قال مختصون، إن: «الدعم الحكومي الموجه إلى المواد الغذائية والسلع الرئيسة «الدقيق واللحوم الحمراء والدجاج والكهرباء والماء والمبيعات المحلية للنفط والغاز» شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال ست سنوات، مضيفاً أن الدعم بلغ في العام 2007، حوالي 823 مليون دينار بحريني، فيما وصل إلى حوالي مليار و126 مليون دينار بحريني مع نهاية العام 2012، ومن المتوقع بحسب تقديرات ميزانية العام 2014 أن يصل الدعم إلى أعلى مستوى له بمقدار مليار و378 مليون دينار بحريني».
وطالب عدد من المختصين، في البرنامج التلفزيوني «آراء وأبعاد»، الذي بثه تلفزيون البحرين مؤخراً، أهمية مراجعة الدعم الحكومي المقدم لفئات المجتمع البحريني كافة، من خلال إعادة توجيهه لضمان وصوله إلى مستحقيه من المواطنين مباشرة.
وأكدوا أن «فلسفة الدعم مطبقة في العديد من دول العالم وتأخذ أشكالاً عدة، بينها الشكل المطبق في البحرين منذ القرن الماضي المتمثل في دعم السلع الأساسية، فيما أثبتت الدراسات جدوى الشكل الآخر الذي يتمثل في تقديم الدعم المباشر للمواطنين المستحقين عن طريق التحويلات النقدية، مشيرين إلى ما يمثله الدعم من ضرورة مجتمعية، كونه يعمل على تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي».
واتخذ المشاركون في البرنامج منتج الديزل كمثال، موضحين أن دعم المنتجات النفطية في شتى دول العالم يعد عبئاً على تحقيق التنافسية في القطاع التكريري، لما عُرف عن هذا القطاع تحقيقه لهوامش ربحية منخفضة.
وتطرق المختصون إلى الآثار التي ترتبت على سياسة الدعم الحالية، بينها المحاولات المستمرة لتهريب السلع الأساسية والمواد الغذائية المدعومة محلياً إلى الخارج، خصوصاً الديزل، للاستفادة من فارق سعر البيع المتدني محلياً والمرتفع في الدول المراد تهريب تلك السلع إليها، الأمر الذي يشكل ربحاً سريعاً لمن يقوم بهذه العمليات المخالفة للقانون.
وأشاروا إلى أن الدعم الموجه إلى المنتجات النفطية ارتفع بنسبة 93% بين العامين 2007 و2012، إذ بلغ الدعم في العام 2007 ما قيمته 149 مليون دينار بحريني، لكنه ارتفع إلى حوالي 288 مليون دينار مع نهاية العام الماضي. في حين تشير الإحصائيات الأولية إلى أن إجمالي الدعم لهذه المنتجات قد بلغ حوالي 213 مليون دينار بحريني حتى سبتمبر من العام الجاري.
على صعيد متصل، عرض البرنامج إحصائية تشير إلى أن أكبر القطاعات المستهلكة للديزل في البحرين في العام 2012، كان قطاع الإنشاء والنقل البري بنسبة 77%، في حين تتفاوت تلك النسب بدرجات أقل بين القطاعات الأخرى، كقطاع الاستخدام البحري بنسبة 13%، وقطاع الصيادين بنسبة 7%، والقطاع الحكومي بنسبة 3%.
وقال الوكيل المساعد للشؤون الاقتصادية بوزارة المالية يوسف حمود إن: «آخرين من غير المستحقين، بمن في ذلك المقيمون والزوار السائحون وكبريات الشركات والمؤسسات التجارية، أصبحوا يشاركون المواطن البحريني في الحصول على الدعم الحكومي، وهو ما يعيق وصوله إلى مستحقيه من المواطنين».
وعد حمود، الدعم الحكومي، ضرورة مجتمعية في البحرين لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك فإنه لابد من أن تواكب سياسة الدعم المتبعة حالياً التطور الاقتصادي والسكاني الذي نشهده، مضيفاً أن النموذج الحالي قائم على دعم العرض، أي دعم السلع، بدلاً من دعم الطلب، ما يقلل من كفاءة الدعم ووصوله للمستحقين.
وقال إن طريقة الدعم الحالية مطبقة منذ أن كان عدد سكان البحرين قبل أكثر من 20 عاماً لا يزيد عن نصف مليون نسمة ولم يكن الدعم في ذلك الوقت يمثل أي عبء على الميزانية العامة للدولة، في حين يبلغ عدد السكان حالياً حوالي 1.2 مليون نسمة، وبلغ إجمالي الدعم الحكومي الفعلي للسلع الأساسية والمواد الغذائية مع نهاية العام الماضي 2012 ما قدره مليار و126 مليون دينار بحريني».
وأوضح أنه «في حالة الاستمرار في اتباع الآلية الحالية للدعم الحكومي القائم على دعم السلع الأساسية والمواد الغذائية، فهذا يعني استمرار استفادة الفئة الأكثر استهلاكاً لهذه السلع من الدعم، وهي الفئة ذات القدرة المالية العالية من المقيمن والزائرين والسيَّاح، لا الفئات المستحقة».
وأضاف حمود، أن «الأسلوب الحالي المتبع في تقديم الدعم الحكومي يخلق نوعاً من عدم التوازن، ويخلق كذلك تشوهات في القطاعات الاقتصادية المعنية، ويحد من المنافسة والقدرة على تحقيق معدلات نمو اقتصادي أكبر، وحتى لا يفهم من العبارة السابقة أننا ندعو إلى رفع الدعم كلياً، بل كل ما نتمناه ونطالب به هو إعادة توجيه الدعم باستخدام أحدث الأساليب المطبقة عالمياً والتي أوصت بها العديد من الجهات الدولية المتخصصة في هذا المجال واعتمدتها العديد من دول العالم ألا وهو أسلوب التحويلات النقدية».
وأشار إلى أن «أسلوب التحويلات النقدية للمواطن يعني إعطاء المواطن القوة الكافية لتحديد سلوكه الاستهلاكي، فضلاً عن أنه سيكون حراً وصاحب القرار في اختيار نوع السلعة وجودتها وقيمتها بما يناسب قوته الشرائية، كما إنه سيساهم في ترشيد استهلاك هذه السلع».
وتابع حمود أن «البعض قد يتساءل أنه في حال تحرير الأسعار، ما الذي يضمن عدم ارتفاع الأسعار؟ ورأى أن ارتفاع الأسعار أمر منطقي، لكن في هذه الحالة سيكون الدعم النقدي للمواطن المستحق كافياً لتغطية الزيادة في السعر، إضافة إلى أن تحرير الأسعار سيوفر المزيد من المنافسة في القطاع الاقتصادي والتجاري، وبالتالي تقديم سلع وخدمات بشكل أفضل للمواطن من جهة، والاستفادة مما سينفقه المقيم والسائح، ذلك الإنفاق الذي سيوفر قيمة مضافة أكبر للاقتصاد الوطني من جهة أخرى».
وأشار إلى أن «النموذج المتبع حالياً غير قابل للاستمرارية على الأمد البعيد، نظراً للأعباء المالية المتزايدة الناتجة عنه، مؤكداً ضرورة البحث عن النموذج الأمثل الذي يحقق الديمومة والاستقرار للمالية العامة للدولة والاقتصاد الوطني والمتمثل في تقديم الدعم الحكومي للمواطن مباشرة».
ومن جانبه أكد مدير إدارة الدراسات والعلاقات الدولية في الهيئة الوطنية للنفط والغاز محمد الصياد إمكانية استثمار الملايين الناتجة عن العمليات غير المشروعة قانوناً التي يتعرض لها منتج الديزل المدعوم محلياً، المتمثلة في تهريبه إلى الخارج، في إنشاء المزيد من المشاريع التنموية التي تخدم المواطن، كالإسكان وتعزيز الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، خصوصاً وأن الكلفة السنوية لعمليات التهريب تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة ملايين دينار بحريني.
وقال الصياد، إن: «إجمالي الدعم الفعلي لمنتج الديزل بلغ مع نهاية العام 2012 حوالي 84 مليون دينار، أي بواقع سبعة ملايين دينار شهرياً، ويمثل هذا المنتج حوالي 29% من إجمالي الدعم الموجه إلى المشتقات النفطية، مشيراً إلى أن عمليات تهريب منتج الديزل، بلغت ذروتها في العام 2012 بعد أن تمكن مفتشو الهيئة من ضبط 17 حالة، في حين بلغ إجمالي عمليات ضبط تهريب المشتقات النفطية التي قام بها قسم الرقابة والتفتيش بالتنسيق مع شؤون الجمارك من العام 2006 ولغاية سبتمبر 2013 عدد 43 حالة، وذلك لتهريب كمية من الديزل المدعوم محلياً تقدر بحوالي سبعة ملايين لتر.
وأضاف أن «عمليات التهريب تشكل نزفاً مالياً للموازنة العامة للدولة بشكل سنوي ومتواصل، كونها لا تدخل إلى خزينة الدولة، وبالتالي لا يستفيد منها المواطن في توفير المزيد من المشاريع التنموية لصالحه، لذلك فقد أعدت الهيئة الوطنية للنفط والغاز مشروع قانون بشأن تجريم تهريب مشتقات النفط المدعومة، بما فيها تهريب الديزل المدعوم محلياً. وقد وافق عليه مجلس الوزراء الموقر، وصدر بشأنه مرسوم ملكي رقم «53» لسنة 2013 خلال فترة الإجازة البرلمانية، وهو الآن في أدراج مجلس النواب، ونتمنى أن تنتهي السلطة التشريعية من إقرار المشروع بقانون قريباً».
وأوضح أن «الهيئة تنظر إلى الدعم من زاوية ما يشكله من عبء وكلفة إضافية على العمليات الإنتاجية للقطاع النفطي في البحرين. ولأن الدعم هو إحدى أدوات السياسة المالية، وأحد أدوات إحداث التوازن المجتمعي والاقتصادي، إلا أن دعم المنتجات النفطية، وبخاصة غير الحيوية منها التي لا يستفيد منها المواطن مباشرة كالديزل، يعتبر نوعاً من العبء على تنافسية القطاع التكريري المعروف عالمياً بهوامشه الربحية المنخفضة».
وأرجع أسباب تهريب منتج الديزل إلى التشوهات السعرية في السوق، التي تتسبب في حدوث مثل هذه الخروقات، مضيفاً أنه في العام 2006 بدأت بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتحرير أسعار المشتقات النفطية، بما في ذلك الديزل، فيما ظل سعر بيع الديزل في البحرين ثابتاً كما هو عليه منذ العام 1983 ولغاية 2008، أي لمدة 25 عاماً، وكانت أول مراجعة لسعر بيع هذا المنتج في مارس 2008 بمقدار 30 فلساً، أي بعد أن كان الديزل يباع بمبلغ 70 فلساً للتر الواحد أصبح يباع بمبلغ 100 فلس لغاية هذا اليوم، إلا أن السعر الذي تم اعتماده منذ ذلك الوقت لا يرقى إلى سعر البيع في الدول المجاورة، ولا إلى سعر البيع في الأسواق العالمية، وهو ما أدى بالتالي إلى ازدياد عمليات التهريب للاستفادة من فارق سعر البيع، وقد تزامن ذلك مع تدشين مملكة البحرين في العام 2007 لمشروع الديزل منخفض الكبريت الذي بلغت كلفته 750 مليون دولار أمريكي الذي يتصف منتجه، وهو الديزل، بدرجة نقاوة عالية، ما يجعله أكثر جذباً لدى المستهلكين من تلك المنتجات المنافسة له في المنطقة».
وأشار الصياد إلى أن الحكومة، كانت ولاتزال تؤمن بأهمية دعم الصيادين لتوفيرهم للمستهلكين سلعة غذائية غنية بالبروتينات الطبيعية وتمتاز بأنها متجددة وذات قيمة صحية عالية ممثلة في سلعة الأسماك، فقد عمدت ومنذ ذلك الوقت إلى بيع الديزل بسعر خاص وهو 70 فلساً للتر الواحد، إذ تقدم الحكومة دعماً مالياً لحوالي 400 صياد مرخص من قبل إدارة الثروة السمكية، وذلك بمبلغ 350 ديناراً لكل سفينة صيد روبيان خلال موسم الصيد المصرح به من قبل الإدارة، و300 دينار لكل سفينة صيد أسماك، بإجمالي دعم سنوي يبلغ 1.2 مليون دينار.
وقال الصياد إن: «دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعكف منذ فترة على دراسة أسعار المشتقات النفطية بين دول المجلس من خلال العمل على تقريب الأسعار، الأمر الذي نتمنى أن يحدث قريباً حتى يساهم في التقليل أو القضاء على ظاهرة التهريب، فضلاً عن خلق نوع من الواقعية الاقتصادية في الأسواق، كون أسعار البيع الحالية لا تمثل السعر الحقيقي للسلعة أو المنتج، لأنها تباع بكلفة أقل من كلفة الإنتاج أو من السعر العالمي».
وبدوره أكد مدير إدارة جمارك المنافذ البرية بشؤون الجمارك في وزارة الداخلية المقدم عبدالله الكبيسي أن شؤون الجمارك تمكنت في الفترة من 2008 وحتى سبتمبر 2013 من ضبط 152 حاوية كانت تحاول تهريب ثلاثة ملايين لتر من الديزل المدعوم محلياً عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية لمملكة البحرين.
وقال الكبيسي إن حالات تهريب الديزل المدعوم محلياً زادت في الآونة الأخيرة إلى الخارج، بسبب ثبات سعره في البحرين منذ العام 2008 والذي يباع منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم بسعر 100 فلس للتر، وارتفاع سعر بيع المنتج نفسه في الدول المجاورة التي عمد بعضها على تحرير السعر وبيعه وفق السعر العالمي، الأمر الذي يعد بمثابة تجارة سهلة ومربحة لكل من يعمل في مجال تهريب المشتقات النفطية بأنواعها للاستفادة من فارق سعر البيع في حال تمكن من تهريب المنتج إلى الخارج».
وأوضح أن أعلى الحالات التي تمكنت شؤون الجمارك من رصدها وضبطها كانت ما بين العامين 2010-2012، وسجلت الأخيرة حالات ضبط 69 حاوية كانت تحاول تهريب منتج الديزل المدعوم محلياً إلى الخارج، وهو رقم يعتبر الأعلى منذ العام 2008.
وتابع أنه «على الرغم من أن مسؤولية الجمارك تتمثل في التأكد من ضمان عدم تهريب أو خروج أية سلعة مدعومة محلياً إلى الخارج، كاللحوم الحمراء والدقيق والمنتجات النفطية بما في ذلك منتج الديزل، إلا أننا في بعض الأحيان لا نتمكن من ضبط تلك العمليات الخارقة للقانون بسبب ما يبتكره المهربون من وسائل وحيل يصعب اكتشافها في بعض الأحيان والتي من بينها في حالة تهريب الديزل وضع أكياس داخلية بمواد أخرى للتمويه على سطح المنتج، أو التهريب عن طريق البراميل واستخدام الأوعية والخزانات البلاستيكية، وغيرها من تلك الأساليب».
وأشار الكبيسي إلى أن «الإجراءات المتبعة في حال ضبط ما يمنع القانون تمريره عبر المنافذ، فإن المعنيين في شؤون الجمارك يتخذون كافة الإجراءات القانونية عن طريق الشؤون القانونية التابعة لشؤون الجمارك بعد أن يتم تحريز المواد وكتابة تقرير حولها، وتقوم الشؤون القانونية بتوجيه القضية إلى النيابة العامة».
وقال المقدم الكبيسي، إن إجراءات التقاضي قد تتطلب وقتاً طويلاً، وفي ضوء ذلك، وقعت شؤون الجمارك وشركة بابكو مؤخراً مذكرة تفاهم، تقوم بموجبها شؤون الجمارك ببيع كميات الديزل المضبوطة في المنافذ الجمركية المختلفة لشركة بابكو، في سبيل السعي المشترك بين الجانبين للمحافظة على جودة وسمعة المنتجات الوطنية البحرينية، وحرصاً على الاهتمام بحماية المستهلك من الغش أو التلاعب بالمواصفات، فضلاً عن أن بعض المضبوطات قد تكون عرضة للتلف أو التسرب، بعضها قابل للاشتعال، فقد جاءت هذه الاتفاقية لتمكننا من استلام المواد المضبوطة والتصرف بها مقابل حجز مبلغ بقيمة المواد المضبوطة، ويرفق هذا المبلغ مع القضية حتى الانتهاء من الإجراءات القضائية».
ولفت الكبيسي إلى أن «عمليتي الرقابة والتفتيش في المنافذ البرية والبحرية والجوية جهد ليس بالسهل، خصوصاً على السلع الأساسية والمواد الغذائية التي تحظى بدعم حكومي، مضيفاً أن الدولة تتحمل كلفتين تشكلان عبئاً على ميزانيتها، الأول يتمثل في الدعم الحكومي ذاته الموجه إلى السلع، والثاني يتمثل في حجم الرقابة المطلوب للتأكد من ضمان عدم تهريب تلك السلع والمواد إلى الخارج بتوفير الموظفين المؤهلين والقادرين على التعامل مع كافة أنواع الضبط والتفتيش، الأمر الذي يعد كلفة إضافية تتحملها الدولة سنوياً وبشكل متواصل».
وأعرب الكبيسي عن تمنياته، أن يتم تطبيق تسعيرة موحدة لبيع المنتجات والمشتقات النفطية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمر الذي سيقضي تماماً على محاولات تهريب تلك المشتقات من وإلى تلك الدول عبر منافذها البرية والبحرية والجوية لعدم وجود ما يشجع على التهريب أو خروج تلك المشتقات بطرق غير مشروعة.
وناشد مدير إدارة جمارك المنافذ البرية بشؤون الجمارك في وزارة الداخلية المواطنين بأهمية الإبلاغ عن كل الحالات التي يشتبه في أنها تنطوي تحت عمليات التهريب غير قانونية، وذلك بالتواصل مع غرفة العمليات الجمركية على هاتف (17359666) التي تعمل يومياً وعلى مدار الساعة.