تحقيق - محمد بحر:
يشكل الحجاب تابواً فنياً للمخرجين والكتاب العرب في حين يبقى رمزاً لتميز السينما الإيرانية؟. حيث تلجأ الفنانات العربيات بدخول عالم الحجاب كبوابة جديدة للاعتزال أو لزيادة الأجر المستحق بطريقة عصرية تتواكب مع جدلية الحجاب والفن والسينما النظيفة. لكن السؤال المهم في هذا التحقيق من يصل أولاً للعالمية؛ السيقان العارية أم الرؤوس المغطاة؟.
التقينا بالمخرج أحمد الفردان ويرى أن هناك الكثير من الأفلام التي أشركت شخصيات محجبة في قصصها، لعلها في الأفلام الأجنبية تكون رمزاً لشخصية المرأة المسلمة، وعادة ما تظهر المرأة بالحجاب، لتبيان التزامها بالعادات والتقاليد العربية المفروض عليها في غالب الأمر، وليس تبيان التزامها الديني، لكن في الأفلام العربية للأسف في الكثير من الأحيان تكون المرأة المحجبة منزهة وخالية من العيوب، وهذا يعود بالدرجة الأولى للعقلية الشرقية أو الإسلامية التي ترى في المرأة المحجبة بأنها تمثل قيم الالتزام والطهارة، من ناحية أخرى فإن اقتصار دور الفنانة المحجبة في الأدوار الثانوية يعود إلى المخاوف من التعرض للشخصية المحجبة بشيء من التفصيل خوفاً من رد فعل المجتمع أو المتدينين على وجهٍ خاص، لذلك نرى أن السينما الإيرانية قدمت الفنانة المحجبة بشيء من التفصيل وحازت هذه الأفلام على جوائز عالمية وهي أفلام غالباً ما تحمل نقداً شديداً لحالة التشدد الديني أو قمع الحريات في إيران، ولعل المخرجة الإيرانية سميرة مخملباف كثيراً ما تعرضت لقضايا المرأة في أفلامها، وعن سؤالنا له كيف تعاملت السينما العربية مع المرأة؟ أجاب: في رأيي هناك الكثير من الإفلام التي تتحدث عن المرأة وقضاياها، لكنها للأسف لم تستطع الولوج إلى المناطق المحرمة بحسب العادات والتقاليد العربية و الخليجية خصوصاً، أما بالنسبة للأفلام المصرية نجد بأنها دخلت المناطق المحرمة، لكن بشكل مبتذل نوعاً ما، بهدف الإثارة والكسب المادي.
ومن نفس الاختصاص قال المخرج الشاب محمد إبراهيم» هناك نظرة قاصرة إلى المرأة بشكل عام هي إنسانة قبل أن يكون لها دين أو معتقد، فالحجاب في علم المادة هو قطعة قماش، فهنالك العديد من المحجبات لا حول لهن ولا قوة وهنالك محجبات محتشمات وعلى خلق رفيع»، مضيفاً «من وجهة نظري الجهة المنتجة للعمل تنظر إلى المرأة كأداة إعلانية رخيصة وهذا الشيء للأسف يقلل من شأن المرأة في المجتمع وفي هذه النقطة تتجه جهات الإنتاج للبحث عن المرأة الجميلة وإبراز مفاتنها وتعرية شيء من جسدها، لجذب الجمهور السطحي والمتواضع، الذي يتواجد في دور العرض دائماً، لكن إذا اطلعنا على الأفلام الإيرانية سنجد أن المرأة المتحجبة تعطى أدواراً بطولية وذلك لاحترام عقل المشاهدين الذين ينظرون للفيلم السينمائي كقضية مجتمعية لا كفيلم سطحي بينما في السينما العربية هنالك تفاوت في المفاهيم وتفاوت في طريقة التفكير والعقليات بين مجتمع وآخر وبين شركة إنتاج وأخرى، يوجد من احترم المرأة وقدرها ويوجد من ساهم في تشويه صورتها من خلال تناول المرأة كأداة لجذب الجمهور لا أكثر.
ومن عالم الفن وأهله التقينا بالممثلة المحجبة شفيقة يوسف، التي نقلت تجربة حجابها بالوسط الفني لتقول، إن: «الفنانة المحجبة استطاعت أن تثبت وجودها في الدراما العربية عموماً والخليجية خصوصاً، وقدمت العديد من الأدوار التي كان لها صدى جميل»، مضيفة أن «للفنانة المحجبة خصوصية ما قد يفرض عليها نوع معين من الأدوار تتناسب مع حجابها مما يقلل فرص حصولها على الأدوار، خصوصاً الفنانات الشابات فالفرص الشاغرة لهن شحيحة مقارنة بالفنانات غير المحجبات اللاتي يحظين بصيد ثمين في السينما بالتحديد في ظل الجدل الدائر عند المخرجين حول الفنانة المحجبة، فبعض المخرجين يرفضون التعامل مع الفنانة المحجبة ذلك -حسب رأيهم- لأنها لا تعطي واقعية للعمل الدرامي كارتداء الحجاب في كل الأوقات وإقناع المشاهد بفنانة نائمة وتلبس الحجاب مثلاً. وتوضح أن هذا من جانب، أما الجانب الآخر لابد للفنانة أن تحترم حجابها وتلتزم به سواء على الشاشة أو في حياتها العامة.
وتتفق د.خلدية آل خليفة قسم الإعلام والسياحة والفنون كلية الآداب - جامعة البحرين مع الفنانة شفيقة في رأيها للفنانة المحجبة لها إطار وخصوصية تقصرها بالأدوار الثانوية وذلك لعدم ملاءمة الدور المطلوب في كل ظروفه، وربما لأن تاريخ الإنتاج السينمائي بدولنا العربية قد تعود على ما بدأ به من تقاليد مهنية، فالسينما العربية نشأت في زمن يخلو من فرض الحجاب بشكل المعاصر، وشاهدنا أفلاماً تبدو فيها الفنانة بلبس الحجاب، ولكننا لا نستطيع أن نسميه غزواً بالمعنى الدقيق، ولا نستطيع أن نجزم تفوق الممثلة المحجبة على غير المحجبة، فإذا كانت الفنانة محجبة من الأساس، فإنها ستلتزم بحجابها طوال مشاهد الفيلم، الأمر الذي قد يتعارض مع تصوير الواقع، ما قد يؤدي إلى حدوث نوع من التصادم بين ما سيتم تصويره وبين الواقع نفسه، فتصوير الفنانة وهي في غرفة نومها وبحجابها، أو كسجينة أو شرطية في مهمة خارجية على سبيل المثال، قد يستدعي تخلي الممثلة المحجبة من الأساس عن حجابها لتأدية بعض المقاطع، ولا تنسى بأن الممثلة المحجبة قد تعرضت لأقسى أنواع المحاكمات حين قامت بمحاكاة الأدوار السينمائية بإتقان ومسؤولية وتعاطت مع ظروف الدور كما حدث لبعض الممثلات الإيرانيات مؤخراً، فقد قمن بتأدية الأدوار بظروفها المختلفة وتعرضن لأقسى أنواع المحاكمات.
وكذلك توافق الكاتب أمين صالح مع د.خلدية حول الحجاب بالسينما الإيرانية بكونه الحجاب مفروض على كل ممثلة ويمنع منعاً باتاً تصوير أي ممثلة بلا حجاب، وأي خروج عن هذا القانون سيؤدي إلى منع عرض الفيلم ومعاقبة الممثلة بالحبس والجلد لذلك نجد أن المرأة المحجبة تلعب دوراً رئيساً لأن الوضع الاجتماعي والسياسي يفرض ذلك، وبعض السينمائيين يتجنبون البحث أوالخوض في القضايا الدينية، ومعنى الحجاب وقيمته، لذلك فإن حضور الحجاب ليس غالباً لضرورة درامية، بل إن الممثلة نفسها ترتدي الحجاب في حياتها العامة ولا تقبل خلعه أمام الكاميرا، أو للدلالة على تمسك الشخصية بالقيم الدينية، أما في السينما العربية فقليلة هي الأفلام التي تلعب فيها المرأة دوراً أساسياً ومؤثراً، فالسينما مجال فني مفتوح أمام أي موهبة، بصرف النظر عن جنسية الممثل أو الممثلة وهويته ومعتقداته وانتماءاته وأيديولوجيته، سواء أكانت محجبة أم لا، هي ممثلة وبإمكانها أن تؤذي مختلف الأدوار ومهما كان حجم هذه الأدوار، حسب موهبتها وقدراتها فالحجاب ليس عائقاً.
يرى الخبراء أن الحجاب يمثل قدسية ورمزية للمرأة المسلمة الملتزمة دينياً مما يحد من تحركاتها سينمائياً، ولعل الفيلم المغربي «حجاب الحب» الذي تناول المرأة المحجبة التي أقامت علاقة خارج إطار الزوجية خلف حالة من الغضب الشديد في أوساط النقاد والمحافظين وأثار ردود فعل قوية، واتهم المخرج بتوظيفه الحجاب بطريقة تسيء إلى الإسلام، بينما دافع آخرون عن الفيلم واعتبروا أن الفيلم ينقل الواقع سينمائياً، بينما يرى آخرون بأن الفيلم كان يجسد حالة من الواقع حيث الحب و ارتكاب الخطيئة لا يقتصر على الفتاة المحجبة فقط، وعن المشاهد الساخنة في الفيلم قال المخرج إنه نقل ممارسات اجتماعية موجودة ومتفشية في المجتمع، وأضاف «لم أقصد الإساءة للنساء المتدينات المحجبات، لكنني أردت من خلال الفيلم إثارة نقاش حول التناقضات التي يعرفها المجتمع المغربي بين الأصالة والمعاصرة، ولم أقم إلا بإثارة التساؤلات التي يمكن أن تطرح حول موضوع الحجاب، وحول توظيفه من طرف بعض النساء لغاية ما، دون المس بالمحجبات عن قناعة». ومن هذا المنطلق نرى بأن قدسية الحجاب لا يشكل أي عائق فني للفنانة المحجبة واجتمعت آراء الخبراء بأن السينما الإيرانية وصلت للعالمية بفضل الفنانة المحجبة واستطاعت أن تثبت جدارتها بحصدها للجوائز الدولية في مجال السينما، ما شجع الفنانة العربية على الظهور محجبة بشكلٍ أوسع من السابق خصوصاً في السينما المصرية.