بقلم - علي الريس:
بعيداً تماماً عن الانقلابات السياسية، العسكرية منها أو الناعمة، سأتحدث عن أسرع الانقلابات في العالم وأسهلها على الإطلاق، إنه انقلاب المصلين على أئمة المساجد!
هذا الانقلاب يتسم بأن أدواته بسيطة جداً وذات جدوى لدى الجهة الرسمية المختصة، فكل ما على المصلين الذين يرغبون في تغيير إمام مسجدهم هو إحضار قلم وورقة تحوي كشفاً بأسماء وتوقيعات المصلين مع رسالة قصيرة تبدأ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم، وإمام قوم له كارهون»، ليدخل إمام المسجد بعد ذلك في دوامة تنتهي على الغالب بتغييره، متغافلين أو جاهلين بأن الكراهة في الحديث هي الكراهة بغير الحق كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «فلو كرهوه لأنه يحرص على اتباع السنة في الصلاة فإن إمامته فيهم لا تكره، لأنهم كرهوه بغير حق فلا عبرة بكراهتهم». على كل حال، هذا الإجراء يثير العديد من التساؤلات منها: من الذي جرأ بعض المصلين نحو الانقلاب على أئمة مساجدهم بهذه الصورة؟ أين مكانة الأئمة وتقديرهم؟ هل هذا الإجراء يتناسب مع رسالة المسجد ودور الإمام في المجتمع؟
لكن في المقابل، هل بعض الأئمة يستحقون الانقلاب عليهم فعلاً؟ ولماذا؟ قد يجيب كثير من المصلين بأن بعض أئمة المساجد غير منضبطين في حضور الصلوات، أو قد يكونون غير متقنين لتلاوة القرآن، أو أن معاملتهم مع المصلين غير سوية، وغيرها من الأسباب. وقد يقول قائل إن «لدى إدارة الأوقاف آلية تضمن لكل طرف حقه، من خلال تشكيل «لجنة» في كل مسجد هي بمثابة أهل الشورى، فيحتكم إليها في حال اختلفت الأطراف على أمر معين»، بيد أن هذه اللجان في حد ذاتها تثير تساؤلات أخرى منها: على أي أساس يتم اختيار أعضاء اللجنة؟ وهل يعلن الإمام عن الترشح لعضوية تلك اللجنة ويكون ذلك عن طريق الانتخاب؟ أم يختار من المصلين من يريد دون علم البقية؟ ومن ناحية أخرى، ما هي صلاحيات اللجنة؟ هل يقتصر دورها على ملاحظة كماليات المسجد من سماعات وإنارة وأثاث وغيرها؟ أو ربما قد يكون دورها هو الإسهام في تنظيم المحاضرات والدروس؟!، هل يحق لها مخاطبة إدارة الأوقاف وتزويدهم بتقارير تتعلق بالإمام؟ أم أن دورها يكمن في مناصحة الإمام فقط؟ أم كل ما ذكر صحيح؟!
لنكن أكثر واقعية، هذه اللجان غير واضحة المعالم والمهام، بل إن أغلب الأئمة إن لم يكن جميعهم غير مطلعين على ماهية هذه اللجان! والحق يقال، لقد أصبحت تلك اللجان مدعاة للتحزب في المساجد، فإما أن يكون الإمام مع اللجنة ضد بقية المصلين أو أن يكون مع المصلين ضد اللجنة، وفي مثل هذه الحالة أي الكفتين أرجح لدى إدارة الأوقاف في حال الاختلاف؟
والسؤال الأخير الذي يطرح نفسه، هل توجد آلية واضحة المعالم لمتابعة وتقييم أئمة المساجد حفظاً وتجويداً وانضباطاً وخلقاً، آلية قائمة على رصد ومسح وقياس وتحليل وتقويم، كل هذه الأسئلة والملاحظات التي في السطور وما بين السطور أتركها لإدارة الأوقــــاف، والله من وراء القصد.