قال المستشار محمد بن أحمد آل بن علي الأكاديمي في القانون الدستوري والعلوم السياسية، إنه يحق للمواطنين، في حال أقر المتحاورين في حوار التوافق الوطني، في حال أقروا الاستفتاء الشعبي، الطعن بعدم دستورية طرح اقتراح الاستفتاء الشعبي والإجراءات التمهيدية له أمام المحكمة الدستورية لإلغائه، فلا سند فقهي ولا مشروعية دستورية للاستفتاء الشعبي».
وأكد آل بن علي أن «الاستفتاء الشعبي وفقاً لمبدأ السيادة للشعب يجب أن يكون بنص الدستور فلا يجوز طرح التعديلات الدستورية بدون نص الدستور وكذلك القوانين والمواضيع السياسية والقضايا المهمة وأن مخالفة نص الدستور يجيز الرقابة القضائية على الاقتراح».
وخلص المستشار آل بن علي إلى أنه لما كان الثابت أن ميثاق العمل الوطني المتوافق عليه شعبياً والدستور أخذا بنظرية السيادة للشعب، وأن الدستور البحريني أقر الاستفتاء الشعبي استثناء على تلك النظرية وحقاً سياسياً تقديرياً غير ملزم».
وحدد نطاقه في مواضيع القوانين والقضايا المهمة مستبعداً التعديلات الدستورية، معتبراً أن توافق المتحاورين في حوار التوافق الوطني على طرح اقتراح أي تعديل دستوري للاستفتاء الشعبي مخالف لميثاق العمل الوطني والدستور معاً.
وقال إن: «الاستفتاء الشعبي بشكل عام وسيلة سهلة في التحول من أسلوب ديمقراطي، إلى أسلوب دكتاتوري استبدادي يهدر حقوق وحريات الأفراد والاستقرار السياسي على كيان الدولة خصوصاً إذا كان الوضع السياسي أو الأمني متدهوراً أو منقسماً أيدلوجياً أو متطرفاً أو فئوياً أو بسبب تدخلات أجنبية في الشؤون الداخلية».
وأضاف أن «الاستفتاء الشعبي، يدفع الأفراد داخل المجتمع للقول «بنعم» أو «لا»، من منطلق الأسباب السياسية أو الأمنية أو الطائفية أو العرقية وليس من منطلق المصالح العليا للدولة السياسية، والاجتماعية أو الاقتصادية، مؤكداً ضرورة عدم إجراء الاستفتاء في ظل هذه الظروف حتى وإن كان إلزامياً بنص الدستور».
ورأى أن المتحاورين من أجل الوصول إلى توافق وطني يخرج البلاد من أزمة الإرهاب والعنف لا يمتلكون المبرر السياسي والدستوري أو الفقهي لمطلبهم.
واستعرض المستشار آل بن علي مبادئ الفكر السياسي والدستوري للعمل الديمقراطي في هذه المسألة. وقال إن الاستفتاء الشعبي والانتخابات البرلمانية صورتان للعمل السياسي الديمقراطي لا ينتقص أحدهم للآخر ولا يرجح أحدهم على الآخر لكون الاستفتاء الشعبي والانتخابات البرلمانية يهدفان إلى وجود ممثلين عن المواطنين يحققان التمثيل في صنع القرار والمشاركة في الحكم، بمعنى أن الاستفتاء الشعبي والانتخابات البرلمانية يهدفان لمشاركة الشعب في تحديد مصيره ومستقبله السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وأضاف أن «الاستفتاء الشعبي تطبيقاً لنظرية السيادة للأمة، والأمة هي مصدر السلطان الابن الشرعي لنظرية سيادة الأمة ويترتب على الدساتير، التي تأخذ بمبدأ السيادة للأمة، عدم الحاجة لنص دستوري لاقتراح الاستفتاء».
وتابع آل بن علي «إذا نصت الدساتير التي تأخذ بمبدأ السيادة للأمة، فالقصد من هذا النص تحديد الطبيعة الدستورية للاستفتاء ونطاقه لا لإقراره. هل هو حق سياسي أم دستوري أو سياسي ودستوري معاً؟. وهل محدد أو مطلق من حيث الموضوع؟. وهل يخضع الاقتراح والإجراءات التمهيدية للاستفتاء الشعبي لرقابة البرلمان والقضاء الدستوري؟.
وأوضح أن «الاستفتاء الشعبي لا صلة له بنظرية السيادة للشعب، ومبدأ الشعب مصدر السلطان وإن نصت الدساتير عليه، فما هو إلا استثناء يرد على قواعد ومبادئ نظرية السيادة للشعب وغالباً ما يكون حقاً سياسياً يقرر لأصحاب الحق رئيساً أو برلماناً أو حكومة سلطة تقديرية في استعمال هذا الحق ودون مراقبة قضائية على اقتراح الاستفتاء إلا في المواضيع المحظورة دستورياً».
وقال آل بن علي، إن: «نظرية السيادة للأمة أقدم وجوداً من نظرية السيادة للشعب، ولكل منهما فلسفتها الخاصة في كيفية ممارسة العمل السياسي الديمقراطي، والنظريتان تحقق هدفاً واحداً وهو أن يكون للمواطنين دور في الحكم عن طريق الاستفتاء أو ممثلي الشعب، مشيراً إلى أن أنصار نظرية السيادة للشعب، استطاعوا إقناع فقهاء نظرية السيادة للأمة تقييد مبدأ الاستفتاء الشعبي لخطورته على استقرار العمل السياسي والديمقراطي».
وأضاف أن «الاستفتاء الشعبي لا يكون إلا في ثلاثة أمور، أولاً استفتاء دستوري أو استفتاء قانوني، أو استفتاء سياسي، مشيراً إلى أن جميع هذه المواضيع معقدة وتحتاج لطلب أصحاب الفتوى والرأي، بل إن البرلمانات الممثلة عن الشعب تكون في بعض الحالات غير قادرة على اتخاذ القرار في مثل هذه المواضيع إلا بعد استفتاء أصحاب الخبرة خصوصاً أن الاستفتاء يقرر بكلمة واحدة «نعم أو لا» دون نقاش».
وأشار المستشار آل بن علي إلى أن «أغلب الدساتير الغربية والعربية التي أخذت بنظرية السيادة للأمة كفرنسا ومصر، وضعت الاستفتاء بنص الدستور لتحديد المختص -رئيس أو حكومة أو برلمان- بممارسة حق اقتراح الاستفتاء والإجراءات التمهيدية والنطاق الموضوعي للاستفتاء، ومن أهم تلك الإجراءات طرح موضوع الاستفتاء على ممثلي الشعب «البرلمان» أولاً.. وإخضاع الاستفتاء ذي الطبيعة الدستورية لرقابة القضاء».
وأضاف آل بن علي، أن «نظرية السيادة للشعب في فلسفة الفقه الحديث، أفضل من نظرية السيادة للأمة، ذلك أن نظرية السيادة للأمة تقوم على اعتبار الأفراد المكونين لها وحدة واحدة لا تتجزأ، إذ إن الاستفتاء الشعبي يفرض رأي الأغلبية على رأي الأقلية، ما يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي في الدولة خصوصاً إذا كانت الأقلية تشكل نسبياً شريحة كبيرة داخل المجتمع».
وأوضح أن «نظرية السيادة للشعب، لا تعتبر الأفراد وحدة واحدة لا تتجزأ، وإنما السيادة للجماعة بوصفها مكونة من عدد من الأفراد، أي أن السيادة مجزأة بين عدد الأفراد المكونين للشعب بحيث تكون السيادة لكل فرد في الجماعة، لذا لا تأخذ نظرية السيادة للشعب بمبدأ الاستفتاء الشعبي وإنما بالتمثيل الشعبي في البرلمانات كقاعدة ليمارس تمثيله في الحكم، إلا استثناء وفي أضيق الحدود وكحق سياسي وسلطة تقديرية في استخدامه دون رقابة قضائية عليه».
وأكد المستشار آل بن علي، أن «مبدأ سيادة الشعب لا تقصي فئة أو طائفة من ممارسة العمل السياسي والديمقراطي في تحديد مصيره ومستقبله على العكس من مبدأ السيادة للأمة الذي يفرض آراء الغلبة على الأقلية منتزعاً منهم حقهم في السيادة، مضيفاً أن السيادة للشعب تقوم على التوافق لا على الأغلبية».