كتبت - أمينة المحميد:
يؤكد خبير إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية، راشد عبد الرحمن آل عبد العزيز المستشار بوزارة الداخلية من فترة 2008 إلى 2010 على أهمية توفير البيئة الملائمة داخل السجن لتحقق الإصلاح والتأهيل، لافتاً إلى أن هذه البيئة يجب أن تكون تحت الرقابة الطبية والقانونية تلحق بها المرافق اللازمة من صالة ووسائل التلفزيون والمكتبات، بالإضافة لتوفير الورش والمشاغل السهلة لكي يستفيد منها المسجون.
وعبر لقاء مع «الوطن» بمناسبة صدور كتابه «تاريخ المؤسسات العقابية في البحرين» يشدد آل عبد العزيز على التعاون بين وزارات الدولة بهذا الخصوص، مثل «العمل» و«التنمية»، و«التربية».
* أصدرت كتابك «تاريخ المؤسسات العقابية في البحرين» مؤخراً، فمتى تولدت لديك فكرة تأليف هذا الكتاب المهم؟
- عملت في السجون 40 سنة ومررت بأحداث كثيرة فقلت إنه حرام أن تذهب ولا تتوثق هذه الأحداث، فكانت الفكرة أولاً في عمل مذكرات أو ذكريات في السجن لكن المذكرات ستخصني بنفسي ولن تخص عموم الناس، فأتتني فكرة أخرى أن أعمل كتاب تاريخ المؤسسات العقابية كعموم وفي البحرين خاصة، لأن هذا المجال لا يوجد أحد كتب فيه أو تكلم عنه من قبل والناس تتحرج وتخاف الكتابة مع أن السجن مؤسسة إصلاحية كغيرها من المؤسسات أو أي نشاط آخر طالما هي فيها المواصفات المطلوبة وتطبق القوانين والأنظمة، فقلت أكتب عن السجن في البحرين. وفكرة الكتاب تولدت لدي قبل أن أتقاعد وبدأت بإعداده وأنا في الوظيفة. كنت أرجح كتابته وكتابة كتاب آخر عن الأساليب الحديثة للتعامل مع النزلاء، وبعد أن أنهيت كتاب «تاريخ المؤسسات العقابية في البحرين»، تسألني الوزارة عن الكتاب الآخر، لكني متكاسل قليلاً.
السجون قبل الإسلام
وما أهم مواضيع الكتاب؟
- يتحدث الكتاب عن تاريخ السجون في العالم بشكل عام وفي العصور القديمة وفيما بعد من عهد النبي موسى عليه السلام والنبي يوسف لأن فرعون هدد موسى بأن يكون مسجوناً، وبدأت بما قبل الإسلام وبعد الإسلام وبعد ذلك تم التركيز على السجون والمؤسسات العقابية والإصلاحية في البحرين، وبدأت بتاريخ 1920 وهي تأسيس الشرطة وتنظيم الأنظمة إلى 2012 وكل المراحل التي مرت بها السجون في البحرين، وأماكن التوقيف والسجن وفي الأخير مميزات السجون في البحرين، خصائص السجون في البحرين، الأنظمة والقوانين التي تتعلق بالسجون.
وكيف يمكن أن نهيء السجن للإصلاح والتأهيل؟
- من خلال توفير أمور كثيرة، فالخدمات والبرامج الإصلاحية والتأهيلية للسجن تعتمد على عدة نقاط منها المباني يجب أن تهيئ وتكون صالحة للسجون، فإذا لم تكن لدي مبان صالحة لإيواء المساجين لا أستطيع أن أقوم بعملية الإصلاح، ولا يمكن أن أضع 25 مسجوناً في غرفة صغيرة ولا يوجد بها تهويه ولا إضاءة ولا فيها مقومات الصحة.
مربط الحمارة جزيرة جدة
«مربط الحمارة» عنوان لفقرة من فقرات الكتاب، ما حكايتها؟
- مربط الفرس هو في جزيرة جدة، ففي العام 1930 كان مستشار حكومة البحرين بلغريف مع الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة جد الشيخ عيسى آل خليفة فلما ذهبا لجزيرة جدة قال المستشار أنها مكان ممتاز لوضع المساجين وغرسوا أول نخلة هناك. فجزيرة جدة كانت تبعد عن البحرين حوالي 4 كيلو أو 3 كيلو ونصف عن البحرين وكانت بالباخرة حوالي ثلث ساعة، وطبعاً في ذلك الوقت لم تكن هناك سيارات، فلكي ينقلوا الأغراض أخذوا الحمارة على أساس وسيلة نقل، وعملوا لها مكاناً مثل العريش حيث يربطونها وقت الليل فسمي مربط الحمارة، والمساجين هم من أطلقوا اسم سميرة على الحمارة وكان اسماً جديداً.
ما مصادرك لتأليفك هذا الكتاب؟
- أكثر ما اعتمدت عليه هي ما مررت بها، وأمور أخرى استقيتها من الناس الذين قبلي ومن الملفات الموجودة في الإدارة وفي وزارة الداخلية، الذين لم يقصروا بشيء، كذلك استفدت من المصادر المتعلقة بالسجون قبل الإسلام.
ثروة من الصور
وما سر اهتمامك بتزيين الكتاب بمجموعة صور؟
- إذا كان الشخص سيكتب قصة أو تاريخ علاقات دولية سياسية أو مثلاً عن الدين فهنا لا مجال للصور في الكتاب، لكن عندما يكون الكتاب منوعاً ودسماً وبه إحصاءات، فإن القارىء يفضل أن يكون موثقاً بالصور، القارئ يتساءل مثلاً أين مربط الحمارة سميرة؟ فيشاهد الصورة كدليل، والناس في العادة ترغب بالصور.
هل لقيت التشجيع لعمل كتابك؟
- الحمد لله من الأصدقاء وزملاء العمل، وبالنسبة للأهل والأسرة لقيت المساعدة حتى أثناء عملي في السجن، والذين يعملون في السجون يكونون عادة ذا مزاج حار، لكني شخصياً عندما أخرج من عملي أصبح شخصاً آخر، أما المسجونين فيعتبروني كالأب وأعتبرهم أخواناً وأبناء، لقد شجعني أيضاً أبنائي عبد الرحمن وعبدالله ومحمد، والجماعة في المجلس.
مجال غير مطروق
هل صادفتك أي صعوبات أثناء عملك في الكتاب؟
- الصعوبات هي البحث عن الحقائق الموجودة خصوصاً وأن هذا المجال لا مراجع له، فأمور السجن تكون سرية، وعملي في السجن أعطاني كثيراً من المعلومات.
هل لديك مشاريع أخرى؟
- أفكر في عمل جمعية رعاية النزلاء والمفرج عنهم وأسرهم، وهي موجودة في كثير من الدول، حيث تساعد المساجين مادياً وأدبياً وعلى التواصل مع أهل المسجون وتساعده في البحث عن عمل، ويتسع عمل الجمعية إن شاء الله وتجمع تبرعات من الناس لتؤدي حق المدينين بشرط أن لا تكون قضية مخلة بالأدب والأخلاق والمخدرات، فمثلاً أحد عليه شيك دين أو غرامة تدفع عنه بدلاً من أن يسجن. فالجمعية تدفع له من خلال التبرعات والزكاة، وبعض الأشقاء من دولة الكويت أخبروني أنهم سيساعدونني، والدفع يتم بطريقتين، الأولى أن تكون مبالغ بسيطة تدفع مباشرة، أو أن تكون 10 آلاف دينار فتقسم إلى ثلث تدفعه الجمعية وثلث يدفعه الشخص بالأقساط وثلث تتنازل عنه الحكومة، وهذه هي الفكرة والنائب العام رحب بها.
فرص كبيرة للشباب
وهل تجد أن الفرصة متاحة لأبنائك الشباب بشكل عام للكتابة وصقل مواهبهم؟
- نعم، فالمجال مفتوح أكثر من ذي قبل، عندما كنا أطفالا كنا نستلف الكتاب لنقرأه والكتب كانت محدودة والآباء لم يكونوا مثقفين فلم نلاق منهم التشجيع على القراءة وحال المعيشة لم يكن يشجع على التأليف، فمن يكتب يعتبر نابغة، أما الآن فإن الثقافة موجودة في كل مكان والهواتف الأجهزة الإلكترونية الإنترنت والمحاضرات في كافة المساجد، إذن فالمجال مفتوح أمام الشباب لأن يؤلفوا ويكتبوا، وأتمنى على الشباب أن ينتهزوا هذه الفرصة.
بعد 40 عاماً بين أروقة السجون، ماذا يقول عبد الرحمن آل عبد العزيز؟
- أنا والحمد لله كونت أسرة وأبناء تعلموا وتثقفوا، وقد عملت في مؤسسة صعبة الجميع ينفر منها، لكني أشعر أني قضيت عملاً ممتعاً، والسجن يتيح للكل أن يؤدي ما عليه، فالداعية يمكن يدعو في السجن لأن هناك كثيراً من المساجين غير ملتزمين، وهناك في كل شهر 2 و3 أشخاص يعلنون إسلامهم، فالسجن متعة من ناحية العمل وناحية الإصلاح ومن ناحية الدعوة إلى الله وحل مشاكل الناس وقضاء حاجاتهم شيء من عمل الله، وقضاء حاجات الناس شيء كبير.