قال شيوخ وعلماء دين إن «حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة»، جمع أمر الدين كله في عبارة واحدة فجعل الدين هو النصيحة كما جعل الحج عرفة في إشارة إلى عظم مكانها، وعلو شأنها في ديننا الحنيف»، مشيرين إلى أن «هناك 5 مواطن للنصيحة في الإسلام، فهي تكون لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم». وأضافوا أن «النصيحة وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنهم قد بعثوا لينذروا قومهم من عذاب الله، وليدعوهم إلى عبادة الله وحده وطاعته، فهذا نوح عليه السلام يخاطب قومه، ويبين لهم أهداف دعوته فيقول: «أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم»، وعندما أخذت الرجفة قوم صالح عليه السلام، قال: «يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين»».
وذكروا أن «النبي صلى الله عليه وسلم ترسم خطى من سبقه من إخوانه الأنبياء، وسار على منوالهم، فضرب لنا أروع الأمثلة في النصيحة، وتنوع أساليبها، ومراعاتها لأحوال الناس واختلافها، وحسبنا أن نذكر في هذا الصدد موقفه الحكيم عندما بال الأعرابي في المسجد، فلم ينهره، بل انتظره حتى فرغ من حاجته، وروى أبوهريرة رضي الله عنه تلك الحادثة فيقول «بال أعرابيٌ في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء، أو سجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين».
وأشاروا إلى أن «حديث النصيحة، عن تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، حدد فيه النبي صلى الله عليه وسلم مواطن النصيحة، وأول هذه المواطن النصيحة لله، وهناك معانٍ كثيرة تندرج تحتها، ومن أعظمها: الإخلاص لله تبارك وتعالى في الأعمال كلها، ومن معانيها كذلك، أن يديم العبد ذكر سيده ومولاه في أحواله وشؤونه، فلايزال لسانه رطباً من ذكر الله، ومن النصيحة لله أن يذب عن حياض الدين، ويدفع شبهات المبطلين، داعيا إلى الله بكل جوارحه، ناذراً نفسه لخدمة دين الله، إلى غير ذلك من المعاني».
وأصل النصيحة من الإخلاص، وإخلاص كل شيء بحسبه، فالإخلاص لله بالتوحيد، ولكتابه بأن تحسن تلاوته، وأن تتدبر ما فيه من المعاني العظيمة، وتعمل بما فيه، ثم تعلمه للناس.
ومن معاني النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما أخبر به من الوحي، والتسليم له في ذلك، انطلاقا من إيماننا العميق بأن كل ما جاء به إنما هو وحي من عند الله، ومن معاني النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعته فيما أمر به، واتباعه في هديه وسنته، وهذا هو البرهان الساطع على محبته صلى الله عليه وسلم.
أما الموطن الرابع فهو النصح «لأئمة المسلمين» ، والمراد بهم العلماء والأمراء على السواء، فالعلماء هم أئمة الدين، والأمراء هم أئمةٌ الدنيا، فأما النصح للعلماء: فيكون بتلقي العلم عنهم، والالتفاف حولهم، ونشر مناقبهم بين الناس، حتى تتعلق قلوب الناس بهم، ومن النصح لهم، عدم تتبع أخطائهم وزلاتهم، فإن هذا من أعظم البغي والعدوان عليهم، وفيه من تفريق الصف وتشتيت الناس ما لا يخفى على ذي بصيرة، وأما النصيحة لأئمة المسلمين فتكون بإعانتهم على القيام بما حملوا من أعباء الولاية، وشد أزرهم على الحق، وطاعتهم في المعروف.
والموطن الخامس من مواطن النصيحة، عامة الناس، وغاية ذلك أن تحب لهم ما تحب لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم في معاشهم ومعادهم، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه، وتذكرهم به إذا نسوه، متمسكاً بالحلم معهم والرفق بهم، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين.
وفي هذا الصدد، يعلق الشيخ محمد راتب النابلسي على حديث «الدين النصيحة» بقوله «لا تجد مؤمناً صادقاً، ولا تجد مسلماً مخلصاً إلا وهو ينصح من حوله النصيحة المخلصة، وهي لا تقدر بثمن، فالنبي عليه الصلاة والسلام شرط على سيدنا جرير بن عبد الله حينما أتاه يبايعه على الإسلام شرط عليه النصح لكل مسلم، ولكن النصح لكل مسلم له شروط، ومن أولى شروطه الرفق واللين».
من جهته، قال الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد إن «النصيحة كلمةٌ جامعة غايتها إرادة الخير للمنصوح وتحصيله له وإرشاده إليه وتنبيهه إلى اجتناب العيوب وتحذيره من الانحراف في القول والعمل والمعاملة، يقول العلامة محمد بن نصر رحمه الله في تعبير دقيق جميل «النصيحة هي عناية القلب للمنصوح له كائنًا من كان، وتفقد نفسه وإصلاحها».
ويكفي ذلك أن نبينا محمداً حصر الدين في النصيحة، وفي هذا الصدد يقول العلامة ابن بطال إن «النصيحة تسمى ديناً وتسمى إسلاماً».
وأضاف بن حميد ان «النصيحة والتناصح من أعظم الحقوق بين المسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حق المسلم على المسلم ست، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه».
ويقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه «بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم».
وأضاف بن حميد أن «المؤمنين للمؤمنين كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، ويقول أبوالدرداء رضي الله عنه «إن شئتم لأنصحن لكم، إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة «، ويقول الفضيل رحمه الله «ما أدرك عندنا ما أدرك بكثرة الصلاة والصيام وإنما أدرك عندنا بنقاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة».
وقال أبو بكر المزني رحمه الله «ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب رسول الله، لا بصلاة ولا بصيام، ولكن بشيء كان في قلبه»، وعلق ابن أبي علية على ذلك بقوله «الذي كان في قلبه، الحب لله والنصيحة لخلقه».
وشدد بن حميد على ان «المسلمين بعضهم لبعض كالبنيان يشد بعضه بعضاً، متعاونون على البر والتقوى، يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، والمسلم أخو المسلم يستر عورته ويغفر زلته، ويرحم عبرته ويقيل عثرته ويقبل معذرته، ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته، ويرعى ذمته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته، ويقضي حاجته ويشفع مسألته ويرد ضالته، لا يسلمه ولا يخذله، يحب له ما يحب لنفسه». وقال إن «من أهم النصح، النصح لأئمة المسلمين بحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم واجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم ومقاومة ذلك ودفعه، والتدين بطاعتهم طاعةً لله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل». ولفت بن حميد إلى أن هناك «جملة من الآداب ينبغي رعايتها حين القيام بحق النصيحة والتنصح، أبرزها الإخلاص في إرادة الخير للمنصوح، والحرص على ذلك والجد فيه، والتخلي عن الهوى وحظوظ النفس، والصبر على ما قد يصدر من المنصوح من جفوة أو تصرف منفر».