كم لعبنا ومرحنا تحت تلك الأشجار الجميلة، نتظلل تحت تلك النخيل المرتفعة، فنقطف من ثمارها ونأكل من طعامها.
كنا مجموعة من الأطفال نرتع ونلعب لاسيما في فصل الصيف ذلك الفصل الرائع والمميز لدينا، بالرغم من شدة حرارته ورطوبته العالية، إلا أننا عشقنا جوه الحاني وتأقلمنا مع شمسه الحارقة.
كنا نقضي معظم أوقاتنا بالقرب من البحر وساحله، وأحياناً بين أمواجه. كنا نجمع الأصداف ونبني القلاع الرملية، وقد كان جميع الأطفال منسجمين مع تلك الحياة البريئة، فقد كنا نتسابق بجانب البحر ونتعارك أحياناً بل كنا نغرق فينقذ بعضنا الآخر، إلا أن هذه الأرض الطيبة والمحبة التي أنجبتها كانتا دائماً ما تجمعنا على غاية واحدة دون أن يفرقنا لون أو نسب أو مذهب، وذلك في سبيل حب هذه الأرض.
من جانب آخر، كانت الأمهات يتجمعن حول العيون وهن يأكلن «الحلوى» التي اشتهرت بلادنا بصنعها، وهن يتمازحن ويضحكن، ويسردن لبعضهن البعض حكايات الماضي وأمجاد هذه الأرض العريقة، ويتبادلن الحديث عن حياتهن، ويستعرضن ما تصنعه أيديهن من ملابس وغيرها من المنتجات اليدوية. فتلك تبهرنا بما لديها في صندوقها «المبيت»، وتلك تستعرض ما لديها من ملابس اشتهرت في بلادنا كثوب «النشل» و»البخنق»، وأخرى تسرد «الحزاوي» والطرائف المضحكة.
في المقابل، كان الآباء كذلك يتجمعون من جميع نواحي البلاد في المقاهي والدواوين، يتذاكرون قصص الماضي، وبالتحديد أيام البحر والغوص، سائرين في هذه الحياة على قلبٍ واحد، يفرحون لفرح أحدهم، ويحزنون لحزن أي فرد منهم، يهبون لمساعدة المحتاج ويضحون من أجل بعضهم البعض ومن أجل هذا الوطن الذي كان كالجسد تتجمع فيه أرواح أولئك الرجال.
وبعدما كبرنا فإننا مازلنا نجتمع صغاراً وكباراً، أطفالاً وشيباناً، نأتي مسارعين لنيل فرحة اللقاء، فهذا يأتي من ضواحي المحرق وذلك يأتي من أزقة المنامة، وهذه تأتي من مزارع سترة وتلك تأتي من حقول المالكية، والبعض يأتي على سفينة من جزيرة النبيه صالح.
لم يعرف هذا الوطن غنياً أو فقيراً، ولم يفرق بين صغيرٍ وكبير، فقد كانت القلوب مجتمعة على قلب رجلٍ واحد، شعارنا الحب وسلاحنا الوفاء والانتماء. وسنظل هكذا نكبر ويكبر الحب فينا، وسنبقى كذلك وإن توالت علينا موجات من العبث وهجمات من التفريق، بل سنكون دائماً وأبداً دروعاً منيعة في وجه كل عدو حاقد وفي وجه كل طامعٍ بغيض.
سنظل بإذن الله تعالى مجتمعين متحابين، وسنورث الأجيال بعدنا هذا الحب والإخلاص، وسننحت في أفئدتهم حب هذه الأرض وترابها، فالبحرين كانت وستبقى أبداً شعلة نستنير بها، ونبراساً نسير خلفه، ورمزاً نعيش من أجله ولواءً نحمله ونموت فداءً له.
ولن يعي هذا الكلام إلا من قذف المولى في قلبه الحب والسلام، وتزخرف فؤاده بالوفاء والمروءة. هو فقط من سينعم بظلال هذه الأرض العزيزة، المغروسة في الروح والمزروعة في الوجدان. ألا ما أغلاك يا عز الأوطان.
صالح يوسف صالح