تقرير «بنا» - لم يغفل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، في كلمته السامية بمناسبة الأعياد الوطنية، أن يدعو مجدداً كل صاحب بصيرة ورأي نافذ وعمل مخلص إلى المشاركة في الجهد المبذول لرفعة الوطن، والمزيد من العمل للوصول به إلى مكانة يرجوها كل مخلص محب للوطن، ممن أفنوا عمرهم في سبيل نهضته ومجده. تطرق الخطاب السامي إلى أهمية هذا الحضور الراسخ وسط مواطنيه، والوجود الدائم بين شعبه المحتفل ليسطر سطراً جديداً في مسيرة بناء الوطن، وليؤكد بمناسبة الأعياد الوطنية، هذه الأيام ومنذ أمد، أن الهوية الوطنية البحرينية بقيمها السامية الجامعة حقيقة لا يمكن أن ينكرها سوى جاحد لا يستوعب ولا يعي ما قدمه الوطن لأبنائه، ممن يبدون استعدادهم يوماً بعد يوم لبذل الغالي والنفيس في سبيل النهوض والارتقاء بالبحرين منذ فتحها في عام 1783 وحتى اللحظة الراهنة.
ركز العاهل المفدى في كلمته على دور لم تبخل به أي مؤسسة وطنية وبمقدمتها الحكومة، وعملها ليل نهار من أجل تقدم البحرين والصعود بها إلى مصاف الدول الناهضة، بل وشد على أيدي هذه المؤسسات وأثنى على جهودها من أجل مزيد من التطور في وقت لم يعد فيه الركون أو الانعزال خياراً يمكن تبنيه أو حتى التفكير فيه واللجوء إليه، وقت لم يعد حتى مسموحاً فيه العمل بشكل منفرد، دون أن تكون ضمن تحالف تنضوي إليه يدفع عنك وتدافع عنه وبحيث يكون عمقاً استراتيجياً حقيقياً.
لم يكن غريباً ألا يغفل العاهل المفدى مجدداً، تلك الإشارة المحورية لموقف المملكة الثابت وإرادتها الصلبة من الاتحاد الخليجي المنتظر، معلناً أن البحرين وبعزيمة راسخة تظل دائماً وأبداً سباقة في كل جهد يمكن أن يسهم في تطوير منظومة مجلس التعاون، ومؤكداً أن المملكة على استعداد منذ اليوم، وربما قبل هذا اليوم وبعده أيضاً، لإعلان الاتحاد، في تطلع يقيني أن الاتحاد الخليجي ليس فقط قادماً، بل قائماً بالفعل، وينتظر فقط الظروف المناسبة لإطلاقه وإخراجه للنور.
من الطبيعي أن يشيد العاهل المفدى في كلمته بدور المملكة البارز في احتضان أحد أبرز مؤسسات التعاون الخليجي المشترك الجديدة، مثنياً على جهد البحرين وإسهاماتها الواضحة في دعم وتعزيز مؤسسات العمل الخليجي، في إشارة لتوفير مقار القيادة العسكرية الموحدة لضمان العمل الدفاعي المشترك ومركز التنسيق للأمن البحري، وهما المركزان اللذان يمثلان نواة حقيقية لأي اتحاد خليجي ينتظر الإعلان عنه، باعتبار أن الشق الدفاعي العسكري هو أحد أبرز أركان التحالفات الإقليمية والدولية القائمة.
قارب جلالته في كلمته الموجزة كل التفاصيل المهمة، الدعوات الموحية لتعزيز وحدة البحرين الوطنية وهويتها العربية والإسلامية، في وقت يحاول فيه البعض الالتفاف على المشروع الوطني، تاريخ المملكة الثابت في التعايش والتسامح بين مختلف أبناء الوطن دون تفرقة وتمييز رغم محاولة البعض إعطاء انطباع مخالف، انفتاح البحرين الذي عرفت وتعرف به في المحافل المختلفة، وكان إحدى سماتها المميزة طوال تاريخها، وأضفى عليها وجهاً حضارياً ميزها عن أقرانها وجيرانها.
التوجيهات المتضمنة بالكلمة السامية تحتوي على الكثير مما يمكن الإشارة إليه والتحدث عنه، رؤى وقيم وتوجيهات يصعب في هذا الإيجاز السريع تغطيته والإحاطة به، وإن كان يسهل الإشارة لبعض دلالاته، منها قدرة المملكة على التعلم والاستفادة من تجارب ونجاحات الآخرين، ما يفسر تحرك قادتها إلى مختلف دول العالم شرقاً وغرباً، بهدف نقل وتوطين هذه التجارب في المملكة باعتبارها مصدر قوة للبلاد، وأحد مصادر منعتها، خاصة أنها تعد السبيل الوحيد لتطوير الأداء الوطني في شتى المجالات.
هذا الجهد البحريني في الخروج للعالم وتعميق سياسات الشراكة مع الغير وتنويع التحالفات لا يقصد به سوى هدف واحد أسمى وهو «تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتوفير الخدمات الأساسية»، وهو ما أكد عليه العاهل المفدى في ثنايا خطابه، إذ إن أي تحرك للدولة وأجهزتها التنفيذية سواء في الداخل أو الخارج لا يستهدف غير مصلحة المواطن، باعتباره عماد نهضة الوطن وموضوع خططه وبرامجه ومشروعاته التنموية السياسية منها والاقتصادية، فضلاً عن الاجتماعية بطبيعة الحال. قد لا يكون هناك دليل على هذا المعنى إلا إشارة العاهل المفدى الواضحة وتوجيهاته الكريمة بسرعة بناء 40 ألف وحدة سكنية جديدة في أقصر مدة ممكنة، إضافة إلى ما يلحق ذلك أو يرتبط به من خدمات مكملة أخرى، ولا غرض بالتأكيد من كل ذلك سوى «توفير الحياة الكريمة والبيئة المناسبة للمواطنين» ممن باتوا بمقدمة مؤشرات تقارير التنمية البشرية العالمية بفضل سياسة القيادة الرشيدة في الارتقاء بحياة المواطنين ومستوى معيشتهم.
لا شك أن من بين أبرز دلالات الكلمة السامية الأخرى ربطه الصريح بين ما تحقق على أرض الوطن من منجزات شملت مختلف القطاعات، وبين وجود قوة تحميها وتوفر لها الحماية ومقومات الاستقرار اللازمة للنمو والتطور، في إبراز للدور البالغ الخطورة للأجهزة الأمنية والدفاعية، وفي مقدمتها قوة الدفاع والحرس الوطني والشرطة، حيث أثنى جلالة العاهل المفدى على جهود منتسبي هذه الأجهزة كافة، ممن لم يدخروا جهداً لحفظ أمن الوطن وطمأنينة واستقرار شعبه، ولم يطرقوا طريقاً إلا لحماية مكتسباته ويدعموا سياج قوته.