أكد شيوخ وعلماء دين أن «حفظ المؤمن لخالقه يكون باتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه، وبذلك يكون الجزاء من جنس العمل ويكون المؤمن محفوظاً برعاية الله ومشمولاً بمراقبته وعفوه في كل خطواته»، مشيرين إلى أن «سؤال المؤمن لربه واستعانته بخالقه في كل أوامر حياته، من أبرز مظاهر العبودية، والتقرب إلى المولى عز وجل». واستشهد العلماء بحديث أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي يقول فيه: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»، وفي رواية الإمام أحمد: «احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» .
واعتبر العلماء أن «الحديث مثال حي على التنشئة الإسلامية الفريدة، للأجيال المؤمنة في عهد النبوة، بما يحتويه هذا المثال على وصايا عظيمة، وقواعد مهمة، لان الله تعالى اصطفى الأمة الإسلامية من بين سائر الأمم، ليكتب لها التمكين في الأرض، وهذا المستوى الرفيع لا يتحقق إلا بوجود تربية إيمانية جادة تؤهلها لمواجهة الصعوبات التي قد تعتريها، والأعاصير التي قد تحيق بها، في سبيل نشر الإسلام، وإقامة شرع الله في الأرض»، موضحين أن «النبي صلى الله عليه وسلم حرص على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة، وأولى اهتماماً خاصاً للشباب، لأنهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعول عليها نصرة هذا الدين، وتحمل أعباء الدعوة».
وأولى الوصايا التي احتواها الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، فهي وصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى، ويلتزم بأوامره، ويقف عند حدود الشرع فلا يتعداه، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقت له، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل، مصداقاً لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال: «وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم». وهذا الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يقع على نوعين: الأول: حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه، فيحفظه في بدنه وماله وأهله، ويوكل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته. والثاني: حفظ الله للعبد في دينه، فيحميه من مضلات الفتن، وأمواج الشهوات.
لكن العلماء رأوا أن «الفوز بهذا الموعود العظيم يتطلب من المسلم إقبالاً حقيقياً على الدين، واجتهاداً في التقرب إلى الله عزوجل، ودوام الاتصال به، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية لهذا الحديث: «تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك فـي الشدة»، فمن اتقى ربه حال الرخاء، وقاه الله حال الشدة والبلاء».
ثم انتقل الحديث إلى جانب مهم من جوانب العقيدة، ويتمثل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله» ، وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبودية والافتقار إليه، بل هو العبادة كلها. وإن من تمام هذه العبادة ترك سؤال الناس، فإن في سؤالهم تذلل لهم ومهانة للنفس، ولا يسلم سؤالهم من منة أو جرح للمشاعر، أو نيل من الكرامة. وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال: «للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا»، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم رهطاً من أصحابه على ترك سؤال الناس، وكان منهم أبوبكر الصديق وأبو ذر الغفاري وثوبان رضي الله عنهم أجمعين، فامتثلوا لذلك جميعاً. وفي قوله: «إذا استعنت فاستعن بالله» أمر بطلب العون من الله تعالى دون غيره، لأن العبد من شأنه الحاجة إلى من يعينه في أمور معاشه ومعاده، ومصالح دنياه وآخرته، وليس يقدر على ذلك إلا الحي القيوم، الذي بيده خزائن السموات والأرض.
وإذا قويت استعانة العبد بربه، فإن من شأنها أن تعمق إيمانه بقضاء الله وقدره، والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه، ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له، ولن يستطيعوا أن يضروه بشيء لم يقدر عليه، ولم يكتب في علم الله، كما قال سبحانه: «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير».
وفي هذا الصدد، قال فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره حول الحديث الشريف «معنى احفظ الله تعني ألا تعتدي على محارم الله، لأن الله أعطاك النعم قبل أن يكلفك بطاعته، ومعنى «إذا سألت فاسأل الله» أي لا تسأل غير الله لأن المخلوق يجهل معرفة أمور الدنيا وأسرارها».
وأضاف الشيخ الشعراوي «في قول الرسول إذا استعنت فاستعن بالله معناها أي استعن بالله في كل شيء ومن جعله الله أهلاً للمعونة».
وقال إن «قضاء الله هو الذي يتحكم في مدى منفعة الناس وضررهم في علاقاتهم ببعضهم البعض، فلو اجتمع الناس على منفعة شخص لن ينفعوه إلا بإرادة الله وبما كتبه الله، وإذا اجتمعوا على أن يضروه لن يضروه إلا بما كتبه الله أيضاً، فالأمر كله بيد الله وحده، وفي كلا الحالتين ابتلاء من الله تعالى لعبده».
من جهته، قال الشيخ عائض القرني: «حديث احفظ الله يحفظك حديث شامل وجامع، ومعنى احفظ الله يحفظك أي أنك إذا حافظت على علاقتك بربك وأتمرت بأوامره وانتهيت عن نواهيه، تكون محفوظا برعاية الله وبمراقبة الله وعفوه في كل شيء في حياتك، وفي عمرك وفي أهلك وفي ذريتك».
وفسر الشيخ محمد راتب النابلسي الحديث بقوله إنه «قانون فوق المكان والزمان، وفوق الظروف وفوق كل شيء، في أي بيئة كنت، في أي وضع، وفي أي مجتمع، وفي أي معطيات، فهذا هو القانون الوحيد في تعامل الله مع البشر».
وأضاف أن «كل شيء يقع بإرادة الله، وهناك أزمات نفسية تطحن الإنسان سببها الشرك، وإذا آمن أن الله بيده كل شيء، وأن كل شيء وقع أراده الله، وأن هذه الإرادة متعلقة بحكمة الله البالغة، وأن حكمة الله البالغة متعلقة بالخير المطلق، لارتاح الإنسان، لذلك بعض الأزمان، وبعض المشكلات مؤلمة، لكن وقعها مع التوحيد يأتي مخففا، فعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عجبت من قضاء الله للمؤمن، إن أمر المؤمن كله خيرٌ وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له». وأوضح د.النابلسي أن «الصبر ثمين، والإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر، والصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان، ولذلك كانت الوصية النبوية أن النصر مع الصبر، وأن الفرج يأتي من بعد الكرب، وأن العسر يعقبه اليسر، وهذا هو الطريق الذي سلكه أنبياء الله عليهم السلام، وهكذا يكون النصر مرهوناً بالصبر على البلاء والامتحان».