصر، وحول ذلك تقول: إن مادة العمل مألوفة ومن تراثنا، لكنها تتميز هنا بتحولها من حجمها الأصلي إلى حجم كبير تصدر قاعة العرض في بيت مطر بالمحرق، وحتى العمال الذين نفذوا المجسم كانوا مستغربين من التصميم وتنفيذه بحجم قطر 6 أمتار وطول 3 أمتار.
وتعبر هلا آل خليفة عن سعادتها باهتمام الزائرين بالمعرض، مردفة: أنا سعيدة وشاكرة لكل من شاركني افتتاح المعرض، فالمجسم لم يكتمل إلا بالجمهور الذي أصبح جزءاً من العمل، إضافة للناس الذين ولجوا إلى داخل «القرقور» رغبة في تجربة الإحساس وهم داخل مصيدة، حيث ترمز للبحر الذي أمسك بصيادي اللؤلؤ وسرقهم عن أحبائهم.
كذلك يبدو أن للبحر مكانة خاصة في وجدان هلا آل خليفة، وبشأن ذلك تقول: أنا ابنة البحرين «لؤلؤة الخليج « المحاطة بالبحر، البحر الذي يشكل جزءاً من اسمها، لذلك أنتمي لكل ما يحمله المكان بطبيعته وجغرافيته من معانٍ جميلة. تؤثر علي بعفوية نظراً لكونها جزءاً من تكويننا.
لكن الفنانة لا تؤمن بأن البحر غدّار، وتجد فيه ظلماً، متسائلة: هل يمكن نكران جمال البحر وتجاهل خيراته؟! إن لكل شيء جانباً إيجابياً وآخر سلبياً!. مستعيدة في ذهنها أمسيات البحر، حيث غناء الفجري، ونغماته الملأى بالعاطفة والغموض.
ولأن العمل الفني قطعة من خيال الفنان، تؤكد الفنانة أن عملها هذا بأسلاكه الرقيقة يسكن مخيلتها، لكن في المستقل ربما ولدت أدوات أخرى للبحر سلسلة أعمال جديدة، مبينة أن الفنان لا يختار، بل إن الأفكار تأتي بالصدفة غالباً، لكن على الفنان توظيفها بالشكل الصحيح.
والفنانة هلا آل خليفة، من خريجات مدرسة الفنون في بوسطن، تابعت دراساتها العليا، وحصلت على شهادة الماجستير في الفنون من مدرسة سليد في جامعة لندن. عرضت أعمالها في البحرين ولندن والشارقة ومصر وتونس وقطر. وتأثرت بأسماء كثيرة من رواد الفن في العالم العربي، ويتسم أسلوبها بالتعبير عن الذاكرة الجماعية. تعمل بخامات متعددة منها الرسم والتركيب والفيديو عن مفاهيمها الفنية.