كتب - وليد صبري:
تشارك مملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، دولة قطر الشقيقة احتفالاتها بعيدها الوطني الـ»42»، تجسيداً للعلاقات التاريخية الأخوية الوثيقة القائمة بين البلدين منذ استقلالهما عام 1971، وسط اهتمام مشترك بمواصلة مسيرة البناء والتنمية ومد جسور المحبة والتعاون على جميع الأصعدة بفضل السياسات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، وأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر.
وتعد العلاقات البحرينية القطرية نموذجاً يحتذى به في التكامل ووحدة المصير بين الدول الخليجية والعربية من حيث متانتها وقوتها والروابط التاريخية والعلاقات الأخوية ووشائج القربى والمصاهرة التي تربط بين الشعبين الشقيقين.
ويؤكد حضرة صاحب الجلالة ملك مملكة البحرين المفدى وحضرة صاحب السمو أمير قطر حرصهما المشترك على توسيع آفاق العلاقات الثنائية بين البلدين، والارتقاء بها في شتى الميادين الاقتصادية والتجارية بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، معربين عن اعتزازهما بالمستوى الذي وصلت إليه علاقات البلدين في مختلف المجالات.
وقد شهدت العلاقات الثنائية بين البحرين وقطر ازدهاراً في شتى المجالات بفضل التوجيهات السديدة لحكومتي البلدين، وحرصهما على تعزيز أواصر وعلاقات التعاون في كافة المجالات. وتتميز العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي بالتوافق تجاه القضايا الإقليمية والدولية وتطابق الرؤى في العديد من القضايا التي تهم منطقة الخليج والأمتين العربية والإسلامية اعتماداً على منهج العقلانية والحكمة والتمسك بمبدأ الحوار والرغبة الصادقة في تفعيل التعاون الثنائي بما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين، ولاشك في أن العلاقات بين البلدين استراتيجية وتبشر بمستقبل زاهر، حيث إن البحرين وقطر شريكان استراتيجيان وسياسيان في مجلس التعاون الخليجي. كما تعد الزيارات المتعددة التي تقوم بها القيادة السياسية وكبار المسؤولين في البلدين دليلاً واضحاً وملموساً على الرغبة في إيجاد علاقات تقارب خاصة وتترجم معنى الشراكة الحقيقية وتعميق التعاون في كافة المجالات بين البلدين بما ينعكس إيجاباً على وحدة وتماسك الصف الخليجي والعربي.
التعاون الاقتصادي
على الصعيد الاقتصادي تشهد العلاقات بين البلدين تعاونا مثمرا، خاصة على مستوى الزيارات المتبادلة من قبل كبار المسؤولين والاتفاقات الاقتصادية والتجارية التي تؤكد عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، كذلك فإن رجال الأعمال في البلدين لديهم الحافز وتتوافر لديهم الإمكانات لتوطيد وتعزيز العلاقات الاقتصادية، خاصة أن الفرصة مهيأة أمامهم لإقامة شراكات وعلاقات اقتصادية وتجارية تسهم في تعزيز اقتصاد البلدين.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بنهاية عام 2011، نحو 827 مليون دولار، بينهم 740 مليون دولار صادرات من البحرين إلى قطر، و87.5 مليون دولار واردات البحرين من قطر.
اللجنة المشتركة
تعتبر اللجنة البحرينية القطرية المشتركة التي أنشئت عام 2000 مؤشراً قوياً يعكس الرغبة الصادقة في تحقيق الوحدة والترابط الوثيق لما فيه خير ومصلحة الشعبين، وتحقيق طموحاتهما في المزيد من الاستقرار والرفاهية، وقد عملت اللجنة ولاتزال تعمل على وضع لبنات صرح العلاقات الأخوية المستقبلية بين البلدين وتدعيمها من خلال مختلف المشاريع التي تلبي متطلبات الشعبين البحريني والقطري. كذلك يعد الاتفاق البحريني القطري بشأن قيام قطر بتزويد البحرين بالغاز الطبيعي ثمرة لمسيرة العلاقات الاقتصادية والشعبية المتميزة بين البلدين وسيؤمن الاحتياجات المنظورة لتنمية الاقتصاد البحريني.
ونظراً لأن البحرين تعتبر مركزاً مالياً دولياً هاماً في المنطقة فإن هناك فرصاً على جانب كبير من الأهمية للقطاع الخاص القطري في الاستثمار في القطاع المصرفي في البحرين، خاصة الوحدات المصرفية الخارجية للمساهمة في توفير جانب من التمويل اللازم لمشروعات التنمية الاقتصادية في قطر، وفقاً لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية القائمة.
التعاون الأمني
يشهد التعاون الأمني بين البحرين وقطر تطوراً ملحوظاً حظي بإشادة خليجية، حيث أشاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني، بالتعاون الأمني البناء والمثمر بين البحرين وقطر، والذي أدى إلى كشف وضبط خلية إرهابية كانت تخطط لارتكاب أعمال إجرامية في مملكة البحرين، تستهدف بعض المنشآت الحيوية والأشخاص.
جسر المحبة
يشكل جسر المحبة بين البحرين وقطر جسراً لمزيد من التواصل والمحبة والتلاحم والتآزر والتعاضد، ورمزاً لكل معاني الأخوة والتعاون وتكريس مفاهيم القربى والجوار، ويأتي تجسيداً للمعاني والقيم الحضارية للإنسان القطري والبحريني، كما سيكون له دوره في تنمية وتطور التبادل التجاري، وإقرار المزيد من المشروعات المشتركة بين البلدين والمساهمة في سرعة الانتقال وتبادل الزيارات بين الشعبين. وقد عاد مشروع «جسر المحبة» إلى الواجهة من جديد بعد أن أرجئ لأكثر من 4 سنوات، حيث كان البلدان قررا إنشاء جسر يربطهما في عام 2009، لكن المفاوضات توقفت آنذاك. وجسر المحبة، بالإضافة إلى أنه سيكون أطول جسر في العالم، أيضاً يحتوي على سكة للقطارات، وسيختصر مسافات لطالما كان يراها بعض المواطنين الخليجيين طويلة. الجدير بالذكر أن بعض التصاميم تم تعديلها عما كانت عليه سابقاً عندما طرح المشروع للمرة الأولى، والتعديل الجديد سيضم بناء ممرين إضافيين للسكك الحديدية على جانب طريق الجسر. بدوره، قال وكيل وزارة المالية البحريني عارف خميس إن «المشروع استكمل المرحلة الخاصة بالتصاميم الهندسية الأساسية وتحديد مسار الجسر بين البلدين».
ويعتبر الجسر، الأطول في العالم في حال تنفيذه، إذ سيبلغ طوله 40 كيلومتراً، وبكلفة 4 مليارات دولار، وسيربط جزيرة البحرين بساحل شبه الجزيرة القطرية الشمالي الغربي، وسيكون نصف الجسر فوق مستوى البحر، والباقي سيمتد فوق أراضٍ مستصلحة، ويستغرق إنشاؤه نحو 4 سنوات. يذكر أن شركة «كوي» الدنماركية كانت وضعت التصاميم الأولية للجسر، وكانت دراسة سابقة توقعت أن يصل عدد السيارات التي تمر على الجسر بعد إنشائه إلى 4000 سيارة يومياً، لتبلغ 5000 في العام الذي يليه، و12 ألف مركبة مع حلول عام 2050.
إنجازات فريدة
في ظل احتفالات قطر بذكرى اليوم الوطني، فقد حققت الدولة العديد من الإنجازات في مختلف المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما تنتظر البلاد مستقبلاً زاهراً تحت قيادة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد في يونيو الماضي. وتولى الشيخ تميم مقاليد الحكم في قطر في 25 يونيو الماضيي، بعد تنازل والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني -وكما صدر في الأمر الأميري بتسميته «صاحب السمو الأمير الوالد»- عن الحكم. والشيخ تميم المولود في 3 يونيو 1980 يعد أصغر حاكم عربي يتولى الحكم وهو في الـ33 من عمره، ورأت مجلة «التايم» الأمريكية أن «تولي الشيخ تميم سيضخ دماً جديداً شاباً ليس في قطر وحسب بل في المنطقة بأسرها.
وتولى ولاية العهد في 5 أغسطس 2003 بعد أن تنازل له عنها أخوه الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني. وحصل الشيخ تميم على الشهادة الثانوية من مدرسة شيربورن بالمملكة المتحدة عام 1997، وتخرج في أكاديمية سانت هيرست العسكرية الملكية بالمملكة المتحدة عام 1998 ليلتحق بعدها بالقوات المسلحة القطرية. وكأمير للبلاد يتولى الشيخ تميم قيادة القوات المسلحة ورئاسة مجلس العائلة الحاكمة. وتقول مجلة «التايم» الأمريكية عن الشيخ تميم إنه «يعيش حياة هادئة، وعاد لتحمل المسؤوليات في بلاده بعد انتهائه مباشرة من تحصيله العلمي في بريطانيا». وتولى الشيخ تميم رئاسة المجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية، ورئاسة المجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الأعلى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومنصب رئيس مجلس إدارة هيئة الأشغال العامة، والهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني.
وشغل أيضاً مناصب رئيس مجلس إدارة جهاز قطر للاستثمار، ورئيس مجلس أمناء جامعة قطر، ورئيس اللجنة الأولمبية الأهلية القطرية، ونائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار، ونائب رئيس اللجنة العليا للتنسيق والمتابعة، وعضو اللجنة الأولمبية الدولية. وتفيد صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية بأن «الشيخ تميم اضطلع خلال عهد والده الشيخ حمد بأدوار سياسية مهمة، خصوصاً علاقات بلاده مع السعودية والعلاقات مع ليبيا بعد القذافي». وكان الشيخ تميم أكد في أول خطاب له بعد مبايعته أميرا لقطر تمسكه بسياسة بلاده الخارجية والتزاماتها الدولية. وقال أمير البلاد «ستبقى قطر كعبة المضيوم، عبارة قالها مؤسس الدولة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ورددها سمو الوالد، وسوف تبقى على هذا العهد في نصرة المظلومين»، وأكد «انحياز قطر لقضايا الشعوب وعدم انحيازها لأي طرف على حساب الآخر». وعرف الشيخ تميم باهتماماته الرياضية خاصة في كرة القدم وكرة المضرب، وأسس في 2005 شركة قطر للاستثمارات الرياضية التي تملك فريق باريس سان جيرمان الفرنسي بطل فرنسا لكرة القدم، والشريك الرسمي لبطل إسبانيا لكرة القدم فريق برشلونة. وتولى الشيخ تميم رئاسة اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية «الدوحة 2006»، ورئاسة ملف قطر للألعاب الأولمبية 2020. كما قاد جهود قطر للفوز بحق استضافة بطولة العالم للسباحة عام 2014، وبشرف تنظيم كأس العالم عام 2022. وتتبع جهات عدة للشيخ تميم، بينها الحي الثقافي «كتارا»، والأمانة العامة للتخطيط التنموي، وجهاز الإحصاء، وأكاديمية التفوق الرياضي «أسباير».
والشيخ تميم -الذي وصفه والده في حديثه لـ «الفايننشال تايمز» البريطانية عام 2010 بأنه يعمل في الظل وبهدوء- عرف عنه ولعه بالتراث والإرث الثقافي الخليجي.
السياسة الخارجية
على الصعيد الخارجي تضطلع قطر بدور بارز ضمن عضويتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي فقد اختطت قطر لمسيرة إنجازاتها سياسة واعية اعتمدت على الخطط الطموحة المرتكزة على دعم وتطوير التنمية الصناعية وبناء الإنسان القطري. وفي المجال الاقتصادي تتمثل أهم الأهداف الاستراتيجية الصناعية لدولة قطر في استغلال الثروات والموارد الطبيعية إلى أقصى درجة ممكنة إلى جانب تنويع مصادر الدخل ولاسيما التنمية الصناعية بوصفها الشريان الثاني للاقتصاد القطري. وتشجع الدولة استغلال المدخرات والفوائض المالية للقطاع الخاص للاستثمار في التنمية الصناعية عن طريق الاكتتاب في المشاريع الصناعية الجديدة وخصخصة جزء من الصناعات الوطنية الأساسية القائمة. كما تسعى إلى تطوير الإنتاج في الصناعات الاستخراجية ليصل إنتاج النفط إلى مليون برميل يومياً وإنتاج الغاز الطبيعي الخام إلى أكثر من 12 مليار قدم مكعب يومياً إضافةً إلى نصف مليون برميل يومياً من المكثفات المصاحبة لإنتاج الغاز. وقد حققت الصناعة في قطر إنجازات هائلة، ويأتي الجزء الأكبر من الناتج الوطني لقطر من الغاز والبترول إضافة إلى أن الصناعات البتروكيماوية التي تعتمد على الغاز تشهد هي الأخرى تطورات وتوسعات مهمة.
وسجلت دولة قطر نمواً ملحوظاً في الناتج المحلي الإجمالي كان لقطاع النفط والغاز جانب كبير في هذا النمو السريع مع تحقيق توسع قياسي في القدرات الخاصة بقطاع النفط والغاز، كما أدى نجاح دولة قطر في استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022 إلى تعزيز مكانتها بين دول العالم وبالتالي عزز ثقة المستثمرين ورجال الأعمال للاستثمار فيها مما يشكل دعماً كبيراً للتوقعات الاقتصادية المستقبلية لدولة قطر.
الجسور والأنفاق
تستثمر قطر أكثر من 20 مليار دولار على مشاريع الجسور والأنفاق لربط السكك الحديدية ومشاريع الطرق داخل المدينة وباقي دول الخليج. وأقامت دولة قطر عدداً من المدن الصناعية ومنها مدينة رأس لفان الصناعية وهي أحدث المدن الصناعية في قطر، وتقع المدينة على بعد 80 كيلاً شمال شرق العاصمة الدوحة وتبلغ مساحتها 106 كيلومترات مربعة ويعمل فيها نحو 6500 موظف وعامل. وتضم المدينة مصانع إنتاج الغاز الطبيعي المسال، كما تضم مرفأ صناعياً وتجارياً، ومنشآت صناعية متعددة. ويعد الميناء أكبر مرفأ لتصدير الغاز الطبيعي في العالم، وتبلغ مساحته الإجمالية 5.8 كيلومتر مربع، ويضم قسماً للتوكيلات الملاحية، وبرجاً للمراقبة.
الأغنى في العالم
هيمنت قطر على ترتيب الدول الأكثر ثراء في العالم في التصنيف الذي نشره معهد التمويل الدولي IIF، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. وحسب التصنيف، فقد حلت قطر في المرتبة الأولى بمعدل ناتج محلي إجمالي بلغ 106 الف دولار للفرد، لتتفوق بذلك على العديد من الدول في المنطقة العربية وأوروبا وأمريكا الشمالية. يشار إلى أن قطر برزت كأغنى بلد في العالم العربي سنة 2012، كما صنفت أغنى بلد في العالم سنة 2011، بعد أن قفز ناتجها المحلي الإجمالي قفزة تاريخية ليبلغ 182 مليار دولار السنة الماضية بفضل ارتفاع صادرات الغاز وزيادة أسعار النفط. وفي المجال العقاري في قطر يشهد القطاع ازدهاراً كبيراً، إذ من المتوقع أن يجلب هذا القطاع لقطر استثمارات تزيد على 22 مليار دولار من خلال العقود ومشاريع التطوير الجديدة.
كما أولت قطر اهتماماً كبيراً للقطاع الزراعي بوصفه أحد القطاعات الحيوية في تحقيق النمو الاقتصادي. وحقق القطاع الصحي في قطر خطوات عملاقة سواء من جهة توفير أحدث الأجهزة الطبية والمعدات أو من جهة استقطاب أفضل الكوادر الطبية والفنية وتوسيع رقعة الخدمات الصحية من خلال افتتاح عدة مراكز ومستشفيات في أنحاء متفرقة من البلاد. كما حققت الدولة إنجازات كبيرة في مجال التربية والتعليم والثقافة من حيث زيادة عدد المدارس الرسمية والمستقلة والأهلية وارتفاع عدد الطلاب المسجلين في مؤسسات التعليم الجامعي. وحققت البلاد تطورات هائلة في جميع المجالات الإعلامية والكهرباء والماء والشباب والرياضة لتشكل قفزة حضارية في حياة الشعب القطري الشقيق.
تطور الموانئ البحرية
تتميز الموانئ البحرية بقطر بالتطور والحداثة حيث تحتوي على كافة المستلزمات والخدمات والمعدات الضرورية للقيام بمهامها على أفضل وجه. ومن أهم الموانئ البحرية بقطر ميناء الدوحة التجاري وميناء مسيعيد التجاري والصناعي وميناء رأس لفان الصناعي.